الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث سدرة المنتهى ) : السدر شجر النبق ، واحده سدرة ، وإنما قيل لها سدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها ، فيقبض منها وإليها ينتهي [ ص: 287 ] ما يعرج من الأرض كما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وقيل غير ذلك . قال ابن دحية ، واختيرت السدرة دون غيرها لأن فيها ثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعم لذيذ ، ورائحة ذكية ، فكانت بمنزلة الإيمان الذي يجمع القول والعمل والنية ، وقد وقع عند مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن السدرة في السماء السادسة ، وظاهر حديث أنس - رضي الله عنه - أنها في السابعة ، قال القرطبي : وهو تعارض لا شك فيه ، وحديث أنس قول الأكثر وهو الذي يقتضيه وصفها بكونها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل ، وكل ملك مقرب ، ويترجح حديث أنس أيضا بأنه مرفوع وحديث ابن مسعود موقوف . قال الحافظ ابن حجر : كذا قال - يعني القرطبي - ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض ، ولا يعارض أنها في السماء السادسة ما دلت عليه الأخبار أنه وصل إليها بعد أن دخل في السماء السابعة ؛ لأنه يحمل على أن أصلها في السادسة وأغصانها وفروعها في السابعة ، وليس في السادسة إلا أصل ساقها ، قال ابن حجر : والأظهر أن سدرة المنتهى مغروسة بالأرض بدليل قوله : ونهران باطنان ، ولا يطلق هذا اللفظ وما أشبهه إلا على ما يفهم ، والباطن لابد أن يكون سريانه تحت شيء ، وحينئذ يطلق عليه اسم الباطن . وقال القاضي عياض : دل الحديث على أن أصل شجرة المنتهى في الأرض لكونه قال : إن النيل والفرات يجريان من أصلها ، وهما بالمشاهدة يجريان من الأرض ، فليزم منه أن يكون أصل السدرة في الأرض ، وتعقبه النووي بأن المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض ، والحاصل أن أصلها من الجنة ، وهما يخرجان أولا من أصل السدرة ثم يسيران إلى أن يستقرا في الأرض ثم ينبعان .

وفي أصل القصة : فإذا في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران ، وقال جبريل لما سئل عنها : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات . قال ابن أبي جمرة : هذا يدل على أن النيل والفرات ليسا من الجنة ، وسدرة المنتهى ليست في الجنة حتى يقال إنهما يخرجان منها بعد نبعهما من السدرة ، وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة ، والجمع بينهما والله أعلم أن الفرات والنيل منبعهما من السدرة ، وإذا أنزلا إلى الأرض [ ص: 288 ] يسلكان أولا على الجنة ، فيدخلانها ، ثم بعد ذلك ينزلان إلى الأرض . انتهى .

قلت : إذا قلنا : سدرة المنتهى في السابعة تعين أنها في الجنة ؛ لأن الجنة ليس سقفها سوى عرش الرحمن ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية