( ( ولست في قولي بذا مقلدا إلا النبي المصطفى مبدي الهدى ) )
( ( صلى عليه الله ما قطر نزل وما تعانى ذكره من الأزل ) )
( ( وما انجلى بهديه الديجور وراقت الأوقات والدهور ) )
( ( صلى عليه الله ) ) تقدم الكلام عن معنى الصلاة والسلام ، ( ( ما قطر نزل ) ) أي مدة دوام نزول الأمطار وتداول الأعصار ، والقطر هو الماء والنزول وكفه من العلو إذا هطل ، ( ( و ) ) - صلى الله عليه وسلم - ( ( ما تعانى ) ) المعتنون ( ( ذكره من الأزل ) ) في الأعصار الخالية والأطوار البالية والقرون الفانية والأمم الماضية ، فإنه لم يخل زمان من ذكره ولا أوان من التنويه بشرعه ومبعثه ونهيه وأمره إلى أن جاء إبان رسالته زمان بعثته وظهور مقالته فظهرت شمس نبوته على سائر كواكب النبوات ، فانخنست وبهرت رسالته المقالات فانطمست ، ( ( و ) ) - صلى الله عليه وسلم - ( ( ما انجلى ) ) أي تفرق وزال وانكشف ( ( بهديه ) ) الناصع ونور شرعه المشرق اللامع ( ( الديجور ) ) أي الظلام ، قال في القاموس : الديجور التراب والظلام والأغبر الضارب إلى السواد . أي مدة دوام انجلاء ظلام الشرك وسواد الإفك وغبار البدع والابتكار بمنار هديه ونور شرعه الذي أزال كل ظلال وأطفأ كل نار ، ( ( و ) ) ما بهديه - صلى الله عليه وسلم - ( ( راقت ) ) أي صفت ، قال في القاموس : [ ص: 455 ] الترويق التصفية والرواق المصفاة والريق تردد الماء على وجه الأرض من الضحضاح والرائق الخالص ، و ( ( الأوقات ) ) جمع وقت وهو المقدار من الدهر وأكثر ما يستعمل في الماضي ، والميقات يطلق على الزمان والمكان المضروب للفعل ، وفي نسخة ما راقت الأيام بدل الأوقات جمع يوم ، والمراد ما خلصت وصفت الأحوال جمع حال الواقعة في الأوقات والحاصلة في الأيام والساعات ، والحال كنه الإنسان وما هو عليه كالحالة ويراد بالحال الهيئة ومنه تغير من حال إلى حال ، ( ( و ) ) ما راقت ( ( الدهور ) ) جمع دهر وهو الزمان الطويل والأمد الممدود وقد يعد في الأسماء الحسنى ، والمراد على حذف مضاف والذي عده في الأسماء الحسنى نظر إلى ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " . وإلى ظاهر الحديث القدسي - قال الله تعالى : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " . قال يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر الحافظ ابن حجر في شرح ، وقال البخاري الخطابي معناه : أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل هذه الأمور عاد بسبه إلى ربه الذي هو فاعلها ، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور ، وكانت عادة الجاهلية أنهم إذا أصابهم مكروه أضافوه للدهر ، فقالوا : بؤسا للدهر وتبا للدهر .
قال المحققون : كفر ، ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر ولكن يكره له ذلك . وقد شن الغارة من نسب سيئا من الأفعال إلى الدهر حقيقة الحافظ ابن الجوزي على من نسب شيئا من ذلك إلى الدهر ولو لم يعتقد ظاهره في عدة مواضع من كتبه منها صيد الخاطر . وغلط من زعم أن الدهر من أسماء الله تعالى ، فإن الدهر مدة زمان الدنيا ، وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت . وقد تمسك الجهلة من القاضي عياض الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم ، لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه . وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث : " " . فكيف يقلب الشيء نفسه ؟ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا . وقال أنا الدهر أقلب ليله ونهاره محمد بن أبي جمرة : لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب [ ص: 456 ] صانعها ، فمن سب نفس الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ، وذكر نحو ما قدمنا من أن ليس للدهر ولا لليل والنهار فعل ولا تأثير ، فمن سب شيئا من ذلك يؤول من حيث المعنى أنه سب خالق ذلك . انتهى ملخصا .
( ( وآله وصحبه أهل الوفا معادن التقوى وينبوع الصفا ) )
( ( وتابع وتابع للتابع خير الورى حقا بنص الشارع ) )
( ( و ) ) صلى الله على ( ( آله ) ) أي أتباعه على دينه ، وقيل أقاربه الأدنون من بني هاشم وبني المطلب ، والأول اختيار في مقام الدعاء ، والثاني اختيار الإمام أحمد وقيل آله أهله ، والصواب جواز إضافته إلى الضمير خلافا لمن أنكر ذلك نعم هو قليل ، ( ( وصحبه ) ) وهم كل من اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا ومات على الإيمان ، وتقدم الكلام عليهم في أول الكتاب ، وفي قوله ( ( أهل الوفا ) ) إشارة إلى أنهم فعلوا ما أمروا ووفوا بما عاهدوا الله ورسوله عليه من بذل نفوسهم النفيسة ، وكل نفيس في نصرة الدين القويم والتمسك بهديه المستقيم . الإمام الشافعي
وقوله ( ( معادن التقوى ) ) يصح جره على التبعية لما قبله ونصبه بفعل محذوف تقديره أمدح ونحوه ورفعه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم ، والمعادن جمع معدن بكسر الدال ، قال الأزهري : سمي المعدن معدنا لعدون ما أنبته الله فيه أي لإقامته فيه ، يقال عدن بالمكان يعدن عدونا والمعدن المكان الذي عدن فيه الجوهر من جواهر الأرض أي ذلك كان .
وأحرى خلق الله تعالى وأجدر بإقامة التقوى فيهم وعدونها لديهم بعد أنبياء الله تعالى ورسله أصحاب نبيه المصطفى - رضوان الله تعالى عليهم - التحرز بطاعة الله تعالى عن مخالفته وامتثال أمره واجتناب نهيه ، وحقيقتها أن يجعل المرء بينه وبين معاصي الله وقاية تمنعه من انتهاكها والوقوع فيها ، فلا بد أن يجعل بينه وبينها حاجزا ، وفي سنن والتقوى الترمذي من حديث وابن ماجه عبد الله بن يزيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . وقال لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس - رضي الله عنه - : التقوى تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما حجابا بينه وبين الحرام . وتقدم الكلام عليها [ ص: 457 ] في صدر الكتاب . أبو الدرداء
( ( وينبوع الصفا ) ) معطوف على معادن والينبوع - بفتح التحتية وسكون النون وضم الموحدة وبعدها واو ساكنة فعين مهملة - عين الماء أو الجدول الكثير الماء كما في القاموس ، والصفاء ضد الكدر كالصفو والصفوة ، وصفوة الشيء مثلثة ما صفي منه ومنه صفا الجو إذا لم يكن فيه لطخة غيم ، من الكدر نقي من غبار البدع وقذى الفكر ، فمن ورد موردهم كرع صافيا زلالا ، ومن زل عن نهجهم شرب أجاجا قذرا وبالا ، ( ( و ) ) على ( ( تابع ) ) لهم بإحسان ( ( وتابع للتابع ) ) على نهج الاستقامة والإتقان ، وهؤلاء القرون الثلاثة ( ( خير الورى ) ) كفتى : الخلق أي من هذه الأمة وأفضلهم أحق بذلك ( ( حقا بنص الشارع ) ) للشرائع يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " فالصحابة الكرام ينبوع كل خالص " . قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - رضي الله عنهما - فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة . رواه عمران بن حصين البخاري ومسلم وغيرهما ، وكذا في حديث عند أبي هريرة مسلم ، ولفظ حديث : " أبي هريرة " . خير أمتي القرن الذي بعثت فيه
ولهذا المعنى قال :