وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29613_29426حدوث العالم فيمكن علمه
[1] بالسمع وبالعقل ، فإنه يمكن
nindex.php?page=treesubj&link=29626العلم بالصانع إما بالضرورة والفطرة ، وإما بمشاهدة حدوث المحدثات [2] ،
[ ص: 273 ] وإما بغير ذلك ، ثم يعلم صدق الرسول بالطرق الدالة على ذلك وهي كثيرة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28752_29620ودلالة المعجزات طريق من الطرق ، وطريق التصديق لا تنحصر في المعجزات ، ثم يعلم بخبر الرسول حدوث العالم .
وأما بالعقل فيعلم
[3] أن العالم لو كان قديما لكان : إما واجبا بنفسه ، وهذا باطل كما تقدم التنبيه عليه
[4] من أن
nindex.php?page=treesubj&link=29620كل جزء من أجزاء العالم مفتقر إلى غيره ، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه ; وإما واجبا بغيره فيكون المقتضي له موجبا بذاته بمعنى
[5] أنه مستلزم لمقتضاه ، سواء كان شاعرا مريدا أم
[6] لم يكن ، فإن القديم الأزلي إذا قدر أنه معلول مفعول
[7] ، فلا بد من أن تكون علة
[8] تامة مقتضية له في الأزل ، وهذا هو الموجب بذاته ، ولو كان مبدعه موجبا بذاته
[9] علة تامة لم يتأخر عنه شيء من معلوله
[10] ومقتضاه ، والحوادث مشهودة في العالم ، فعلم أن فاعله ليس علة تامة ، [ وإذا لم يكن علة تامة ]
[11] لم يكن قديما .
وهذه
[12] الحوادث التي في العالم إن قيل : إنها من لوازمه امتنع أن
[ ص: 274 ] تكون العلة الأزلية التامة علة للملزوم
[13] دون لازمه ، وامتنع أيضا أن يكون علة للازمه ; لأن العلة التامة الأزلية لا تقتضي حدوث شيء ، وإن
[14] لم تكن الحوادث من لوازمه كانت حادثة بعد أن لم تكن ، فإن
[15] لم يكن لها محدث لزم حدوث الحوادث
[16] بلا محدث ، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة ، وإن كان لها محدث غير الواجب بنفسه ، كان القول في حدوث إحداثه إياها كالقول في ذلك المحدث ، وإن
[17] كان الواجب بنفسه هو المحدث فقد حدثت عنه الحوادث بعد أن لم تكن حادثة ، وحينئذ فيكون قد تغير
[18] وصار محلا للحوادث بعد أن لم يكن ، والعلة التامة الأزلية لا يجوز عليها التغير والانتقال من حال إلى حال ، وذلك لأن تغيرها لا بد أن يكون بسبب حادث ، والعلة التامة [ الأزلية ]
[19] لا يجوز أن يحدث فيها حادث ، فإنه إن حدث
[20] بها مع أنه لم يتجدد شيء لزم الحدوث بلا سبب
[21] ، وإن لم يحدث بها لزم حدوث الحوادث بلا فاعل ، فبطل أن تكون علة تامة أزلية ، وإن جوز مجوز
[22] عليها الانتقال من حال إلى حال ، جاز أن يحدث العالم بعد أن لم يكن ، فبطل
[23] حجة من يقول بقدم العالم .
[ ص: 275 ] وأيضا ، فإنه على هذا التقدير
[24] لا يكون المنتقل
[25] من حال إلى حال إلا فاعلا بالاختيار لا موجبا بالذات . وإيضاح هذا
[26] أن الحوادث إما أن يجوز دوامها لا إلى أول ، وإما أن يجب أن يكون لها أول ، فإن وجب أن يكون لها أول بطل مذهب القائلين بقدم العالم القائلين بأن حركات
[27] الأفلاك أزلية .
وأيضا ، فإذا وجب أن يكون لها أول لزم حدوث العالم لأنه متضمن للحوادث
[28] ، فإنه إما أن يكون مستلزما للحوادث أو
[29] تكون عارضة له ، فإن كان مستلزما لها ثبت أنه لا يخلو عنها ، فإذا
[30] كان لها ابتداء كان له
[31] ( * ابتداء لازما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها ولا يتقدم عليها ، فإذا قدر
[32] أن الحوادث كلها كائنة بعد أن لم يكن حادث أصلا ، كان المقرون بها الذي لم يتقدمها كائنا
[33] بعد أن لم يكن قطعا * )
[34] ، وإن كانت الحوادث
[35] عارضة للعالم
[36] ثبت حدوث الحوادث بلا سبب ، ( * وإذا جاز حدوث الحوادث [ كلها ]
[37] بلا سبب [ حادث ]
[38] ، جاز حدوث العالم بلا سبب حادث * )
[39] [40] ، ( * فبطلت كل حجة توجب قدمه ، وكان القائل بقدمه قائلا بلا حجة أصلا * )
[41] .
[ ص: 276 ] وإذا قيل : يجوز أن يكون العالم قديما عن علته
[42] بلا حادث فيه ، ثم حدثت فيه الحوادث كان هذا باطلا ; لأنه إذا جاز أن يحدثها
[43] بعد أن لم يكن محدثا
[44] لم يكن موجبا
[45] بل فاعلا باختياره ومشيئته ، ( 5 والفاعل باختياره ومشيئته 5 )
[46] لا يقارنه مفعوله ، كما قد بسط في موضعه .
ولأنه على هذا يجب أن يقارنه القديم من مفعولاته ، ويجب أن
[47] يبقى معطلا عن الفعل إلى أن يحدث الحوادث ، فإيجاب تعطيله
[48] وإيجاب فعله جمع بين الضدين
[49] ، وتخصيص
[50] بلا مخصص
[51] ، فإنه
[52] بذاته إما أن يجب أن يكون فاعلا في الأزل . ( 12 وإما أن يمتنع كونه فاعلا في الأزل ، وإما أن يجوز الأمران .
فإن وجب كونه فاعلا في الأزل ، جاز حدوث الحوادث في الأزل ، ووجب أن لا يكون لها ابتداء ، والتقدير أن لها ابتداء 12 )
[53] ، وإن امتنع كونه [ فاعلا ]
[54] في الأزل امتنع أن يكون شيء قديم
[55] في الأزل غيره ، فلا يجوز قدم العالم خاليا عن الحوادث ولا مع الحوادث .
[ ص: 277 ] وإن جاز أن يكون فاعلا في الأزل ( 1 وجاز أن لا يكون لم يمتنع أن يكون فاعلا في الأزل 1 )
[56] ، فجاز
[57] حدوث الحوادث في الأزل .
[58] [ وإن قيل : بل يكون فاعلا لغير الحوادث ثم يحدث الحوادث فيما لا يزال ; كما يقوله من يقول
[59] بقدم العقول والنفوس ، وأن الأجسام حدثت عن بعض ما حدث للنفس من التصورات والإرادات
[60] ، وكما يقوله من يقول بقدم القدماء الخمسة
[61] ، كان هذا من أفسد الأقوال ; لأنه يستلزم حدوث الحوادث بلا سبب حادث أوجب حدوثها إذ لم يكن هناك ما يقتضي تجدد إحداث الحوادث ، مع أن قول القائل بقدم النفس يقتضي دوام حدوث الحوادث ، فإن ما يحدث من تصورات النفس وإراداتها حوادث دائمة عندهم ، وإذا كان القول بحدوث الحوادث بلا سبب حادث
[62] ، لم يكن هناك سبب يدل على قدم شيء من العالم ، والذين قالوا بدوام معلول معين عنه التزموا دوام الفاعلية فرارا من هذا المحذور ، فإذا كان هذا لازما لهم على التقديرين ، لم يكن لهم حاجة إلى ذلك الممتنع عند جماهير العقلاء .
[ ص: 278 ] ففي الجملة جواز كونه فاعلا في الأزل ، يستلزم جواز حدوث الحوادث في الأزل ، ولهذا لم يعرف من قال بكونه فاعلا في الأزل مع امتناع دوام الحوادث ، فإن القائلين بحدوث الأجسام عن تصور من تصورات النفس يقولون بدوام الحوادث في النفس ، والقائلين بالقدماء الخمسة لا يقولون : إنه فاعل لها في الأزل ، بل يقولون : إنها واجبة بنفسها ، هذا هو المحكي عنهم ، وقد يقولون : إنها معلولة له لا مفعولة له ]
[63] .
فإذا قدر أنه فاعل للعالم في الأزل ، وقدر امتناع الحدوث في الأزل ، جمع بين [ وجوب ]
[64] كونه فاعلا ، وامتناع كونه فاعلا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29613_29426حُدُوثُ الْعَالَمِ فَيُمْكِنُ عِلْمُهُ
[1] بِالسَّمْعِ وَبِالْعَقْلِ ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ
nindex.php?page=treesubj&link=29626الْعِلْمُ بِالصَّانِعِ إِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَالْفِطْرَةِ ، وَإِمَّا بِمُشَاهَدَةِ حُدُوثِ الْمُحْدَثَاتِ [2] ،
[ ص: 273 ] وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُعْلَمُ صِدْقُ الرَّسُولِ بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ كَثِيرَةٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28752_29620وَدَلَالَةُ الْمُعْجِزَاتِ طَرِيقٌ مِنَ الطُّرُقِ ، وَطَرِيقُ التَّصْدِيقِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْمُعْجِزَاتِ ، ثُمَّ يُعْلَمُ بِخَبَرِ الرَّسُولِ حُدُوثُ الْعَالَمِ .
وَأَمَّا بِالْعَقْلِ فَيُعْلَمُ
[3] أَنَّ الْعَالَمَ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَكَانَ : إِمَّا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ
[4] مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29620كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ; وَإِمَّا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمُقْتَضِي لَهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ بِمَعْنَى
[5] أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِمُقْتَضَاهُ ، سَوَاءٌ كَانَ شَاعِرًا مُرِيدًا أَمْ
[6] لَمْ يَكُنْ ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ مَعْلُولٌ مَفْعُولٌ
[7] ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةٌ
[8] تَامَّةٌ مُقْتَضِيَةً لَهُ فِي الْأَزَلِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ بِذَاتِهِ ، وَلَوْ كَانَ مُبْدِعُهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ
[9] عِلَّةً تَامَّةً لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهِ
[10] وَمُقْتَضَاهُ ، وَالْحَوَادِثُ مَشْهُودَةٌ فِي الْعَالَمِ ، فَعُلِمَ أَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً ، [ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً ]
[11] لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا .
وَهَذِهِ
[12] الْحَوَادِثُ الَّتِي فِي الْعَالَمِ إِنْ قِيلَ : إِنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهِ امْتَنَعَ أَنْ
[ ص: 274 ] تَكُونَ الْعِلَّةُ الْأَزَلِيَّةُ التَّامَّةُ عِلَّةً لِلْمَلْزُومِ
[13] دُونَ لَازِمِهِ ، وَامْتَنَعَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلَازِمِهِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَقْتَضِي حُدُوثَ شَيْءٍ ، وَإِنْ
[14] لَمْ تَكُنِ الْحَوَادِثُ مِنْ لَوَازِمِهِ كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ ، فَإِنْ
[15] لَمْ يَكُنْ لَهَا مُحْدِثٌ لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ
[16] بِلَا مُحْدِثٍ ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَهَا مُحْدِثٌ غَيْرُ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ ، كَانَ الْقَوْلُ فِي حُدُوثِ إِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا كَالْقَوْلِ فِي ذَلِكَ الْمُحْدِثِ ، وَإِنْ
[17] كَانَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ هُوَ الْمُحْدِثُ فَقَدْ حَدَثَتْ عَنْهُ الْحَوَادِثُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَدْ تَغَيَّرَ
[18] وَصَارَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ الْأَزَلِيَّةُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا التَّغَيُّرُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَغَيُّرَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ [ الْأَزَلِيَّةُ ]
[19] لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدَثَ فِيهَا حَادِثٌ ، فَإِنَّهُ إِنْ حَدَثَ
[20] بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ شَيْءٌ لَزِمَ الْحُدُوثُ بِلَا سَبَبٍ
[21] ، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ بِهَا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا فَاعِلٍ ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً ، وَإِنَّ جَوَّزَ مُجَوِّزٌ
[22] عَلَيْهَا الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، جَازَ أَنْ يَحْدُثَ الْعَالَمُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَبَطَلَ
[23] حُجَّةُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ .
[ ص: 275 ] وَأَيْضًا ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ
[24] لَا يَكُونُ الْمُنْتَقِلُ
[25] مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ إِلَّا فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ لَا مُوجِبًا بِالذَّاتِ . وَإِيضَاحُ هَذَا
[26] أَنَّ الْحَوَادِثَ إِمَّا أَنْ يَجُوزَ دَوَامُهَا لَا إِلَى أَوَّلٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوَّلٌ ، فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوَّلٌ بَطَلَ مَذْهَبُ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حَرَكَاتِ
[27] الْأَفْلَاكِ أَزَلِيَّةٌ .
وَأَيْضًا ، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوَّلٌ لَزِمَ حُدُوثُ الْعَالَمِ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَوَادِثِ
[28] ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَوَادِثِ أَوْ
[29] تَكُونَ عَارِضَةً لَهُ ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لَهَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهَا ، فَإِذَا
[30] كَانَ لَهَا ابْتِدَاءٌ كَانَ لَهُ
[31] ( * ابْتِدَاءٌ لَازِمًا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ لَا يَسْبِقُهَا وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا ، فَإِذَا قُدِّرَ
[32] أَنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَادِثٌ أَصْلًا ، كَانَ الْمَقْرُونُ بِهَا الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهَا كَائِنًا
[33] بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا * )
[34] ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَوَادِثُ
[35] عَارِضَةً لِلْعَالَمِ
[36] ثَبَتَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ ، ( * وَإِذَا جَازَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ [ كُلِّهَا ]
[37] بِلَا سَبَبٍ [ حَادِثٍ ]
[38] ، جَازَ حُدُوثُ الْعَالَمِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ * )
[39] [40] ، ( * فَبَطَلَتْ كُلُّ حُجَّةٍ تُوجِبُ قِدَمَهُ ، وَكَانَ الْقَائِلُ بِقِدَمِهِ قَائِلًا بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا * )
[41] .
[ ص: 276 ] وَإِذَا قِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ قَدِيمًا عَنْ عِلَّتِهِ
[42] بِلَا حَادِثٍ فِيهِ ، ثُمَّ حَدَثَتْ فِيهِ الْحَوَادِثُ كَانَ هَذَا بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَهَا
[43] بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا
[44] لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا
[45] بَلْ فَاعِلًا بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، ( 5 وَالْفَاعِلُ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ 5 )
[46] لَا يُقَارِنُهُ مَفْعُولُهُ ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَلِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهُ الْقَدِيمُ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ ، وَيَجِبُ أَنْ
[47] يَبْقَى مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ إِلَى أَنْ يُحْدِثَ الْحَوَادِثَ ، فَإِيجَابُ تَعْطِيلِهِ
[48] وَإِيجَابُ فِعْلِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ
[49] ، وَتَخْصِيصٌ
[50] بِلَا مُخَصِّصٍ
[51] ، فَإِنَّهُ
[52] بِذَاتِهِ إِمَّا أَنْ يَجِبَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ . ( 12 وَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ ، وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ الْأَمْرَانِ .
فَإِنْ وَجَبَ كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ ، جَازَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ ، وَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ لَهَا ابْتِدَاءً 12 )
[53] ، وَإِنِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ [ فَاعِلًا ]
[54] فِي الْأَزَلِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ قَدِيمٌ
[55] فِي الْأَزَلِ غَيْرَهُ ، فَلَا يَجُوزُ قِدَمُ الْعَالَمِ خَالِيًا عَنِ الْحَوَادِثِ وَلَا مَعَ الْحَوَادِثِ .
[ ص: 277 ] وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ ( 1 وَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ 1 )
[56] ، فَجَازَ
[57] حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ .
[58] [ وَإِنْ قِيلَ : بَلْ يَكُونُ فَاعِلًا لِغَيْرِ الْحَوَادِثِ ثُمَّ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ فِيمَا لَا يَزَالُ ; كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ
[59] بِقِدَمِ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ ، وَأَنَّ الْأَجْسَامَ حَدَثَتْ عَنْ بَعْضِ مَا حَدَثَ لِلنَّفْسِ مِنَ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ
[60] ، وَكَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ الْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ
[61] ، كَانَ هَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَوْجَبَ حُدُوثَهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي تَجَدُّدَ إِحْدَاثِ الْحَوَادِثِ ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ بِقِدَمِ النَّفْسِ يَقْتَضِي دَوَامَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ ، فَإِنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ تَصَوُّرَاتِ النَّفْسِ وَإِرَادَاتِهَا حَوَادِثُ دَائِمَةٌ عِنْدَهُمْ ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ
[62] ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِدَوَامٍ مَعْلُولٍ مُعَيَّنٍ عَنْهُ الْتَزَمُوا دَوَامَ الْفَاعِلِيَّةِ فِرَارًا مِنْ هَذَا الْمَحْذُورِ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا لَازِمًا لَهُمْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى ذَلِكَ الْمُمْتَنِعِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ .
[ ص: 278 ] فَفِي الْجُمْلَةِ جَوَازُ كَوْنِهِ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ ، يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَالَ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ مَعَ امْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ ، فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ عَنْ تَصَوُّرٍ مِنْ تَصَوُّرَاتٍ النَّفْسِ يَقُولُونَ بِدَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي النَّفْسِ ، وَالْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ لَا يَقُولُونَ : إِنَّهُ فَاعِلٌ لَهَا فِي الْأَزَلِ ، بَلْ يَقُولُونَ : إِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِنَفْسِهَا ، هَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ ، وَقَدْ يَقُولُونَ : إِنَّهَا مَعْلُولَةٌ لَهُ لَا مَفْعُولَةٌ لَهُ ]
[63] .
فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ لِلْعَالَمِ فِي الْأَزَلِ ، وَقُدِّرَ امْتِنَاعُ الْحُدُوثِ فِي الْأَزَلِ ، جُمِعَ بَيْنَ [ وُجُوبِ ]
[64] كَوْنِهِ فَاعِلًا ، وَامْتِنَاعِ كَوْنِهِ فَاعِلًا .