nindex.php?page=treesubj&link=28835قالت المرجئة : وقوله [1] : " ليس منا " أي ليس مثلنا ، أو ليس من خيارنا . فقيل لهم : فلو لم
[2] يغش ولم يحمل السلاح ، أكان يكون مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ أو كان يكون من خيارهم بمجرد هذا الكلام ؟ .
وقالت
المرجئة : نصوص الوعيد عامة ، ومنا من ينكر صيغ العموم .
[ ص: 294 ] ومن أثبتها قال : لا يعلم
[3] تناولها
[4] لكل فرد من أفراد العام
[5] ، فمن لم يعذب
[6] لم يكن اللفظ قد شمله .
فقيل للواقفة منهم : عندكم يجوز أن لا يحصل الوعيد بأحد من أهل القبلة ، فيلزم تعطيل نصوص الوعيد ، ولا تبقى لا خاصة ولا عامة .
وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة ، وإنما الغرض التمثيل بالمناظرات من الطرفين . وأهل السنة والحديث ، وأئمة الإسلام المتبعون للصحابة ، متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء . لا يقولون بتخليد أحد من أهل القبلة في النار ، كما تقول
الخوارج والمعتزلة . لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في
[7] الأحاديث الصحيحة أنه يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان
[8] وإخراجه من النار من يخرج بشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيمن يشفع له من أهل الكبائر من أمته
[9] .
[ ص: 295 ] [ وهذه أحاديث كثيرة مستفيضة متواترة عند أهل العلم بالحديث ، ولا يقولون : إنا نقف في الأحكام المطلقة ، بل نعلم أن الله يدخل النار من يدخله من أهل الكبائر ]
[10] ، وناس آخرون لا يدخلونها لأسباب . لكن تنازعوا : هل يكون الداخلون بسبب اقتضى ذلك ، كعظم
[11] الذنوب وكثرتها ، والذين لم يدخلوها بسبب منع ذلك ، كالحسنات المعارضة ونحوها ؟
nindex.php?page=treesubj&link=28787وأنه - سبحانه وتعالى - يفعل ما يفعله بحكمة وأسباب ؟ أم قد يفرق بين المتماثلين بمحض المشيئة ، فيعذب الشخص ويعفو عمن هو مثله من كل وجه بمحض المشيئة ؟ هذا لهم فيه قولان والنصوص وأقوال السلف توافق الأول .
وإنما قد نقف في
nindex.php?page=treesubj&link=29651الشخص المعين ; فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم ، لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به ، لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء .
ولهم في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال :
nindex.php?page=treesubj&link=30394منهم من لا يشهد بالجنة لأحد إلا للأنبياء . وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي .
والثاني : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=30394يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه نص . وهذا قول كثير من أهل الحديث .
والثالث : يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون . كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651278أنتم شهداء الله في الأرض "
[12] . وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=944488يوشك أن [ ص: 296 ] تعلموا أهل الجنة من أهل النار " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ "
[13] فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار . وكان
أبو ثور يقول : " أشهد أن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في الجنة " ويحتج بهذا . وبسط هذه المسألة له موضع آخر .
والإيمان عندهم يتفاضل ، فيكون إيمان أكمل من إيمان . كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=687940أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا "
[14] فيقولون : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27إنما يتقبل الله من المتقين [ سورة المائدة : 27 ] أي ممن اتقاه في ذلك العمل ، ليس المراد به الخلو من الذنوب ، ولا مجرد الخلو من الشرك ، بل من اتقاه في عمل قبله منه وإن كانت له ذنوب أخرى ، بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات [ سورة هود : 114 ] فلو كانت الحسنة لا تقبل من صاحب السيئة لم تمحها .
وقد ثبت بالكتاب والسنة المتواترة
[15] الموازنة بين الحسنات والسيئات ، فلو كانت الكبيرة تحبط الحسنات لم تبق حسنة توزن معها .
[ ص: 297 ] وقد ثبت في الصحيحين
nindex.php?page=hadith&LINKID=661172أن بغيا سقت كلبا فغفر الله [16] لها بسقيه
[17] .
قالوا : وابنا
آدم لم يكن أحدهما مشركا ، ولكن لم يقصد التقرب إلى الله بالطيب من ماله ، كما جاء في الأثر . فلهذا لم يتقبل الله قربانه .
وقد قال - تعالى - في حق المنافقين :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=54وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون [ سورة التوبة : 54 ] فجعل هذه موانع قبول النفقة دون مطلق الذنوب .
قال أهل الحديث والسنة
[18] : ومن نفى عنه الإيمان فلأنه ترك بعض واجباته . والعبادة ينفى اسمها بنفي بعض واجباتها ، لأنها لم تبق كاملة ، ولا يلزم من ذلك أن لا يبقى منه شيء ، بل قد دلت النصوص على أنه يبقى بعضه ، ويخرج من النار من بقي معه بعضه .
ومعلوم أن العبادات فيها واجب كالحج ، فيه واجب إذا تركه كان حجه ناقصا ، يأثم بما ترك ، ولا إعادة عليه ، بل يجبره بدم ، كرمي الجمار ، وإن لم يجبره بقي في ذمته . فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28650الإيمان ينقص بالذنوب ، فإن تاب عاد ، وإلا بقي ناقصا نقصا يأثم به . وقد يحرم في الحج أفعال إذا فعلها
[ ص: 298 ] نقص حجه ولم يبطل ، كالتطيب ولبس الثياب ، بل يجبر ذلك ولا يفسده من المحرمات إلا الجماع .
فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28650لا يزيل الإيمان كله إلا الكفر المحض ، الذي لا يبقى مع صاحبه شيء من الإيمان . قالوا : وهذا هو الذي يحبط جميع الأعمال . وأما ما دون ذلك فقد يحبط بعض العمل ، كما في آية المن والأذى ; فإن ذلك يبطل تلك الصدقة ، لا يبطل سائر أعماله
[19] .
والذين كرهوا ما أنزل الله كفار ، وأعمال القلوب ، مثل حب الله ورسوله ، وخشية الله ، ونحو ذلك ، كلها من الإيمان . وكراهة ما أنزل الله كفر .
nindex.php?page=treesubj&link=18270وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله .
وقد قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله [ سورة المجادلة : 22 ] .
وقوله في السابق والمقتصد والظالم لنفسه :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جنات عدن يدخلونها [ سورة الرعد : 23 ] لا يمنع أن يكون الظالم لنفسه قد عذب قبل هذا ثم يدخلها .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لا يصلاها إلا الأشقى [ سورة الليل : 15 ] لا يخلو إما أن يكون المراد بالصلي نوعا من التعذيب ; كما قيل : إن الذي تصليه النار هو الذي تحيط به ، وأهل القبلة لا تحرق النار منهم مواضع السجود ، أو تكون نارا مخصوصة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=16يخوف الله به عباده [ سورة الزمر : 16 ] كقول النبي - صلى الله
[ ص: 299 ] عليه وسلم - في الشمس والقمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=658512إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده "
[20] .
وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما نرسل بالآيات إلا تخويفا [ سورة الإسراء : 59 ] والآيات التي خوف الله بها عباده
[21] تكون سببا في شر ينزل بالناس ، فمن اتقى الله بفعل ما أمر به وقي ذلك الشر . ولو كان مما لا حقيقة له أصلا لم يخف أحد إذا علم أنه لا شر في الباطن ، وإنما يبقى التخويف للجاهل الفدم
[22] كما يفزع الصبيان بالخيال .
وقد قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=16ذلك يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون [ سورة الزمر : 16 ] فخوف العباد مطلقا ، وأمرهم بتقواه ، لئلا ينزل المخوف ، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ، والإنذار هو الإعلام بما يخاف منه ، وقد وجدت المخوفات في الدنيا ، وعاقب الله على الذنوب أمما كثيرة ، كما قصه في كتابه ، وكما شوهد من الآيات ، وأخبر عن دخول أهل النار النار في غير موضع من القرآن .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء [ سورة فاطر : 28 ] ولو كان الأمر كما يتوهمه الجاهل لكان إنما يخشاه من عباده الجهال الذين
[ ص: 300 ] يتخيلون ما لا حقيقة له . وهذا كله
[23] مبسوط في موضعه ، وإنما الغرض هنا التمثيل بأقوال المختلفين
[24] التي كلها باطلة .
ومثال ذلك : إذا تنازع في القدر
القدرية من
المعتزلة وغيرهم ،
والقدرية المجبرة
[25] من
الجهمية وغيرهم ، فقالوا جميعا : إرادة الله هي محبته وهي رضاه
[26] . ثم قالت
المعتزلة : وهو سبحانه يحب الإيمان والعمل الصالح ، ويكره الكفر والفسوق والعصيان ، فلا يكون مريدا له .
قالوا : والدليل على ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر [ سورة الزمر : 7 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108إذ يبيتون ما لا يرضى من القول [ سورة النساء : 10 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205والله لا يحب الفساد [ سورة البقرة : 205 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=28835قَالَتِ الْمُرْجِئَةُ : وَقَوْلُهُ [1] : " لَيْسَ مِنَّا " أَيْ لَيْسَ مِثْلَنَا ، أَوْ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا . فَقِيلَ لَهُمْ : فَلَوْ لَمْ
[2] يَغِشَّ وَلَمْ يَحْمِلِ السِّلَاحَ ، أَكَانَ يَكُونُ مِثْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ أَوْ كَانَ يَكُونُ مِنْ خِيَارِهِمْ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْكَلَامِ ؟ .
وَقَالَتِ
الْمُرْجِئَةُ : نُصُوصُ الْوَعِيدِ عَامَّةٌ ، وَمِنَّا مَنْ يُنْكِرُ صِيَغَ الْعُمُومِ .
[ ص: 294 ] وَمَنْ أَثْبَتَهَا قَالَ : لَا يَعْلَمُ
[3] تَنَاوُلَهَا
[4] لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ
[5] ، فَمَنْ لَمْ يُعَذَّبْ
[6] لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ قَدْ شَمَلَهُ .
فَقِيلَ لِلْوَاقِفَةِ مِنْهُمْ : عِنْدَكُمْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْوَعِيدُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ نُصُوصِ الْوَعِيدِ ، وَلَا تَبْقَى لَا خَاصَّةٌ وَلَا عَامَّةٌ .
وَلَيْسَ مَقْصُودُنَا هُنَا اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّمْثِيلُ بِالْمُنَاظَرَاتِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ . وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ ، وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ الْمُتَّبِعُونَ لِلصَّحَابَةِ ، مُتَوَسِّطُونَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ . لَا يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ ، كَمَا تَقُولُ
الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ . لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
[7] الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ
[8] وَإِخْرَاجُهُ مِنَ النَّارِ مَنْ يَخْرُجُ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ يَشْفَعُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ
[9] .
[ ص: 295 ] [ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ، وَلَا يَقُولُونَ : إِنَّا نَقِفُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُطْلَقَةِ ، بَلْ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ النَّارَ مَنْ يُدْخِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ ]
[10] ، وَنَاسٌ آخَرُونَ لَا يَدْخُلُونَهَا لِأَسْبَابٍ . لَكِنْ تَنَازَعُوا : هَلْ يَكُونُ الدَّاخِلُونَ بِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ ، كَعِظَمِ
[11] الذُّنُوبِ وَكَثْرَتِهَا ، وَالَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِسَبَبٍ مَنَعَ ذَلِكَ ، كَالْحَسَنَاتِ الْمُعَارِضَةِ وَنَحْوِهَا ؟
nindex.php?page=treesubj&link=28787وَأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِحِكْمَةٍ وَأَسْبَابٍ ؟ أَمْ قَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ ، فَيُعَذِّبُ الشَّخْصَ وَيَعْفُو عَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ ؟ هَذَا لَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَالنُّصُوصُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ تَوَافِقُ الْأَوَّلِ .
وَإِنَّمَا قَدْ نَقِفُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29651الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ; فَلَا نَشْهَدُ لَهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ بَاطِنِهِ وَمَا مَاتَ عَلَيْهِ لَا نُحِيطُ بِهِ ، لَكِنْ نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ .
وَلَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْجَنَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=30394مِنْهُمْ مَنْ لَا يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ . وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيِّ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30394يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ جَاءَ فِيهِ نَصٌّ . وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
وَالثَّالِثُ : يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِهَؤُلَاءِ وَلِمَنْ شَهِدَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651278أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ "
[12] . وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=944488يُوشِكُ أَنْ [ ص: 296 ] تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ "
[13] فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ . وَكَانَ
أَبُو ثَوْرٍ يَقُولُ : " أَشْهَدُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي الْجَنَّةِ " وَيَحْتَجُّ بِهَذَا . وَبَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ يَتَفَاضَلُ ، فَيَكُونُ إِيمَانٌ أَكْمَلَ مِنْ إِيمَانٍ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=687940أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا "
[14] فَيَقُولُونَ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 27 ] أَيْ مِمَّنِ اتَّقَاهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْخُلُوَّ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَلَا مُجَرَّدَ الْخُلُوِّ مِنَ الشِّرْكِ ، بَلْ مَنِ اتَّقَاهُ فِي عَمَلٍ قَبِلَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ أُخْرَى ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [ سُورَةُ هُودٍ : 114 ] فَلَوْ كَانَتِ الْحَسَنَةُ لَا تُقْبَلُ مِنْ صَاحِبِ السَّيِّئَةِ لَمْ تَمْحُهَا .
وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ
[15] الْمُوَازَنَةُ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، فَلَوْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ تُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ لَمْ تَبْقَ حَسَنَةٌ تُوزَنُ مَعَهَا .
[ ص: 297 ] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=661172أَنَّ بَغِيًّا سَقَتْ كَلْبًا فَغَفَرَ اللَّهُ [16] لَهَا بِسَقْيِهِ
[17] .
قَالُوا : وَابْنَا
آدَمَ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُشْرِكًا ، وَلَكِنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالطَّيِّبِ مِنْ مَالِهِ ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ . فَلِهَذَا لَمْ يَتَقَبَّلِ اللَّهُ قُرْبَانَهُ .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=54وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 54 ] فَجَعَلَ هَذِهِ مَوَانِعَ قَبُولِ النَّفَقَةِ دُونَ مُطْلَقِ الذُّنُوبِ .
قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ
[18] : وَمَنْ نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ فَلِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ وَاجِبَاتِهِ . وَالْعِبَادَةُ يُنْفَى اسْمُهَا بِنَفْيِ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا ، لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ كَامِلَةً ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ ، بَلْ قَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْضُهُ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ بَعْضُهُ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِبَادَاتِ فِيهَا وَاجِبٌ كَالْحَجِّ ، فِيهِ وَاجِبٌ إِذَا تَرَكَهُ كَانَ حَجُّهُ نَاقِصًا ، يَأْثَمُ بِمَا تَرَكَ ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ ، بَلْ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ ، كَرَمْيِ الْجِمَارِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْبُرْهُ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ . فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28650الْإِيمَانُ يَنْقُصُ بِالذُّنُوبِ ، فَإِنْ تَابَ عَادَ ، وَإِلَّا بَقِيَ نَاقِصًا نَقْصًا يَأْثَمُ بِهِ . وَقَدْ يَحْرُمُ فِي الْحَجِّ أَفْعَالٌ إِذَا فَعَلَهَا
[ ص: 298 ] نَقَصَ حَجُّهُ وَلَمْ يَبْطُلْ ، كَالتَّطَيُّبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ ، بَلْ يَجْبُرُ ذَلِكَ وَلَا يُفْسِدُهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَّا الْجِمَاعُ .
فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28650لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ إِلَّا الْكُفْرُ الْمَحْضُ ، الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَ صَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ . قَالُوا : وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْبِطُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ . وَأَمَّا مَا دُونُ ذَلِكَ فَقَدْ يُحْبِطُ بَعْضَ الْعَمَلِ ، كَمَا فِي آيَةِ الْمَنِّ وَالْأَذَى ; فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ تِلْكَ الصَّدَقَةَ ، لَا يُبْطِلُ سَائِرَ أَعْمَالِهِ
[19] .
وَالَّذِينَ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ كُفَّارٌ ، وَأَعْمَالُ الْقُلُوبِ ، مِثْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَخَشْيَةِ اللَّهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كُلُّهَا مِنَ الْإِيمَانِ . وَكَرَاهَةُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ كُفْرٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=18270وَأَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 22 ] .
وَقَوْلُهُ فِي السَّابِقِ وَالْمُقْتَصِدِ وَالظَّالِمِ لِنَفْسِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [ سُورَةُ الرَّعْدِ : 23 ] لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ قَدْ عُذِّبَ قَبْلَ هَذَا ثُمَّ يَدْخُلُهَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [ سُورَةُ اللَّيْلِ : 15 ] لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصِّلِيِّ نَوْعًا مِنَ التَّعْذِيبِ ; كَمَا قِيلَ : إِنَّ الَّذِي تَصْلِيهِ النَّارُ هُوَ الَّذِي تُحِيطُ بِهِ ، وَأَهْلُ الْقِبْلَةِ لَا تَحْرِقُ النَّارُ مِنْهُمْ مَوَاضِعَ السُّجُودِ ، أَوْ تَكُونُ نَارًا مَخْصُوصَةً .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=16يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 16 ] كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
[ ص: 299 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=658512إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ "
[20] .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ : 59 ] وَالْآيَاتُ الَّتِي خَوَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ
[21] تَكُونُ سَبَبًا فِي شَرٍّ يَنْزِلُ بِالنَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وُقِيَ ذَلِكَ الشَّرَّ . وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا حَقِيقَةَ لَهُ أَصْلًا لَمْ يَخَفْ أَحَدٌ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَرَّ فِي الْبَاطِنِ ، وَإِنَّمَا يَبْقَى التَّخْوِيفُ لِلْجَاهِلِ الْفَدْمِ
[22] كَمَا يَفْزَعُ الصِّبْيَانُ بِالْخَيَالِ .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=16ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 16 ] فَخَوَّفَ الْعِبَادَ مُطْلَقًا ، وَأَمْرَهُمْ بِتَقْوَاهُ ، لِئَلَّا يُنْزِلَ الْمُخَوِّفَ ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَالْإِنْذَارُ هُوَ الْإِعْلَامُ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ ، وَقَدْ وُجِدَتِ الْمُخَوِّفَاتُ فِي الدُّنْيَا ، وَعَاقَبَ اللَّهُ عَلَى الذُّنُوبِ أُمَمًا كَثِيرَةً ، كَمَا قَصَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَكَمَا شُوهِدَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَأَخْبَرَ عَنْ دُخُولِ أَهْلِ النَّارِ النَّارَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ سُورَةُ فَاطِرٍ : 28 ] وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الْجَاهِلُ لَكَانَ إِنَّمَا يَخْشَاهُ مِنْ عِبَادِهِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ
[ ص: 300 ] يَتَخَيَّلُونَ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ . وَهَذَا كُلُّهُ
[23] مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُنَا التَّمْثِيلُ بِأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفِينَ
[24] الَّتِي كُلُّهَا بَاطِلَةٌ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ : إِذَا تَنَازَعَ فِي الْقَدَرِ
الْقَدَرِيَّةُ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ،
وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ
[25] مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَقَالُوا جَمِيعًا : إِرَادَةُ اللَّهِ هِيَ مَحَبَّتُهُ وَهِيَ رِضَاهُ
[26] . ثُمَّ قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ ، وَيَكْرَهُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ، فَلَا يَكُونُ مُرِيدًا لَهُ .
قَالُوا : وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 7 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 10 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 205 ] .