وبقي مما هو محتاج إلى ذكره في هذا الموضع شرح معنى عام يتعلق بما تقدم ، وهو : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28823البدع ضلالة ، وأن المبتدع ضال ومضل :
والضلالة مذكورة في كثير من النقل المذكور ، ويشير إليها في آيات الاختلاف والتفرق شيعا وتفرق الطرق ، بخلاف سائر المعاصي ، فإنها لم
[ ص: 176 ] توصف في الغالب بوصف الضلالة; إلا أن تكون بدعة أو شبه البدعة ، وكذلك الخطأ الواقع في المشروعات وهو المعفو عنه لا يسمى ضلالا ، ولا يطلق على المخطئ اسم ضال ، كما لا يطلق على المتعمد لسائر المعاصي .
وإنما ذلك والله أعلم لحكمة قصد التنبيه عليها ، وذلك أن الضلال والضلالة ضد الهدي والهدى ، والعرب تطلق الهدى حقيقة في الظاهر المحسوس ، فتقول : هديته الطريق وهديته إلى الطريق ، ومنه : نقل إلى طريق الخير والشر ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) .
والصراط والطريق والسبيل; بمعنى واحد ، فهو حقيقة في الطريق المحسوس ، ومجاز في الطريق المعنوي ، وضده الضلال ، وهو الخروج عن الطريق ، ومنه البعير الضال والشاة الضالة ، ورجل ضل عن الطريق إذا خرج عنه . لأنه التبس عليه الأمر ولم يكن له هاد يهديه ، وهو الدليل .
فصاحب البدعة; لما غلب الهوى مع الجهل بطريق السنة; توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره ، فمضى عليه ، فحاد بسببه عن الطريق المستقيم ، فهو ضال من حيث ظن أنه راكب للجادة; كالمار بالليل على الجادة وليس له دليل يهديه ، يوشك أن يضل عنها ، فيقع في متابعه ، وإن كان بزعمه يتحرى قصدها .
[ ص: 177 ] فالمبتدع من هذه الأمة; إنما ضل في أدلتها ، حيث أخذها مأخذ الهوى والشهوة لا مأخذ الانقياد تحت أحكام الله .
وهذا هو الفرق بين المبتدع وغيره ، لأن المبتدع جعل الهوى أول مطالبه ، وأخذ الأدلة بالتبع ، ومن شأن الأدلة أنها جارية على كلام العرب ، ومن شأن كلامها الاحتراز فيه بالظواهر ، فكما تجب فيه نصا لا يحتمل [ التأويل; تجد فيه ظاهرا يحتمل التأويل ] حسبما قرره من تقدم في غير العلم ، وكل ظاهر يمكن فيه أن يصرف عن مقتضاه في الظاهر المقصود ، ويتأول على غير ما قصد فيه ، فإذا انضم إلى ذلك الجهل بأصول الشريعة ، وعدم الاضطلاع بمقاصدها ، كان الأمر أشد وأقرب إلى التحريف والخروج عن مقاصد الشرع ، فكأن المدرك أغرق في الخروج عن السنة ، وأمكن في ضلال البدعة ، فإذا غلب الهوى; أمكن انقياد ألفاظ الأدلة إلى ما أراد منها .
والدليل على ذلك أنك لا تجد مبتدعا ممن ينسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي ، فينزله على ما وافق عقله وشهوته ، وهو أمر ثابت في الحكمة الأزلية التي لا مرد لها ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) .
لكن; إنما ينساق لهم من الأدلة المتشابه منها لا الواضح ، والقليل منها لا الكثير ، وهو أدل الدليل على اتباع الهوى ، فإن المعظم والجمهور من
[ ص: 178 ] الأدلة إذا دل على أمر بظاهره ، فهو الحق ، فإن جاء على ما ظاهره الخلاف; فهو النادر والقليل ، فكان من حق الظاهر رد القليل إلى الكثير ، والمتشابه إلى الواضح .
غير أن الهوى زاغ بمن أراد الله زيغه ، فهو في تيه من حيث يظن أنه على الطريق; بخلاف غير المبتدع ، فإنه إنما جعل الهداية إلى الحق أول مطالبه ، وأخر هواه إن كان فجعله بالتبع ، فوجد جمهور الأدلة ومعظم الكتاب واضحا في الطلب الذي بحث عنه ، فوجد الجادة ، وما شذ له عن ذلك; فإما أن يرده إليه ، وإما أن يكله إلى عالمه ، ولا يتكلف البحث عن تأويله .
وفيصل القضية بينهما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) ، إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) .
فلا يصح أن يسمى من هذه حاله مبتدعا ولا ضالا ، وإن حصل في الخلاف أو خفي عليه .
أما أنه غير مبتدع; فلأنه اتبع الأدلة; ملقيا إليها حكمة الانقياد ، باسطا يد الافتقار ، مؤخرا هواه ، ومقدما لأمر الله .
وأما كونه غير ضال; فلأنه على الجادة سلك ، وإليها لجأ ، فإن خرج عنها يوما فأخطأ ، فلا حرج عليه ، بل يكون مأجورا حسبما بينه الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005277إذا اجتهد الحاكم فأخطأ; فله أجر ، وإن أصاب; فله [ ص: 179 ] أجران " وإن خرج متعمدا; فليس على أن يجعل خروجه طريقا مسلوكا له أو لغيره ، وشرعا يدان به .
على أنه إذا وقع الذنب موقع الاقتداء قد يسمى استنانا فيعامل معاملة من سنه كما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005260من سن سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها . . . . الحديث ، وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005261ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ، لأنه أول من سن القتل ، فسمي القتل سنة بالنسبة إلى من عمل به عملا يقتدى به فيه ، لكنه لا يسمى بدعة; لأنه لم يوضع على أن يكون تشريعا ، ولا يسمى ضلالا; لأنه ليس في طريق المشروع أو في مضاهاته له .
وهذا تقرير واضح يشهد له الواقع في تسمية البدع ضلالات ، ويشهد له أيضا أحوال من تقدم قبل الإسلام ، وفي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فإن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ) .
فإن الكفار لما أمروا بالإنفاق ، شحوا على أموالهم ، وأرادوا أن يجعلوا لذلك الشح مخرجا ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ؟ ) ومعلوم أن الله لو شاء لم يحوج أحدا إلى أحد ، لكنه ابتلى عباده لينظر كيف
[ ص: 180 ] يعملون ؟ فقص هواهم على هذا الأصل العظيم ، واتبعوا ما تشابه من الكتاب بالنسبة إليه ، فلذلك قيل لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47إن أنتم إلا في ضلال مبين ) .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) .
فكأن هؤلاء قد أقروا بالتحكيم ، غير أنهم أرادوا أن يكون التحكيم على وفق أغراضهم; زيغا عن الحق ، وظنا منهم أن الجميع حكم ، وأن ما يحكم به
كعب بن الأشرف أو غيره مثل ما يحكم به النبي صلى الله عليه وسلم ، وجهلوا أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم هو حكم الله الذي لا يرد ، وأن حكم غيره معه مردود إن لم يكن جاريا على حكم الله ، فلذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) ; لأن ظاهر الآية يدل على أنها نزلت فيمن دخل في الإسلام; لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60ألم تر إلى الذين يزعمون ) كذا إلى آخره ، وجماعة من المفسرين قالوا : إنما نزلت في رجل من المنافقين ، أو في رجل من الأنصار .
وقال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) .
[ ص: 181 ] فهم شرعوا شرعة ، وابتدعوا في ملة
إبراهيم عليه السلام هذه البدعة ، توهما أن ذلك يقربهم من الله كما يقرب من الله ما جاء به
إبراهيم عليه السلام من الحق ، فزلوا ، وافتروا على الله الكذب ، إذ زعموا أن هذا من ذلك ، وتاهوا في المشروع ، فلذلك قال الله تعالى على إثر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) .
وقال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله ) .
فهذه فذلكة لجملة بعد تفصيل تقدم ، وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) .
الآية . فهذا تشريع كالمذكور قبل هذا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=137وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ) ، وهو تشريع أيضا بالرأي مثل الأول .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ) إلى آخرها .
فحاصل الأمر أنهم قتلوا أولادهم بغير علم ، وحرموا ما أعطاهم الله
[ ص: 182 ] من الرزق بالرأي على جهة التشريع ، فلذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) .
ثم قال تعالى بعد تعزيرهم على هذه المحرمات التي حرموها وهي ما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ، وقوله : ( لا يهدي ) يعني أنه يضله .
والآيات التي قرر فيها حال المشركين في إشراكهم أتى فيها بذكر الضلال; لأن حقيقته أنه خروج عن الصراط المستقيم; لأنهم وضعوا آلهتهم لتقربهم إلى الله زلفى في زعمهم ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ، فوضعوهم موضع من يتوسل به حتى عبدوهم من دون الله ، إذ كان أول وضعها فيما ذكر العلماء صورا لقوم يودونهم ويتبركون بهم ، ثم عبدت ، فأخذتها العرب من غيرها على ذلك القصد ، وهو الضلال المبين .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) .
فزعموا في الإله الحق ما زعموا من الباطل ، بناء على دليل عندهم متشابه في نفس الأمر حسبما ذكره أهل السير ، فتاهوا بالشبهة عن الحق;
[ ص: 183 ] لتركهم الواضحات ، وميلهم إلى المتشابهات; كما أخبر الله تعالى في آية آل عمران :
فلذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) ، وهم النصارى ، ضلوا في
عيسى عليه السلام .
ومن ثم قال تعالى بعد ذكر شواهد العبودية في
عيسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=34ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ) .
وبعد ذكر دلائل التوحيد وتقديس الواحد تبارك وتعالى عن اتخاذ الولد وذكر اختلافهم في مقالاتهم الشنيعة ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=38لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ) .
وذكر الله المنافقين ، وأنهم يخادعون الله والذين آمنوا ، وذلك لكونهم يدخلون معهم في أحوال التكاليف على كسل وتقية; أن ذلك يخلصهم ، أو أنه يغني عنهم شيئا ، وهم في الحقيقة إنما يخادعون أنفسهم ، وهذا هو الضلال بعينه ، لأنه إذا كان يفعل شيئا يظن أنه له ، فإذا هو عليه ، فليس على هدى من عمله ، ولا هو سالك على سبيله .
فلذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) ، إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=88ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) .
[ ص: 184 ] وقال تعالى حكاية عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ) ; معناه : كيف أعبد من دون الله ما لا يغني شيئا ، وأترك إفراد الرب الذي بيده الضر والنفع ؟ هذا خروج عن طريق إلى غير طريق; (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=24إني إذا لفي ضلال مبين ) .
والأمثلة في تقرير هذا الأصل كثيرة ، جميعها يشهد بأن الضلال في غالب الأمر إنما يستعمل في موضوع يزل صاحبه لشبهة تعرض له ، أو تقليد من عرضت له الشبهة ، فيتخذ ذلك الزلل شرعا ودينا يدين به ، مع وجود واضحة الطريق الحق ومحض الصواب .
ولما لم يكن الكفر في الواقع مقتصرا على هذا الطريق ، بل ثم طريق آخر ، وهو الكفر بعد العرفان عنادا أو ظلما ، ذكر الله تعالى الصنفين في السورة الجامعة ، وهي أم القرآن :
فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم ) ، فهذه هي الحجة العظمى التي دعا الأنبياء عليهم السلام إليها .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
فالمغضوب عليهم هم اليهود; لأنهم كفروا بعد معرفتهم نبوة
محمد [ ص: 185 ] صلى الله عليه وسلم ، ألا ترى إلى قول الله فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) ، يعني : اليهود .
والضالون : هم النصارى; لأنهم ضلوا في الحجة في
عيسى عليه السلام ، وعلى هذا التفسير أكثر المفسرين ، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلها غيره ، لأنه قد جاء في أثناء القرآن ما يدل على ذلك ، لأن لفظ القرآن في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7ولا الضالين ) يعمهم وغيرهم ، فكل من ضل عن سواء السبيل داخل فيه .
ولا يبعد أن يقال : إن " الضالين " يدخل فيه كل من ضل عن الصراط المستقيم; كان من هذه الأمة أولا ، إذ قد تقدم في الآيات المذكورة قبل هذا مثله ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) عام في كل ضال ، كان ضلاله كضلال الشرك أو النفاق ، أو كضلال الفرق المعدودة في الملة الإسلامية ، وهو أبلغ وأعلى في قصد حصر أهل الضلال ، وهو اللائق بكلية فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه
محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد خرجنا عن المقصود بعض خروج ، ولكنه عاضد لما نحن فيه ، وبالله التوفيق .
وَبَقِيَ مِمَّا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَرْحُ مَعْنًى عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ : أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28823الْبِدَعَ ضَلَالَةٌ ، وَأَنَّ الْمُبْتَدِعَ ضَالٌّ وَمُضِلٌّ :
وَالضَّلَالَةُ مَذْكُورَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّقْلِ الْمَذْكُورِ ، وَيُشِيرُ إِلَيْهَا فِي آيَاتِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ شِيَعًا وَتَفَرُّقِ الطُّرُقِ ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي ، فَإِنَّهَا لَمْ
[ ص: 176 ] تُوصَفُ فِي الْغَالِبِ بِوَصْفِ الضَّلَالَةِ; إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِدْعَةً أَوْ شِبْهَ الْبِدْعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْخَطَأُ الْوَاقِعُ فِي الْمَشْرُوعَاتِ وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ لَا يُسَمَّى ضَلَالًا ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُخْطِئِ اسْمُ ضَالٍّ ، كَمَا لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِسَائِرِ الْمَعَاصِي .
وَإِنَّمَا ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِحِكْمَةِ قَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الضَّلَالَ وَالضَّلَالَةَ ضِدُّ الْهَدْيِ وَالْهُدَى ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْهُدَى حَقِيقَةً فِي الظَّاهِرِ الْمَحْسُوسِ ، فَتَقُولُ : هَدَيْتُهُ الطَّرِيقَ وَهَدَيْتُهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، وَمِنْهُ : نُقِلَ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .
وَالصِّرَاطُ وَالطَّرِيقُ وَالسَّبِيلُ; بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ الْمَحْسُوسِ ، وَمَجَازٌ فِي الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيِّ ، وَضِدُّهُ الضَّلَالُ ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَمِنْهُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ وَالشَّاةُ الضَّالَّةُ ، وَرَجُلٌ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا خَرَجَ عَنْهُ . لِأَنَّهُ الْتُبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ هَادٍ يَهْدِيهِ ، وَهُوَ الدَّلِيلُ .
فَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ; لَمَّا غَلَبَ الْهَوَى مَعَ الْجَهْلِ بِطَرِيقِ السُّنَّةِ; تَوَهَّمَ أَنَّ مَا ظَهَرَ لَهُ بِعَقْلِهِ هُوَ الطَّرِيقُ الْقَوِيمُ دُونَ غَيْرِهِ ، فَمَضَى عَلَيْهِ ، فَحَادَ بِسَبَبِهِ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ ، فَهُوَ ضَالٌّ مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ رَاكِبٌ لِلْجَادَّةِ; كَالْمَارِّ بِاللَّيْلِ عَلَى الْجَادَّةِ وَلَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ يَهْدِيهِ ، يُوشِكُ أَنْ يَضِلَّ عَنْهَا ، فَيَقَعُ فِي مُتَابِعِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِزَعْمِهِ يَتَحَرَّى قَصْدَهَا .
[ ص: 177 ] فَالْمُبْتَدِعُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ; إِنَّمَا ضَلَّ فِي أَدِلَّتِهَا ، حَيْثُ أَخَذَهَا مَأْخَذَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ لَا مَأْخَذَ الِانْقِيَادِ تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ .
وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبْتَدِعِ وَغَيْرِهِ ، لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ جَعَلَ الْهَوَى أَوَّلَ مَطَالِبِهِ ، وَأَخَذَ الْأَدِلَّةَ بِالتَّبَعِ ، وَمِنْ شَأْنِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْ شَأْنِ كَلَامِهَا الِاحْتِرَازُ فِيهِ بِالظَّوَاهِرِ ، فَكَمَا تَجِبُ فِيهِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ [ التَّأْوِيلَ; تَجِدُ فِيهِ ظَاهِرًا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ] حَسْبَمَا قَرَّرَهُ مَنْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْعِلْمِ ، وَكُلُّ ظَاهِرٍ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يُصْرَفَ عَنْ مُقْتَضَاهُ فِي الظَّاهِرِ الْمَقْصُودِ ، وَيُتَأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ مَا قُصِدَ فِيهِ ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ الْجَهْلُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَعَدَمُ الِاضْطِلَاعِ بِمَقَاصِدِهَا ، كَانَ الْأَمْرُ أَشَدَّ وَأَقْرَبَ إِلَى التَّحْرِيفِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ ، فَكَأَنَّ الْمُدْرِكَ أَغْرَقُ فِي الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ ، وَأَمْكَنُ فِي ضَلَالِ الْبِدْعَةِ ، فَإِذَا غَلَبَ الْهَوَى; أَمْكَنَ انْقِيَادُ أَلْفَاظِ الْأَدِلَّةِ إِلَى مَا أَرَادَ مِنْهَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ مُبْتَدِعًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْمِلَّةِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَشْهِدُ عَلَى بِدْعَتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، فَيُنْزِلُهُ عَلَى مَا وَافَقَ عَقْلَهُ وَشَهْوَتَهُ ، وَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي الْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) .
لَكِنْ; إِنَّمَا يَنْسَاقُ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَشَابِهُ مِنْهَا لَا الْوَاضِحُ ، وَالْقَلِيلُ مِنْهَا لَا الْكَثِيرُ ، وَهُوَ أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْمُعْظَمَ وَالْجُمْهُورَ مِنَ
[ ص: 178 ] الْأَدِلَّةِ إِذَا دَلَّ عَلَى أَمْرٍ بِظَاهِرِهِ ، فَهُوَ الْحَقُّ ، فَإِنْ جَاءَ عَلَى مَا ظَاهِرُهُ الْخِلَافُ; فَهُوَ النَّادِرُ وَالْقَلِيلُ ، فَكَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ رَدُّ الْقَلِيلِ إِلَى الْكَثِيرِ ، وَالْمُتَشَابِهِ إِلَى الْوَاضِحِ .
غَيْرَ أَنَّ الْهَوَى زَاغَ بِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ زَيْغَهُ ، فَهُوَ فِي تِيهٍ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ; بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْهِدَايَةَ إِلَى الْحَقِّ أَوَّلَ مَطَالِبِهِ ، وَأَخَّرَ هَوَاهُ إِنْ كَانَ فَجَعَلَهُ بِالتَّبَعِ ، فَوَجَدَ جُمْهُورَ الْأَدِلَّةِ وَمُعْظَمَ الْكِتَابِ وَاضِحًا فِي الطَّلَبِ الَّذِي بَحَثَ عَنْهُ ، فَوَجَدَ الْجَادَّةَ ، وَمَا شَذَّ لَهُ عَنْ ذَلِكَ; فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكِلَهُ إِلَى عَالِمِهِ ، وَلَا يَتَكَلَّفُ الْبَحْثَ عَنْ تَأْوِيلِهِ .
وَفَيْصَلُ الْقَضِيَّةِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) ، إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) .
فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ مُبْتَدِعًا وَلَا ضَالًّا ، وَإِنْ حَصَلَ فِي الْخِلَافِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ .
أَمَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُبْتَدِعٍ; فَلِأَنَّهُ اتَّبَعَ الْأَدِلَّةَ; مُلْقِيًا إِلَيْهَا حِكْمَةَ الِانْقِيَادِ ، بَاسِطًا يَدَ الِافْتِقَارِ ، مُؤَخِّرًا هَوَاهُ ، وَمُقَدِّمًا لِأَمْرِ اللَّهِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ ضَالِّ; فَلِأَنَّهُ عَلَى الْجَادَّةِ سَلَكَ ، وَإِلَيْهَا لَجَأَ ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا يَوْمًا فَأَخْطَأَ ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ، بَلْ يَكُونُ مَأْجُورًا حَسْبَمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005277إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ; فَلَهُ أَجْرٌ ، وَإِنْ أَصَابَ; فَلَهُ [ ص: 179 ] أَجْرَانِ " وَإِنْ خَرَجَ مُتَعَمِّدًا; فَلَيْسَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ طَرِيقًا مَسْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ، وَشَرْعًا يُدَانُ بِهِ .
عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الذَّنْبُ مَوْقِعَ الِاقْتِدَاءِ قَدْ يُسَمَّى اسْتِنَانًا فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةُ مَنْ سَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005260مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا . . . . الْحَدِيثَ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005261مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ ، فَسُمِّيَ الْقَتْلُ سُنَّةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ عَمَلًا يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ ، لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى بِدْعَةً; لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَشْرِيعًا ، وَلَا يُسَمَّى ضَلَالًا; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَرِيقِ الْمَشْرُوعِ أَوْ فِي مُضَاهَاتِهِ لَهُ .
وَهَذَا تَقْرِيرٌ وَاضِحٌ يَشْهَدُ لَهُ الْوَاقِعُ فِي تَسْمِيَةِ الْبِدَعِ ضَلَالَاتٍ ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا أَحْوَالُ مَنْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَفِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ) .
فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا أُمِرُوا بِالْإِنْفَاقِ ، شَحُّوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا لِذَلِكَ الشُّحِّ مَخْرَجًا ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ؟ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ يُحْوِجْ أَحَدًا إِلَى أَحَدٍ ، لَكِنَّهُ ابْتَلَى عِبَادَهُ لِيَنْظُرَ كَيْفَ
[ ص: 180 ] يَعْمَلُونَ ؟ فَقَصَّ هَوَاهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ ، وَاتَّبَعُوا مَا تَشَابَهَ مِنَ الْكِتَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) .
فَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَقَرُّوا بِالتَّحْكِيمِ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ التَّحْكِيمُ عَلَى وَفْقِ أَغْرَاضِهِمْ; زَيْغًا عَنِ الْحَقِّ ، وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْجَمِيعَ حَكَمٌ ، وَأَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَوْ غَيْرُهُ مِثْلَ مَا يَحْكُمُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَهِلُوا أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي لَا يُرَدُّ ، وَأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ مَعَهُ مَرْدُودٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ) ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ; لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ) كَذَا إِلَى آخِرِهِ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا : إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، أَوْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ) .
[ ص: 181 ] فَهُمْ شَرَّعُوا شِرْعَةً ، وَابْتَدَعُوا فِي مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الْبِدْعَةَ ، تَوَهُّمًا أَنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبُهُمْ مِنَ اللَّهِ كَمَا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْحَقِّ ، فَزَلُّوا ، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا مِنْ ذَلِكَ ، وَتَاهُوا فِي الْمَشْرُوعِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إِثْرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ) .
فَهَذِهِ فَذْلَكَةٌ لِجُمْلَةٍ بَعْدَ تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا ) .
الْآيَةَ . فَهَذَا تَشْرِيعٌ كَالْمَذْكُورِ قَبْلَ هَذَا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=137وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ) ، وَهُوَ تَشْرِيعٌ أَيْضًا بِالرَّأْيِ مِثْلُ الْأَوَّلِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ ) إِلَى آخِرِهَا .
فَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَحَرَّمُوا مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ
[ ص: 182 ] مِنَ الرِّزْقِ بِالرَّأْيِ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيعِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ تَعْزِيرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي حَرَّمُوهَا وَهِيَ مَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ، وَقَوْلِهِ : ( لَا يَهْدِي ) يَعْنِي أَنَّهُ يُضِلُّهُ .
وَالْآيَاتُ الَّتِي قَرَّرَ فِيهَا حَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي إِشْرَاكِهِمْ أَتَى فِيهَا بِذِكْرِ الضَّلَالِ; لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ; لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا آلِهَتَهُمْ لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى فِي زَعْمِهِمْ ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ، فَوَضَعُوهُمْ مَوْضِعَ مَنْ يُتَوَسَّلُ بِهِ حَتَّى عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، إِذْ كَانَ أَوَّلُ وَضْعِهَا فِيمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ صُوَرًا لِقَوْمٍ يَوَدُّونَهُمْ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِمْ ، ثُمَّ عُبِدَتْ ، فَأَخَذَتْهَا الْعَرَبُ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ ، وَهُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ) .
فَزَعَمُوا فِي الْإِلَهِ الْحَقِّ مَا زَعَمُوا مِنَ الْبَاطِلِ ، بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ عِنْدَهُمْ مُتَشَابِهٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ ، فَتَاهُوا بِالشُّبْهَةِ عَنِ الْحَقِّ;
[ ص: 183 ] لِتَرْكِهِمُ الْوَاضِحَاتِ ، وَمَيْلِهِمْ إِلَى الْمُتَشَابِهَاتِ; كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ :
فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) ، وَهُمُ النَّصَارَى ، ضَلُّوا فِي
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ شَوَاهِدِ الْعُبُودِيَّةِ فِي
عِيسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=34ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) .
وَبَعْدَ ذِكْرِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَتَقْدِيسِ الْوَاحِدِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ وَذِكْرِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَقَالَاتِهِمُ الشَّنِيعَةِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=38لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) .
وَذَكَرَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ ، وَأَنَّهُمْ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ فِي أَحْوَالِ التَّكَالِيفِ عَلَى كَسَلٍ وَتَقِيَّةٍ; أَنَّ ذَلِكَ يُخَلِّصُهُمْ ، أَوْ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يُخَادِعُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَهَذَا هُوَ الضَّلَالُ بِعَيْنِهِ ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ ، فَإِذَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ عَلَى هُدًى مِنْ عَمَلِهِ ، وَلَا هُوَ سَالِكٌ عَلَى سَبِيلِهِ .
فَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ، إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=88وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ) .
[ ص: 184 ] وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ) ; مَعْنَاهُ : كَيْفَ أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يُغْنِي شَيْئًا ، وَأَتْرُكُ إِفْرَادَ الرَّبِّ الَّذِي بِيَدِهِ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ ؟ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ طَرِيقٍ إِلَى غَيْرِ طَرِيقٍ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=24إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) .
وَالْأَمْثِلَةُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ ، جَمِيعُهَا يَشْهَدُ بِأَنَّ الضَّلَالَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضُوعٍ يَزِلُّ صَاحِبُهُ لِشُبْهَةٍ تَعْرِضُ لَهُ ، أَوْ تَقْلِيدِ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ الشُّبْهَةُ ، فَيَتَّخِذُ ذَلِكَ الزَّلَلَ شَرْعًا وَدِينًا يَدِينُ بِهِ ، مَعَ وُجُودِ وَاضِحَةِ الطَّرِيقِ الْحَقِّ وَمَحْضِ الصَّوَابِ .
وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْكُفْرُ فِي الْوَاقِعِ مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ ، بَلْ ثَمَّ طَرِيقٌ آخَرُ ، وَهُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْعِرْفَانِ عِنَادًا أَوْ ظُلْمًا ، ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصِّنْفَيْنِ فِي السُّورَةِ الْجَامِعَةِ ، وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ :
فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) ، فَهَذِهِ هِيَ الْحُجَّةُ الْعُظْمَى الَّتِي دَعَا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَيْهَا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .
فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ; لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ نُبُوَّةَ
مُحَمَّدٍ [ ص: 185 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) ، يَعْنِي : الْيَهُودَ .
وَالضَّالُّونَ : هُمُ النَّصَارَى; لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا فِي الْحُجَّةِ فِي
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَيَلْحَقُ بِهِمْ فِي الضَّلَالِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي أَثْنَاءِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7وَلَا الضَّالِّينَ ) يَعُمُّهُمْ وَغَيْرَهُمْ ، فَكُلُّ مَنْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ دَاخِلٌ فِيهِ .
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ " الضَّالِّينَ " يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ ضَلَّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ; كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلًا ، إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذَا مِثْلُهُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) عَامٌّ فِي كُلِّ ضَالٍّ ، كَانَ ضَلَالُهُ كَضَلَالِ الشِّرْكِ أَوِ النِّفَاقِ ، أَوْ كَضَلَالِ الْفِرَقِ الْمَعْدُودَةِ فِي الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَعْلَى فِي قَصْدِ حَصْرِ أَهْلِ الضَّلَالِ ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِكُلِّيَّةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالسَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أُوتِيهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ خَرَجْنَا عَنِ الْمَقْصُودِ بَعْضَ خُرُوجٍ ، وَلَكِنَّهُ عَاضِدٌ لِمَا نَحْنُ فِيهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .