وأما النقل; فمن وجوه :
أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=20343ما جاء في القرآن الكريم مما يدل على ذم من ابتدع في دين الله في الجملة :
فمن ذلك قول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=20343_28974هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ) .
فهذه الآية أعظم الشواهد ، وقد جاء في الحديث تفسيرها :
فصح من حديث
عائشة رضي الله عنها أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005191سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) ؟ قال : فإذا رأيتهم فاعرفيهم .
وصح عنها أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005192سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب ) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 71 ] إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله; فاحذروهم .
وهذا التفسير مبهم .
ولكنه جاء في رواية عن
عائشة أيضا ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005193تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) الآية قال : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله ، فاحذروهم .
وهذا أبين ، لأنه جعل علامة الزيغ الجدال في القرآن ، وهذا الجدال مقيد باتباع المتشابه .
فإذا ، الذم إنما لحق من جادل فيه بترك المحكم - وهو أم الكتاب ومعظمه ، والتمسك بمتشابهه .
ولكنه بعد مفتقر إلى تفسير أظهر .
فجاء عن
أبي غالب واسمه حزور قال :
كنت بالشام ، فبعث المهلب سبعين رأسا من الخوارج ، فنصبوا على درج دمشق ، فكنت على ظهر بيت لي فمر أبو أمامة فنزلت فاتبعته ، فلما وقف عليهم دمعت عيناه وقال : سبحان الله ! ما يصنع السلطان ببني آدم ! قالها ثلاثا كلاب جهنم ، كلاب جهنم ، شر قتلى تحت ظل السماء ثلاث مرات ، [ ص: 72 ] خير قتلى من قتلوه ، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه .
ثم التفت إلي ، فقال : أبا غالب ! إنك بأرض هم بها كثير ، فأعاذك الله منهم .
قلت : رأيتك بكيت حين رأيتهم .
قال : بكيت رحمة حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام ، هل تقرأ سورة آل عمران ؟ قلت : نعم .
فقرأ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ) حتى بلغ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله ) وإن هؤلاء كان في قلوبهم زيغ ، فزيغ بهم .
ثم قرأ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) إلى قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) .
قلت : هم هؤلاء يا أبا أمامة ؟
قال : نعم .
قلت : من قبلك تقول أو شيء سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال : إني إذا لجريء ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا مرة ، ولا مرتين حتى عد سبعا .
[ ص: 73 ] ثم قال : إن بني إسرائيل تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإن هذه الأمة تزيد عليها فرقة ، كلها في النار; إلا السواد الأعظم .
قلت : يا أبا أمامة ! ألا ترى ما فعلوا ؟
قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ) الآية .
خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل القاضي وغيره .
وفي رواية; قال : قال : ألا ترى ما فيه السواد الأعظم وذلك في أول خلافة
عبد الملك والقتل يومئذ ظاهر ؟ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ) .
وخرجه
الترمذي مختصرا ، وقال فيه : " حديث حسن " .
وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أيضا باختلاف في بعض الألفاظ وفيه : " فقيل له : يا
أبا أمامة ! تقول لهم هذا القول ثم تبكي يعني قوله : شر قتلى إلى آخره ؟ ! قال : رحمة لهم; إنهم كانوا من أهل الإسلام ، فخرجوا منه ، ثم تلا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب ) حتى ختمها ، ثم قال : هم هؤلاء ، ثم تلا هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) حتى ختمها . ثم قال : هم هؤلاء .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ; قال : " ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس الخوارج وما
[ ص: 74 ] يصيبهم عند قراءة القرآن ، فقال : يؤمنون بمحكمه ، ويضلون عند متشابهه . وقرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) .
فقد ظهر بهذا التفسير أنهم أهل البدع; لأن
أبا أمامة رضي الله عنه جعل
الخوارج داخلين في عموم الآية ، وأنها تتنزل عليهم ، وهم من أهل البدع عند العلماء : إما على أنهم خرجوا ببدعتهم عن أهل الإسلام ، وإما على أنهم من أهل الإسلام لم يخرجوا عنهم; على اختلاف العلماء فيهم . وجعل هذه الطائفة ممن في قلوبهم زيغ فزيغ بهم ، وهذا الوصف موجود في أهل البدع كلهم .
مع أن لفظ الآية عام فيهم وفي غيرهم ممن كان على صفاتهم ، ألا ترى أن صدر هذه السورة إنما نزل في
نصارى نجران ومناظرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اعتقادهم في عيسى عليه السلام ، حيث تأولوا عليه أنه الإله أو أنه ابن الله أو أنه ثالث ثلاثة ، بأوجه متشابهة ، وتركوا ما هو الواضح في عبوديته حسبما نقله أهل السير ؟ !
ثم تأوله العلماء من السلف الصالح على قضايا دخل أصحابها تحت حكم اللفظ;
كالخوارج فهي ظاهرة في العموم .
ثم تلا
أبو أمامة الآية الأخرى ، وهي قوله سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) ، وفسرها بمعنى ما فسر به الآية الأخرى ،
[ ص: 75 ] فهي الوعيد والتهديد لمن تلك صفته ، ونهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم .
ونقل
عبيد عن حميد بن مهران قال : سألت
الحسن كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) قال : نبذوها ورب
الكعبة وراء ظهورهم .
وعن
أبي أمامة أيضا قال : هم
الحرورية .
وقال
ابن وهب : سمعت
مالكا يقول : ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106بما كنتم تكفرون ) قال
مالك : فأي كلام أبين من هذا ؟ ! فرأيته يتأولها لأهل الأهواء .
ورواه
ابن القاسم ، وزاد : قال لي
مالك : إنما هذه الآية لأهل القبلة .
وما ذكره في الآية قد نقل عن غير واحد; كالذي تقدم
للحسن .
وعن
قتادة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105كالذين تفرقوا واختلفوا ) يعني أهل البدع .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) قال : " تبيض وجوه
أهل السنة ، وتسود وجوه أهل البدعة .
ومن الآيات قوله تعالى :
[ ص: 76 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153nindex.php?page=treesubj&link=28977_20343وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه ، وهو السنة ، والسبل هي سبل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم ، وهم أهل البدع ، وليس المراد سبل المعاصي; لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع ، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات .
ويدل على هذا ما روى
إسماعيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن بهدلة عن
أبي وائل عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005195 " خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا طويلا ، وخط لنا سليمان خطا طويلا ، وخط عن يمينه وعن يساره ، فقال : هذا سبيل الله ثم خط لنا خطوطا عن يمينه ويساره وقال : هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) يعني الخطوط ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فتفرق بكم عن سبيله ) .
قال
بكر بن العلاء : " أحسبه أراد شيطانا من الإنس ، وهي البدع ، والله أعلم " .
وعن
عمر بن سلمة الهمداني ; قال : " كنا جلوسا في حلقة
[ ص: 77 ] nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في المسجد وهو
بطحاء قبل أن يحصب ، فقال له
عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان أتى غازيا : ما الصراط المستقيم يا
أبا عبد الرحمن ؟ قال : هو ورب
الكعبة الذي ثبت عليه أبوك حتى دخل الجنة .
ثم حلف على ذلك ثلاث أيمان ولاء ، ثم خط في
البطحاء خطا بيده ، وخط بجنبيه خطوطا ، وقال : ترككم نبيكم صلى الله عليه وسلم على طرفه ، وطرفه الآخر في الجنة ، فمن ثبت عليه ، دخل الجنة ، ومن أخذ في هذه الخطوط هلك .
وفي رواية : " يا
أبا عبد الرحمن ! ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جواد وعن يساره جواد ، وعليها رجال يدعون من مر بهم : هلم لك ! هلم لك ! فمن أخذ منهم في تلك الطرق; انتهت به إلى النار ، ومن استقام إلى الطريق الأعظم; انتهى به إلى الجنة ، ثم تلا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) الآية كلها .
وعن
مجاهد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ولا تتبعوا السبل ) ، قال : البدع والشبهات .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي : " قد سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس عن السنة ؟ قال : هي ما لا اسم له غير السنة ، وتلا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
قال
بكر بن العلاء : يريد إن شاء الله حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=hadith&LINKID=1005196أن النبي [ ص: 78 ] صلى الله عليه وسلم خط له خطا ، وذكر الحديث .
فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع ، لا تختص ببدعة دون أخرى .
ومن الآيات قول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ) .
فالسبيل القصد هو طريق الحق ، وما سواه جائر عن الحق; أي : عادل عنه ، وهي طرق البدع والضلالات ، أعاذنا الله من سلوكها بفضله ، وكفى بالجائر أن يحذر منه ، فالمساق يدل على التحذير والنهي .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ; قال : " سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن بهدلة ، وقيل له :
أبا بكر ! ، هل رأيت قول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28987_20343وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ) ؟ قال : حدثنا
أبو وائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ; قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005197خط عبد الله خطا مستقيما ، و خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن شماله ، فقال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا ، فقال للخط المستقيم : هذا سبيل الله ، وللخطوط التي عن يمينه وشماله : هذه سبل متفرقة ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ; والسبيل مشتركة; قال الله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) إلى آخرها .
عن
التستري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9قصد السبيل ) : طريق السنة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9ومنها جائر ) ;يعني : إلى النار ، وذلك الملل والبدع " .
وعن
مجاهد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9قصد السبيل ) ; أي المقتصد منها بين الغلو
[ ص: 79 ] والتقصير ، وذلك يفيد أن الجائر هو الغالي أو المقصر ، وكلاهما من أوصاف البدع .
وعن
علي رضي الله عنه أنه كان يقرؤها : " فمنكم جائر " ; قالوا : يعني هذه الأمة ، فكأن هذه الآية مع الآية قبلها يتواردان على معنى واحد .
ومنها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159nindex.php?page=treesubj&link=28977_20343إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) .
هذه الآية قد جاء تفسيرها في الحديث من طريق
عائشة رضي الله عنها ، قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) من هم ؟
قلت : الله ورسوله أعلم .
قال : " هم أصحاب الأهواء ، وأصحاب البدع ، وأصحاب الضلالة; من هذه الأمة ، يا عائشة إن لكل ذنب توبة ، ما خلا أصحاب الأهواء والبدع ، ليس لهم توبة ، وأنا بريء منهم وهم مني برآء . ؟ .
قال
ابن عطية : " هذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في
[ ص: 80 ] الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدال والخوض في الكلام ، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد .
ويريد والله أعلم بأهل التعمق في الفروع ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر في فصل ذم الرأي من " كتاب العلم " له ، وسيأتي ذكره بحول الله .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
أبي حنيفة أنه قال : لقيت
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح بمكة ، فسألته عن شيء ؟ فقال : من أين أنت ؟ قلت : من
أهل الكوفة ، قال : أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ؟ قلت : نعم ، قال : من أي الأصناف أنت ؟ ، قلت : ممن لا يسب السلف ، ويؤمن بالقدر ولا يكفر أحدا بذنب ، فقال
عطاء : عرفت فالزم .
وعن
الحسن ، قال :
خرج علينا nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما يخطبنا ، فقطعوا عليه كلامه ، فتراموا بالبطحاء ، حتى جعلت ما أبصر أديم السماء .
قال : وسمعنا صوتا من بعض حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : هذا صوت أم المؤمنين !
قال : فسمعتها وهي تقول : ألا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب ، وتلت : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) .
قال
القاضي إسماعيل : " أحسبه يعني بقوله : أم المؤمنين :
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وأن ذلك قد ذكر في بعض الحديث ، وقد كانت
عائشة في ذلك
[ ص: 81 ] الوقت حاجة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنها نزلت في هذه الأمة .
وعن
أبي أمامة : هم
الخوارج .
قال القاضي : " ظاهر القرآن يدل على أن كل من ابتدع في الدين بدعة من
الخوارج وغيرهم; فهو داخل في هذه الآية; لأنهم إذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا .
ومنها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=29001_20343ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) . قرئ : " فارقوا دينهم " .
وفسر عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنهم
الخوارج . ورواه
أبو أمامة مرفوعا .
وقيل : هم أصحاب الأهواء والبدع .
قالوا : روته
عائشة رضي الله عنها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وذلك لأن هذا شأن من ابتدع; حسبما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل القاضي ، وكما تقدم في الآي الأخر .
ومنها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28977_20343قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) .
[ ص: 82 ] فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن لبسكم شيعا هو الأهواء المختلفة .
ويكون على هذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65ويذيق بعضكم بأس بعض ) : تكفير البعض للبعض حتى يتقاتلوا ، كما جرى
للخوارج حين خرجوا على
أهل السنة والجماعة .
وقيل : معنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65أو يلبسكم شيعا ) : ما فيه إلباس من الاختلاف .
وقال
مجاهد وأبو العالية : " إن الآية لأمة
محمد صلى الله عليه وسلم " .
قال
أبو العالية : " هن أربع ، ظهر اثنتان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة : فألبسوا شيعا ، وأذيق بعضكم بأس بعض ، وبقيت اثنتان ، فهما ولا بد واقعتان ، الخسف من تحت أرجلكم ، والمسخ من فوقكم " .
وهذا كله صريح في أن اختلاف الأهواء مكروه غير محبوب ، ومذموم غير محمود .
وفيما نقل عن
مجاهد في قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118nindex.php?page=treesubj&link=28982_20343ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) :
قال في المختلفين : إنهم أهل الباطل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك ) ; قال : " فإن أهل الحق ليس فيهم اختلاف " .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن الشخير : أنه قال : " لو كانت الأهواء كلها
[ ص: 83 ] واحدا; لقال القائل : لعل الحق فيه ! فلما تشعبت وتفرقت; عرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق .
وعن عكرمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولا يزالون مختلفين ) يعني في الأهواء (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك ) هم
أهل السنة .
ونقل
أبو بكر ثابت الخطيب عن
منصور بن عبد الله بن عبد الرحمن ; قال : كنت جالسا عند
الحسن ورجل خلفي قاعد ، فجعل يأمرني أن أسأله عن قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولا يزالون مختلفين ) قال : نعم (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118لا يزالون مختلفين ) على أديان شتى (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك ) ، فمن رحم غير مختلف .
وروى
ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس : أن أهل الرحمة لا يختلفون .
ولهذه الآية بسط يأتي بعد إن شاء الله .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عمرو عن
مصعب ; قال : " سألت أبي عن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103nindex.php?page=treesubj&link=28989_20343قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) ; هم
الحرورية ؟ قال : لا ; هم
اليهود والنصارى ، أما
اليهود ; فكذبوا
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأما
النصارى فكذبوا بالجنة ، وقالوا : لا طعام فيها ولا شراب .
والحرورية (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) .
[ ص: 84 ] وكان
شعبة يسميهم الفاسقين .
وفي تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد ، قال : قلت لأبي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ; أهم
الحرورية ؟ قال : لا ! أولئك أصحاب الصوامع ، ولكن
الحرورية الذين قال الله فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في ( تفسيره ) هذا المعنى بلفظ آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد ، فأتى على هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104يحسنون صنعا ) ، قلت : أهم
الحرورية ؟ قال : لا ; هم
اليهود والنصارى ، أما
اليهود فكفروا
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأما
النصارى ; فكفروا بالجنة ، وقالوا : ليس فيها طعام ولا شراب ، ولكن
الحرورية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض )
فالأول : لأنهم خرجوا عن طريق الحق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم تأولوا التأويلات الفاسدة ، وكذا فعل المبتدعة وهو بابهم الذي دخلوا فيه .
والثاني : لأنهم تصرفوا في أحكام القرآن والسنة هذا التصرف .
فأهل حروراء وغيرهم من
الخوارج قطعوا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=57إن الحكم إلا لله )
[ ص: 85 ] عن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يحكم به ذوا عدل ) وغيرهما ، وكذا فعل سائر المبتدعة حسبما يأتيك بحول الله .
ومنه [ ما ] روى
عمرو بن مهاجر ; قال : " بلغ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن
غيلان القدري يقول في القدر ، فبعث إليه ، فحجبه أياما ، ثم أدخله عليه فقال : يا
غيلان ! ما هذا الذي بلغني عنك ؟ " .
قال
عمرو بن مهاجر : " فأشرت إليه ألا يقول شيئا " .
قال : " فقال : نعم يا أمير المؤمنين : إن الله عز وجل يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) .
قال
عمر : اقرأ إلى آخر السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) .
ثم قال : ما تقول يا
غيلان ؟
قال أقول : قد كنت أعمى فبصرتني ، وأصم فأسمعتني ، وضالا فهديتني .
[ ص: 86 ] فقال
عمر : اللهم إن كان عبدك غيلان صادقا ، وإلا فاصلبه " .
قال فأمسك عن الكلام في القدر ، فولاه
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز دار الضرب
بدمشق ، فلما مات
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز وأفضت الخلافة إلى
هشام ; تكلم في القدر ، فبعث إليه
هشام ، فقطع يده ، فمر به رجل والذباب على يده ، فقال : يا
غيلان ! هذا قضاء وقدر . قال : كذبت - لعمر الله - ما هذا قضاء ولا قدر; فبعث إليه
هشام فصلبه " .
والثالث : لأن
الحرورية جردوا السيوف على عباد الله ، وهو غاية الفساد في الأرض ، وذلك كثير من أهل البدع شائع ، وسائرهم يفسدون بوجوه من إيقاع العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام .
وهذه الأوصاف الثلاثة تقتضيها الفرقة التي نبه عليها الكتاب والسنة :
كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ) وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) .
وأشباه ذلك .
وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005200إن الأمة تتفرق على بضع وسبعين فرقة " .
وهذا التفسير في الرواية الأولى
لمصعب بن سعد أيضا ، فقد وافق أباه على المعنى المذكور .
ثم فسر
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور : أن ذلك بسبب
[ ص: 87 ] الزيغ الحاصل فيهم ، وذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ، وهو راجع إلى آية آل عمران في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) . الآية; فإنه رضي الله عنه أدخل
الحرورية في الآيتين بالمعنى ، وهو الزيغ في إحداهما ، والأوصاف المذكورة في الأخرى; لأنها فيهم موجودة .
فآية الرعد تشمل [
الحرورية ] بلفظها; لأن اللفظ فيها يقتضي العموم لغة ، وإن حملناها على الكفار خصوصا; فهي تعطي أيضا فيهم حكما من جهة ترتيب الجزاء على الأوصاف المذكورة حسبما هو مبين في الأصول .
وكذلك آية الصف; لأنها خاصة بقوم
موسى عليه السلام ، ومن هنا كان
شعبة يسميهم الفاسقين أعني :
الحرورية لأن معنى الآية واقع عليهم ، وقد جاء فيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ، والزيغ أيضا كان موجودا فيهم ، فدخلوا في معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ، ومن هنا يفهم أنها لا تختص من أهل البدعة
بالحرورية ، بل تعم كل من اتصف بتلك الأوصاف التي أصلها الزيغ ، وهو الميل عن الحق اتباعا للهوى .
وإنما فسرها
سعد رضي الله عنه
بالحرورية ; لأنه إنما سئل عنهم على الخصوص ، والله أعلم; لأنهم أول من ابتدع في دين الله ، فلا يقتضي ذلك تخصيصا .
[ ص: 88 ] وأما المسئول عنها أولا وهي آية الكهف فإن
سعدا نفى أن تشمل
الحرورية .
وقد جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسر ( الأخسرين أعمالا )
بالحرورية أيضا .
فروى
عبد بن حميد عن أبي الطفيل ; قال : " قام
ابن الكواء إلى
علي ، فقال : يا أمير المؤمنين ! من
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؟
قال : منهم
أهل حروراء " .
وهو أيضا منقول في " تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري " .
وفي "
جامع ابن وهب " : " أنه سأله عن الآية ؟ فقال له : ارق إلي أخبرك وكان على المنبر فرقي إليه درجتين ، فتناوله بعصا كانت في يده ، فجعل يضربه بها ، ثم قال له
علي : أنت وأصحابك " .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16932محمد بن جبير بن مطعم ; قال : أخبرني رجل من
بني أود : " أن
عليا خطب الناس
بالعراق وهو يسمع ، فصاح به
ابن الكواء من أقصى المسجد ، فقال : يا أمير المؤمنين ! من ( الأخسرين أعمالا ) ؟ قال : أنت ، فقتل ابن الكواء يوم
الخوارج " .
ونقل بعض أهل التفسير : " أن
ابن الكواء سأله ؟ فقال : أنتم
أهل حروراء ، وأهل الرياء ، والذين يحبطون الصنيعة بالمنة " .
فالرواية الأولى تدل على أن
أهل حروراء بعض من شملته الآية .
[ ص: 89 ] ولما قال سبحانه في وصفهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ) ; وصفهم بالضلال مع ظن الاهتداء ، دل على أنهم المبتدعون في أعمالهم عموما ، كانوا من أهل الكتاب أولا ، من حيث قال النبي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005201كل بدعة ضلالة وسيأتي شرح ذلك بعون الله .
فقد يجتمع التفسيران في الآية ، تفسير سعد بأنهم
اليهود والنصارى ، وتفسير علي بأنهم أهل البدعة; لأنهم قد اتفقوا على الابتداع ، ولذلك فسر كفر
النصارى بأنهم تأولوا في الجنة غير ما هي عليه ، وهو التأويل بالرأي .
فاجتمعت الآيات الثلاث على ذم البدعة وأهلها ، وأشعر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص بأن كل آية اقتضت وصفا من أوصاف المبتدعة ، فهم مقصدون بما فيها من الذم والخزي وسوء الجزاء ، إما بعموم اللفظ ، وإما بمعنى الوصف .
وروى
ابن وهب nindex.php?page=hadith&LINKID=1005202أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بكتاب في كتف فقال : " كفى بقوم حمقا أو قال : ضلالا أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم ، أو كتاب إلى غير كتابهم " فنزلت : ( nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) .
وخرج
عبد الحميد عن
الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005189من [ ص: 90 ] رغب عن سنتي فليس مني " ، ثم تلا هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) إلى آخر الآية .
وخرج هو وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=5علمت نفس ما قدمت وأخرت ) ; قال : " ما قدمت من عمل خير أو شر ، وما أخرت من سنة يعمل بها من بعده " .
وهذا التفسير قد يحتاج إلى تفسير ، فروي عن
عبد الله ; قال : " ما قدمت من خير ، وما أخرت من سنة صالحة يعمل بها من بعدها ، فإن له مثل أجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، وما أخرت من سنة سيئة ، كان عليه مثل وزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا " .
خرجه
ابن مبارك وغيره .
وجاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة و
أبي قلابة وغيرهما أنهم قالوا : " كل صاحب بدعة أو فرية ذليل " ، واستدلوا بقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=152إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ) .
وخرج
ابن وهب عن
مجاهد في قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=12إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) ; يقول : " ما قدموا من خير ، وآثارهم التي
[ ص: 91 ] أورثوا الناس بعدهم من الضلالة .
وخرج أيضا عن
ابن عون ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين أنه قال : إني أرى أسرع الناس ردة ، أصحاب الأهواء " .
قال
ابن عون : " وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين يرى أن هذه الآية في أصحاب الأهواء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري عن
أبي الجوزاء أنه ذكر أصحاب الأهواء فقال : " والذي نفس
أبي الجوزاء بيده; لأن تمتلئ داري قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني رجل منهم ، ولقد دخلوا في هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119إن الله عليم بذات الصدور ) .
والآيات المصرحة والمشيرة إلى ذمهم والنهي عن ملابسة أحوالهم كثيرة ، فلنقتصر على ما ذكرنا ، ففيه إن شاء الله الموعظة لمن اتعظ ، والشفاء لما في الصدور .
وَأَمَّا النَّقْلُ; فَمِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=20343مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ فِي الْجُمْلَةِ :
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=20343_28974هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) .
فَهَذِهِ الْآيَةُ أَعْظَمُ الشَّوَاهِدِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهَا :
فَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005191سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) ؟ قَالَ : فَإِذَا رَأَيْتِهِمْ فَاعْرِفِيهِمْ .
وَصَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005192سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ ص: 71 ] إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ; فَاحْذَرُوهُمْ .
وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُبْهَمٌ .
وَلَكِنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ
عَائِشَةَ أَيْضًا ، قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005193تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ) الْآيَةَ قَالَ : فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ ، فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ ، فَاحْذَرُوهُمْ .
وَهَذَا أَبْيَنُ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ عَلَامَةَ الزَّيْغِ الْجِدَالَ فِي الْقُرْآنِ ، وَهَذَا الْجِدَالُ مُقَيَّدٌ بِاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ .
فَإِذًا ، الذَّمُّ إِنَّمَا لَحِقَ مَنْ جَادَلَ فِيهِ بِتَرْكِ الْمُحْكَمِ - وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ وَمُعْظَمُهُ ، وَالتَّمَسُّكِ بِمُتَشَابِهِهِ .
وَلَكِنَّهُ بَعْدُ مُفْتَقِرٌ إِلَى تَفْسِيرٍ أَظْهَرَ .
فَجَاءَ عَنْ
أَبِي غَالِبٍ وَاسْمُهُ حَزَوَّرٌ قَالَ :
كُنْتُ بِالشَّامِ ، فَبَعَثَ الْمُهَلَّبُ سَبْعِينَ رَأْسًا مِنَ الْخَوَارِجِ ، فَنُصِبُوا عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ ، فَكُنْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لِي فَمَرَّ أَبُو أُمَامَةَ فَنَزَلْتُ فَاتَّبَعْتُهُ ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا يَصْنَعُ السُّلْطَانُ بِبَنِي آدَمَ ! قَالَهَا ثَلَاثًا كِلَابُ جَهَنَّمَ ، كِلَابُ جَهَنَّمَ ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، [ ص: 72 ] خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ .
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : أَبَا غَالِبٍ ! إِنَّكَ بِأَرْضٍ هُمْ بِهَا كَثِيرٌ ، فَأَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْهُمْ .
قُلْتُ : رَأَيْتُكَ بَكَيْتَ حِينَ رَأَيْتَهُمْ .
قَالَ : بَكَيْتُ رَحْمَةً حِينَ رَأَيْتُهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ .
فَقَرَأَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) حَتَّى بَلَغَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) وَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ، فَزِيغَ بِهِمْ .
ثُمَّ قَرَأَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) إِلَى قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
قُلْتُ : هُمْ هَؤُلَاءِ يَا أَبَا أُمَامَةَ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قُلْتُ : مِنْ قِبَلِكَ تَقُولُ أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَ : إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ ، بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا مَرَّةً ، وَلَا مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعًا .
[ ص: 73 ] ثُمَّ قَالَ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَزِيدُ عَلَيْهَا فِرْقَةً ، كُلُّهُا فِي النَّارِ; إِلَّا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ .
قُلْتُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ! أَلَا تَرَى مَا فَعَلُوا ؟
قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ) الْآيَةَ .
خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12425إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ; قَالَ : قَالَ : أَلَا تَرَى مَا فِيهِ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ
عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْقَتْلُ يَوْمَئِذٍ ظَاهِرٌ ؟ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ) .
وَخَرَّجَهُ
التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا ، وَقَالَ فِيهِ : " حَدِيثٌ حَسَنٌ " .
وَخَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا بِاخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَفِيهِ : " فَقِيلَ لَهُ : يَا
أَبَا أُمَامَةَ ! تَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ ثُمَّ تَبْكِي يَعْنِي قَوْلَهُ : شَرُّ قَتْلَى إِلَى آخِرِهِ ؟ ! قَالَ : رَحْمَةً لَهُمْ; إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجُوا مِنْهُ ، ثُمَّ تَلَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) حَتَّى خَتَمَهَا ، ثُمَّ قَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) حَتَّى خَتَمَهَا . ثُمَّ قَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13652الْآجُرِّيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ ; قَالَ : " ذُكِرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ الْخَوَارِجُ وَمَا
[ ص: 74 ] يُصِيبُهُمْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ : يُؤْمِنُونَ بِمُحْكَمِهِ ، وَيَضِلُّونَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ . وَقَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) .
فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ; لِأَنَّ
أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ
الْخَوَارِجَ دَاخِلِينَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، وَأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ : إِمَّا عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْهُمْ; عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ . وَجَعَلَ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مِمَّنْ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَزِيغَ بِهِمْ ، وَهَذَا الْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ كُلِّهِمْ .
مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ عَامٌّ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى صِفَاتِهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَدْرَ هَذِهِ السُّورَةِ إِنَّمَا نَزَلَ فِي
نَصَارَى نَجْرَانَ وَمُنَاظَرَتِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَيْثُ تَأَوَّلُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ الْإِلَهُ أَوْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ أَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ، بِأَوْجُهٍ مُتَشَابِهَةٍ ، وَتَرَكُوا مَا هُوَ الْوَاضِحُ فِي عُبُودِيَّتِهِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ أَهْلُ السِّيَرِ ؟ !
ثُمَّ تَأَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى قَضَايَا دَخَلَ أَصْحَابُهَا تَحْتَ حُكْمِ اللَّفْظِ;
كَالْخَوَارِجِ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْعُمُومِ .
ثُمَّ تَلَا
أَبُو أُمَامَةَ الْآيَةَ الْأُخْرَى ، وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=107فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، وَفَسَّرَهَا بِمَعْنَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْآيَةَ الْأُخْرَى ،
[ ص: 75 ] فَهِيَ الْوَعِيدُ وَالتَّهْدِيدُ لِمَنْ تِلْكَ صِفَتُهُ ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ .
وَنَقَلَ
عُبَيْدٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : سَأَلْتُ
الْحَسَنَ كَيْفَ يَصْنَعُ أَهْلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الْخَبِيثَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي آلِ عِمْرَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) قَالَ : نَبَذُوهَا وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ .
وَعَنْ
أَبِي أُمَامَةَ أَيْضًا قَالَ : هُمُ
الْحَرُورِيَّةُ .
وَقَالَ
ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْتُ
مَالِكًا يَقُولُ : مَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِلَافِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) قَالَ
مَالِكٌ : فَأَيُّ كَلَامٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا ؟ ! فَرَأَيْتُهُ يَتَأَوَّلُهَا لِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ .
وَرَوَاهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَزَادَ : قَالَ لِي
مَالِكٌ : إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ .
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ قَدْ نُقِلَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ; كَالَّذِي تَقَدَّمَ
لِلْحَسَنِ .
وَعَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ) يَعْنِي أَهْلَ الْبِدَعِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قَالَ : " تَبْيَضُّ وُجُوهُ
أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ .
وَمِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 76 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153nindex.php?page=treesubj&link=28977_20343وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .
فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ سَبِيلُ اللَّهِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ ، وَهُوَ السُّنَّةُ ، وَالسُّبُلُ هِيَ سُبُلُ الِاخْتِلَافِ الْحَائِدِينَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ سُبُلَ الْمَعَاصِي; لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعَاصٍ لَمْ يَضَعْهَا أَحَدٌ طَرِيقًا تُسْلَكُ دَائِمًا عَلَى مُضَاهَاةِ التَّشْرِيعِ ، وَإِنَّمَا هَذَا الْوَصْفُ خَاصٌّ بِالْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ .
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رَوَى
إِسْمَاعِيلُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16039سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ
أَبِي وَائِلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005195 " خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا طَوِيلًا ، وَخَطَّ لَنَا سُلَيْمَانُ خَطًّا طَوِيلًا ، وَخَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، فَقَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ لَنَا خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَقَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ وَعَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ) يَعْنِي الْخُطُوطَ ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) .
قَالَ
بَكْرُ بْنُ الْعَلَاءِ : " أَحْسَبُهُ أَرَادَ شَيْطَانًا مِنَ الْإِنْسِ ، وَهِيَ الْبِدَعُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
وَعَنْ
عُمَرَ بْنِ سَلَمَةَ الْهَمْدَانِيِّ ; قَالَ : " كُنَّا جُلُوسًا فِي حَلْقَةِ
[ ص: 77 ] nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ
بَطْحَاءُ قَبْلَ أَنْ يُحَصِّبَ ، فَقَالَ لَهُ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَكَانَ أَتَى غَازِيًا : مَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قَالَ : هُوَ وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ أَبُوكَ حَتَّى دَخَلَ الْجَنَّةَ .
ثُمَّ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَ أَيْمَانٍ وَلَاءً ، ثُمَّ خَطَّ فِي
الْبَطْحَاءِ خَطًّا بِيَدِهِ ، وَخَطَّ بِجَنْبَيْهِ خُطُوطًا ، وَقَالَ : تَرَكَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرَفِهِ ، وَطَرَفُهُ الْآخَرُ فِي الْجَنَّةِ ، فَمِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْخُطُوطِ هَلَكَ .
وَفِي رِوَايَةٍ : " يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! مَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ؟ قَالَ : تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدْنَاهُ ، وَطَرَفُهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَنْ يَمِينِهِ جَوَادٌ وَعَنْ يَسَارِهِ جَوَادٌ ، وَعَلَيْهَا رِجَالٌ يَدْعُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ : هَلُمَّ لَكَ ! هَلُمَّ لَكَ ! فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ; انْتَهَتْ بِهِ إِلَى النَّارِ ، وَمَنِ اسْتَقَامَ إِلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ; انْتَهَى بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ، ثُمَّ تَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) الْآيَةَ كُلَّهُا .
وَعَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ) ، قَالَ : الْبِدَعُ وَالشُّبُهَاتُ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16349عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ : " قَدْ سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ السُّنَّةِ ؟ قَالَ : هِيَ مَا لَا اسْمَ لَهُ غَيْرُ السُّنَّةِ ، وَتَلَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) .
قَالَ
بَكْرُ بْنُ الْعَلَاءِ : يُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=1005196أَنَّ النَّبِيَّ [ ص: 78 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَّ لَهُ خَطًّا ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
فَهَذَا التَّفْسِيرُ يَدُلُّ عَلَى شُمُولِ الْآيَةِ لِجَمِيعِ طُرُقِ الْبِدَعِ ، لَا تَخْتَصُّ بِبِدْعَةٍ دُونَ أُخْرَى .
وَمِنَ الْآيَاتِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) .
فَالسَّبِيلُ الْقَصْدُ هُوَ طَرِيقُ الْحَقِّ ، وَمَا سِوَاهُ جَائِرٌ عَنِ الْحَقِّ; أَيْ : عَادِلٌ عَنْهُ ، وَهِيَ طُرُقُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ سُلُوكِهَا بِفَضْلِهِ ، وَكَفَى بِالْجَائِرِ أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ ، فَالْمَسَاقُ يَدُلُّ عَلَى التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابْنُ وَضَّاحٍ ; قَالَ : " سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ ، وَقِيلَ لَهُ :
أَبَا بَكْرٍ ! ، هَلْ رَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28987_20343وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ؟ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو وَائِلٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ; قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005197خَطَّ عَبْدُ اللَّهِ خَطًّا مُسْتَقِيمًا ، وَ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَخُطُوطًا عَنْ شِمَالِهِ ، فَقَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا ، فَقَالَ لِلْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ، وَلِلْخُطُوطِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ : هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ; وَالسَّبِيلُ مُشْتَرَكَةٌ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) إِلَى آخِرِهَا .
عَنِ
التُّسْتُرِيِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9قَصْدُ السَّبِيلِ ) : طَرِيقُ السُّنَّةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَمِنْهَا جَائِرٌ ) ;يَعْنِي : إِلَى النَّارِ ، وَذَلِكَ الْمِلَلُ وَالْبِدَعُ " .
وَعَنْ
مُجَاهِدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9قَصْدُ السَّبِيلِ ) ; أَيِ الْمُقْتَصِدُ مِنْهَا بَيْنَ الْغُلُوِّ
[ ص: 79 ] وَالتَّقْصِيرِ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ الْجَائِرَ هُوَ الْغَالِي أَوِ الْمُقَصِّرُ ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَوْصَافِ الْبِدَعِ .
وَعَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " فَمِنْكُمْ جَائِرٌ " ; قَالُوا : يَعْنِي هَذِهِ الْأُمَّةَ ، فَكَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَعَ الْآيَةِ قَبْلَهَا يَتَوَارَدَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159nindex.php?page=treesubj&link=28977_20343إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) .
هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ جَاءَ تَفْسِيرُهَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَائِشَةُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) مَنْ هُمْ ؟
قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : " هُمْ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ ، وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ ، وَأَصْحَابُ الضَّلَالَةِ; مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، يَا عَائِشَةُ إِنَّ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةً ، مَا خَلَا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ ، لَيْسَ لَهُمْ تَوْبَةٌ ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مِنِّي بُرَآءٌ . ؟ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : " هَذِهِ الْآيَةُ تَعُمُّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالشُّذُوذِ فِي
[ ص: 80 ] الْفُرُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّعَمُّقِ فِي الْجِدَالِ وَالْخَوْضِ فِي الْكَلَامِ ، هَذِهِ كُلُّهُا عُرْضَةٌ لِلزَّلَلِ وَمَظِنَّةٌ لِسُوءِ الْمُعْتَقَدِ .
وَيُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ التَّعَمُّقِ فِي الْفُرُوعِ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي فَصْلِ ذَمِّ الرَّأْيِ مِنْ " كِتَابِ الْعِلْمِ " لَهُ ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بِحَوْلِ اللَّهِ .
وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : لَقِيتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ بِمَكَّةَ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ أَنْتَ ؟ ، قُلْتُ : مِمَّنْ لَا يَسُبُّ السَّلَفَ ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدْرِ وَلَا يُكَفِّرُ أَحَدًا بِذَنْبٍ ، فَقَالَ
عَطَاءٌ : عَرَفْتَ فَالْزَمْ .
وَعَنِ
الْحَسَنِ ، قَالَ :
خَرَجَ عَلَيْنَا nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا يَخْطُبُنَا ، فَقَطَعُوا عَلَيْهِ كَلَامَهُ ، فَتَرَامَوْا بِالْبَطْحَاءِ ، حَتَّى جَعَلْتُ مَا أُبْصِرُ أَدِيمَ السَّمَاءِ .
قَالَ : وَسَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ بَعْضِ حُجَرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ : هَذَا صَوْتُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ !
قَالَ : فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ : أَلَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ بَرِئَ مِمَّنْ فَرَّقَ دِينَهُ وَاحْتَزَبَ ، وَتَلَتْ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) .
قَالَ
الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ : " أَحْسَبُهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ :
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمَّ سَلَمَةَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ ، وَقَدْ كَانَتْ
عَائِشَةُ فِي ذَلِكَ
[ ص: 81 ] الْوَقْتِ حَاجَّةً .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ .
وَعَنْ
أَبِي أُمَامَةَ : هُمُ
الْخَوَارِجُ .
قَالَ الْقَاضِي : " ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ بِدْعَةً مِنَ
الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ; فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ; لِأَنَّهُمْ إِذَا ابْتَدَعُوا تَجَادَلُوا وَتَخَاصَمُوا وَتَفَرَّقُوا وَكَانُوا شِيَعًا .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=29001_20343وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) . قُرِئَ : " فَارَقُوا دِينَهُمْ " .
وَفُسِّرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمُ
الْخَوَارِجُ . وَرَوَاهُ
أَبُو أُمَامَةَ مَرْفُوعًا .
وَقِيلَ : هُمْ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ .
قَالُوا : رَوَتْهُ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ مَنِ ابْتَدَعَ; حَسْبَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12425إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيِ الْأُخَرِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28977_20343قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) .
[ ص: 82 ] فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ لَبَّسَكُمْ شِيَعًا هُوَ الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ .
وَيَكُونُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) : تَكْفِيرُ الْبَعْضِ لِلْبَعْضِ حَتَّى يَتَقَاتَلُوا ، كَمَا جَرَى
لِلْخَوَارِجِ حِينَ خَرَجُوا عَلَى
أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
وَقِيلَ : مَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ) : مَا فِيهِ إِلْبَاسٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ : " إِنَّ الْآيَةَ لِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
قَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : " هُنَّ أَرْبَعٌ ، ظَهَرَ اثْنَتَانِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً : فَأُلْبِسُوا شِيَعًا ، وَأُذِيقُ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، وَبَقِيَتِ اثْنَتَانِ ، فَهُمَا وَلَا بُدَّ وَاقِعَتَانِ ، الْخَسْفُ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، وَالْمَسْخُ مِنْ فَوْقِكُمْ " .
وَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَهْوَاءِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ ، وَمَذْمُومٌ غَيْرُ مَحْمُودٍ .
وَفِيمَا نُقِلَ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118nindex.php?page=treesubj&link=28982_20343وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) :
قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِينَ : إِنَّهُمْ أَهْلُ الْبَاطِلِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) ; قَالَ : " فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَيْسَ فِيهِمُ اخْتِلَافٌ " .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17098مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ : أَنَّهُ قَالَ : " لَوْ كَانَتِ الْأَهْوَاءُ كُلُّهُا
[ ص: 83 ] وَاحِدًا; لَقَالَ الْقَائِلُ : لَعَلَّ الْحَقَّ فِيهِ ! فَلَمَّا تَشَعَّبَتْ وَتَفَرَّقَتْ; عَرَفَ كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَفَرَّقُ .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) يَعْنِي فِي الْأَهْوَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) هُمْ
أَهْلُ السُّنَّةِ .
وَنَقَلَ
أَبُو بَكْرٍ ثَابِتٌ الْخَطِيبُ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ; قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ
الْحَسَنِ وَرَجُلٌ خَلْفِي قَاعِدٌ ، فَجَعَلَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) قَالَ : نَعَمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) عَلَى أَدْيَانٍ شَتَّى (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) ، فَمَنْ رَحِمَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ .
وَرَوَى
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : أَنَّ أَهْلَ الرَّحْمَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ .
وَلِهَذِهِ الْآيَةِ بَسْطٌ يَأْتِي بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
عَمْرٍو عَنْ
مُصْعَبٍ ; قَالَ : " سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103nindex.php?page=treesubj&link=28989_20343قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ) ; هُمُ
الْحَرُورِيَّةُ ؟ قَالَ : لَا ; هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، أَمَّا
الْيَهُودُ ; فَكَذَّبُوا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا
النَّصَارَى فَكَذَّبُوا بِالْجَنَّةِ ، وَقَالُوا : لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ .
وَالْحَرُورِيَّةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) .
[ ص: 84 ] وَكَانَ
شُعْبَةُ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ .
وَفِي تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17092مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ; أَهُمُ
الْحَرُورِيَّةُ ؟ قَالَ : لَا ! أُولَئِكَ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ ، وَلَكِنَّ
الْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) .
وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي ( تَفْسِيرِهِ ) هَذَا الْمَعْنَى بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17092مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ، قُلْتُ : أَهُمُ
الْحَرُورِيَّةُ ؟ قَالَ : لَا ; هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، أَمَّا
الْيَهُودُ فَكَفَرُوا
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا
النَّصَارَى ; فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ ، وَقَالُوا : لَيْسَ فِيهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ ، وَلَكِنَّ
الْحَرُورِيَّةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ )
فَالْأَوَّلُ : لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا التَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةَ ، وَكَذَا فَعَلَ الْمُبْتَدِعَةُ وَهُوَ بَابُهُمُ الَّذِي دَخَلُوا فِيهِ .
وَالثَّانِي : لِأَنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ هَذَا التَّصَرُّفَ .
فَأَهْلُ حَرُورَاءَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ
الْخَوَارِجِ قَطَعُوا قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=57إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )
[ ص: 85 ] عَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ ) وَغَيْرِهِمَا ، وَكَذَا فَعَلَ سَائِرُ الْمُبْتَدِعَةِ حَسْبَمَا يَأْتِيكَ بِحَوْلِ اللَّهِ .
وَمِنْهُ [ مَا ] رَوَى
عَمْرُو بْنُ مُهَاجِرٍ ; قَالَ : " بَلَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ
غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ يَقُولُ فِي الْقَدَرِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَحَجَبَهُ أَيَّامًا ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا
غَيْلَانُ ! مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ ؟ " .
قَالَ
عَمْرُو بْنُ مُهَاجِرٍ : " فَأَشَرْتُ إِلَيْهِ أَلَّا يَقُولَ شَيْئًا " .
قَالَ : " فَقَالَ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) .
قَالَ
عُمَرُ : اقْرَأْ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) .
ثُمَّ قَالَ : مَا تَقُولُ يَا
غَيْلَانُ ؟
قَالَ أَقُولُ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَبَصَّرْتَنِي ، وَأَصَمَّ فَأَسْمَعْتَنِي ، وَضَالًّا فَهَدَيْتَنِي .
[ ص: 86 ] فَقَالَ
عُمَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ غَيْلَانُ صَادِقًا ، وَإِلَّا فَاصْلُبْهُ " .
قَالَ فَأَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْقَدَرِ ، فَوَلَّاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَارَ الضَّرْبِ
بِدِمَشْقَ ، فَلَمَّا مَاتَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى
هِشَامٍ ; تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
هِشَامٌ ، فَقَطَعَ يَدَهُ ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ وَالذُّبَابُ عَلَى يَدِهِ ، فَقَالَ : يَا
غَيْلَانُ ! هَذَا قَضَاءٌ وَقَدَرٌ . قَالَ : كَذَبْتَ - لَعَمْرُ اللَّهِ - مَا هَذَا قَضَاءٌ وَلَا قَدَرٌ; فَبَعَثَ إِلَيْهِ
هِشَامٌ فَصَلَبَهُ " .
وَالثَّالِثُ : لِأَنَّ
الْحَرُورِيَّةَ جَرَّدُوا السُّيُوفَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ ، وَهُوَ غَايَةُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ شَائِعٌ ، وَسَائِرُهُمْ يُفْسِدُونَ بِوُجُوهٍ مِنْ إِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ .
وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ تَقْتَضِيهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ :
كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) .
وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ .
وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005200إِنَّ الْأُمَّةَ تَتَفَرَّقُ عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً " .
وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى
لِمُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا ، فَقَدْ وَافَقَ أَبَاهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ .
ثُمَّ فَسَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ
[ ص: 87 ] الزَّيْغِ الْحَاصِلِ فِيهِمْ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى آيَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) . الْآيَةَ; فَإِنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْخَلَ
الْحَرُورِيَّةُ فِي الْآيَتَيْنِ بِالْمَعْنَى ، وَهُوَ الزَّيْغُ فِي إِحْدَاهُمَا ، وَالْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأُخْرَى; لِأَنَّهَا فِيهِمْ مَوْجُودَةٌ .
فَآيَةُ الرَّعْدِ تَشْمَلُ [
الْحَرُورِيَّةَ ] بِلَفْظِهَا; لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لُغَةً ، وَإِنْ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْكُفَّارِ خُصُوصًا; فَهِيَ تُعْطِي أَيْضًا فِيهِمْ حُكْمًا مِنْ جِهَةِ تَرْتِيبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ حَسْبَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْأُصُولِ .
وَكَذَلِكَ آيَةُ الصَّفِّ; لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِقَوْمِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَمِنْ هُنَا كَانَ
شُعْبَةُ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ أَعْنِي :
الْحَرُورِيَّةَ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ وَاقِعٌ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ جَاءَ فِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ، وَالزَّيْغُ أَيْضًا كَانَ مَوْجُودًا فِيهِمْ ، فَدَخَلُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) ، وَمِنْ هُنَا يُفْهَمُ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ
بِالْحَرُورِيَّةِ ، بَلْ تَعُمُّ كُلَّ مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الَّتِي أَصْلُهَا الزَّيْغُ ، وَهُوَ الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى .
وَإِنَّمَا فَسَّرَهَا
سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بِالْحَرُورِيَّةِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا سُئِلَ عَنْهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ; لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ ، فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَخْصِيصًا .
[ ص: 88 ] وَأَمَّا الْمَسْئُولُ عَنْهَا أَوَّلًا وَهِيَ آيَةُ الْكَهْفِ فَإِنَّ
سَعْدًا نَفَى أَنْ تَشْمَلَ
الْحَرُورِيَّةَ .
وَقَدْ جَاءَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَ ( الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا )
بِالْحَرُورِيَّةِ أَيْضًا .
فَرَوَى
عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ; قَالَ : " قَامَ
ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى
عَلِيٍّ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! مَنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ؟
قَالَ : مِنْهُمْ
أَهْلُ حَرُورَاءَ " .
وَهُوَ أَيْضًا مَنْقُولٌ فِي " تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ " .
وَفِي "
جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ " : " أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْآيَةِ ؟ فَقَالَ لَهُ : ارْقَ إِلَيَّ أُخْبِرْكَ وَكَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَرَقِيَ إِلَيْهِ دَرَجَتَيْنِ ، فَتَنَاوَلَهُ بِعَصًا كَانَتْ فِي يَدِهِ ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ لَهُ
عَلِيٌّ : أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ " .
وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16932مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ; قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ
بَنِي أَوْدٍ : " أَنَّ
عَلِيًّا خَطَبَ النَّاسَ
بِالْعِرَاقِ وَهُوَ يَسْمَعُ ، فَصَاحَ بِهِ
ابْنُ الْكَوَّاءِ مِنْ أَقْصَى الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! مَنِ ( الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ) ؟ قَالَ : أَنْتَ ، فَقُتِلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ يَوْمَ
الْخَوَارِجِ " .
وَنَقَلَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : " أَنَّ
ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَهُ ؟ فَقَالَ : أَنْتُمْ
أَهْلُ حَرُورَاءَ ، وَأَهْلُ الرِّيَاءِ ، وَالَّذِينَ يُحْبِطُونَ الصَّنِيعَةَ بِالْمِنَّةِ " .
فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
أَهْلَ حَرُورَاءَ بَعْضُ مَنْ شَمِلَتْهُ الْآيَةُ .
[ ص: 89 ] وَلَمَّا قَالَ سُبْحَانَهُ فِي وَصْفِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ; وَصَفَهُمْ بِالضَّلَالِ مَعَ ظَنِّ الِاهْتِدَاءِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمُ الْمُبْتَدِعُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ عُمُومًا ، كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوَّلًا ، مِنْ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005201كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ .
فَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّفْسِيرَانِ فِي الْآيَةِ ، تَفْسِيرُ سَعْدٍ بِأَنَّهُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَتَفْسِيرُ عَلِيٍّ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْبِدْعَةِ; لِأَنَّهُمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى الِابْتِدَاعِ ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَ كُفْرَ
النَّصَارَى بِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا فِي الْجَنَّةِ غَيْرَ مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ بِالرَّأْيِ .
فَاجْتَمَعَتِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ عَلَى ذَمِّ الْبِدْعَةِ وَأَهْلِهَا ، وَأَشْعَرَ كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعِدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِأَنَّ كُلَّ آيَةٍ اقْتَضَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الْمُبْتَدِعَةِ ، فَهُمْ مَقْصُدُونَ بِمَا فِيهَا مِنَ الذَّمِّ وَالْخِزْيِ وَسُوءِ الْجَزَاءِ ، إِمَّا بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَإِمَّا بِمَعْنَى الْوَصْفِ .
وَرَوَى
ابْنُ وَهْبٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=1005202أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِكِتَابٍ فِي كَتِفٍ فَقَالَ : " كَفَى بِقَوْمٍ حُمْقًا أَوْ قَالَ : ضَلًالًا أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ إِلَى غَيْرِ نَبِيِّهِمْ ، أَوْ كِتَابٍ إِلَى غَيْرِ كِتَابِهِمْ " فَنَزَلَتْ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) .
وَخَرَّجَ
عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005189مَنْ [ ص: 90 ] رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
وَخَرَّجَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=5عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) ; قَالَ : " مَا قَدَّمَتْ مِنْ عَمَلِ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ يُعْمَلُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ " .
وَهَذَا التَّفْسِيرُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ ، فَرُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ ; قَالَ : " مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ ، وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ صَالِحَةٍ يُعْمَلُ بِهَا مِنْ بَعْدِهَا ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ سَيِّئَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا " .
خَرَّجَهُ
ابْنُ مُبَارَكٍ وَغَيْرُهُ .
وَجَاءَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَ
أَبِي قِلَابَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ قَالُوا : " كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ أَوْ فِرْيَةٍ ذَلِيلٌ " ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=152إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) .
وَخَرَّجَ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=12إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) ; يَقُولُ : " مَا قَدَّمُوا مِنْ خَيْرٍ ، وَآثَارَهُمُ الَّتِي
[ ص: 91 ] أَوْرَثُوا النَّاسَ بَعْدَهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ .
وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنِ
ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16972مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي أَرَى أَسْرَعَ النَّاسِ رِدَّةً ، أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ " .
قَالَ
ابْنُ عَوْنٍ : " وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13652الْآجُرِّيُّ عَنْ
أَبِي الْجَوْزَاءِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ فَقَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ
أَبِي الْجَوْزَاءِ بِيَدِهِ; لِأَنْ تَمْتَلِئَ دَارِي قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُجَاوِرَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ ، وَلَقَدْ دَخَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) .
وَالْآيَاتُ الْمُصَرِّحَةُ وَالْمُشِيرَةُ إِلَى ذَمِّهِمْ وَالنَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَةِ أَحْوَالِهِمْ كَثِيرَةٌ ، فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، فَفِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَوْعِظَةُ لِمَنِ اتَّعَظَ ، وَالشِّفَاءُ لِمَا فِي الصُّدُورِ .