قال رحمه الله تعالى : فصل ، ، فذهب ( اختلف أهل الأرض في كلام الله تعالى الاتحادية ) ، وحقه وباطله ، سحره وكفره ، والسب والشتم ، والهجر والفحش ، وأضداده كله عين كلام الله - تعالى - القائم به كما قال عارفهم : القائلون بوحدة الوجود أن كل كلام في الوجود كلام الله نظمه ونثره
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
.وهذا المذهب مبني على أصلهم الذي أصلوه ، وهو أن الله - سبحانه - هو عين هذا الوجود ، فصفاته هي صفات الله ، وكلامه هو كلام الله ، وأصل هذا المذهب [ ص: 374 ] إنكار مسألة المباينة والعلو ، فإنهم لما أصلوا أن الله - تعالى - غير مباين لهذا العالم المحسوس ، صاروا بين أمرين لا ثالث لهما إلا المكابرة :
أحدهما : أنه معدوم لا وجود له ، إذ لو كان موجودا لكان إما داخل العالم ، وإما خارجا عنه ، وهذا معلوم بالضرورة ، فإنه إذا كان قائما بنفسه ، فإما أن يكون مباينا للعالم أو محايثا له ، إما داخلا فيه وإما خارجا عنه .
الأمر الثاني : أن يكون هو عين هذا العالم ، فإنه يصح أن يقال فيه حينئذ أنه لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا مباينا له ولا حالا فيه ، إذ هو عينه ، والشيء لا يباين نفسه ولا يحايثها ، فرأوا أن هذا خير من إنكار وجوده ، والحكم عليه بأنه معدوم ، ورأوا أن الفرار من هذا إلى إثبات موجود قائم بنفسه ، لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصل به ولا منفصل عنه ، ولا مباين له ولا محايث ، ولا فوقه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، ولا خلفه ولا أمامه فرار إلى ما لا يسيغه عقل ، ولا تقبله فطرة ، ولا تأتي به شريعة ، ولا يمكن أن يقر برب هذا شأنه إلا على أحد وجهين لا ثالث لهما :
أحدهما : أن يكون ساريا فيه حالا فيه ، فهو في كل مكان بذاته ، وهو قول جميع الجهمية الأقدمين .
الوجه الثاني : أن يكون وجوده في الذهن لا في الخارج ، فيكون ، وجوده - سبحانه - وجودا عقليا ، إذ لو كان موجودا في الأعيان ، لكان إما عين هذا العالم أو غيره ، ولو كان غيره لكان إما بائنا عنه أو حالا فيه ، وكلاهما باطل ، فثبت أنه عين هذا العالم ، فله حينئذ كل اسم حسن وقبيح ، وكل صفة كمال ونقص ، وكل كلام حق وباطل ، نعوذ بالله من ذلك .