الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ( فصل ) : والمخالفون لأهل السنة في القرآن سبع طوائف ، ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية في المنهاج ، وابن القيم في الصواعق ، وهذا نصه :

      قال رحمه الله تعالى : فصل ، اختلف أهل الأرض في كلام الله تعالى ، فذهب ( الاتحادية ) القائلون بوحدة الوجود أن كل كلام في الوجود كلام الله نظمه ونثره ، وحقه وباطله ، سحره وكفره ، والسب والشتم ، والهجر والفحش ، وأضداده كله عين كلام الله - تعالى - القائم به كما قال عارفهم :


      وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه

      .

      وهذا المذهب مبني على أصلهم الذي أصلوه ، وهو أن الله - سبحانه - هو عين هذا الوجود ، فصفاته هي صفات الله ، وكلامه هو كلام الله ، وأصل هذا المذهب [ ص: 374 ] إنكار مسألة المباينة والعلو ، فإنهم لما أصلوا أن الله - تعالى - غير مباين لهذا العالم المحسوس ، صاروا بين أمرين لا ثالث لهما إلا المكابرة :

      أحدهما : أنه معدوم لا وجود له ، إذ لو كان موجودا لكان إما داخل العالم ، وإما خارجا عنه ، وهذا معلوم بالضرورة ، فإنه إذا كان قائما بنفسه ، فإما أن يكون مباينا للعالم أو محايثا له ، إما داخلا فيه وإما خارجا عنه .

      الأمر الثاني : أن يكون هو عين هذا العالم ، فإنه يصح أن يقال فيه حينئذ أنه لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا مباينا له ولا حالا فيه ، إذ هو عينه ، والشيء لا يباين نفسه ولا يحايثها ، فرأوا أن هذا خير من إنكار وجوده ، والحكم عليه بأنه معدوم ، ورأوا أن الفرار من هذا إلى إثبات موجود قائم بنفسه ، لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصل به ولا منفصل عنه ، ولا مباين له ولا محايث ، ولا فوقه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، ولا خلفه ولا أمامه فرار إلى ما لا يسيغه عقل ، ولا تقبله فطرة ، ولا تأتي به شريعة ، ولا يمكن أن يقر برب هذا شأنه إلا على أحد وجهين لا ثالث لهما :

      أحدهما : أن يكون ساريا فيه حالا فيه ، فهو في كل مكان بذاته ، وهو قول جميع الجهمية الأقدمين .

      الوجه الثاني : أن يكون وجوده في الذهن لا في الخارج ، فيكون ، وجوده - سبحانه - وجودا عقليا ، إذ لو كان موجودا في الأعيان ، لكان إما عين هذا العالم أو غيره ، ولو كان غيره لكان إما بائنا عنه أو حالا فيه ، وكلاهما باطل ، فثبت أنه عين هذا العالم ، فله حينئذ كل اسم حسن وقبيح ، وكل صفة كمال ونقص ، وكل كلام حق وباطل ، نعوذ بالله من ذلك .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية