فصل : في التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى

وملاك النجاة والسعادة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتب الله تعالى وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإليهما رغب الرسل صلوات الله وسلامه عليهم " كلهم " من أولهم إلى آخرهم .

أحدهما nindex.php?page=treesubj&link=28706التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي  المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص .

nindex.php?page=treesubj&link=28662_28678والتوحيد الثاني : عبادته وحده لا شريك له  ، وتجريد محبته ، والإخلاص له ، وخوفه ورجاؤه ، والتوكل عليه ، والرضى به ربا وإلها ووليا وأن لا يجعل له عدلا في شيء من الأشياء .

[ ص: 94 ] وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص وهما : سورة : ( nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل ياأيها الكافرون ) المتضمنة للتوحيد العملي الإرادي ، وسورة : ( nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد ) المتضمنة للتوحيد الخبري العلمي .

فسورة : ( nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد ) فيها بيان ما يجب لله تعالى من صفات الكمال ، وبيان ما يجب تنزيهه عنه من النقائص والأمثال ، وسورة : ( nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل ياأيها الكافرون ) فيها إيجاب عبادته وحده ( لا شريك له ) والتبري من عبادة كل ما سواه ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر والمغرب والوتر اللتين هما فاتحة العمل وخاتمته ليكون مبدأ النهار توحيدا وخاتمته توحيدا .

فالتوحيد العلمي الخبري له ضدان التعطيل والتشبيه والتمثيل فمن نفى صفات الرب عز وجل وعطلها كذب تعطيله توحيده ، ومن شبهه بخلقه ومثله بهم كذب تشبيهه وتمثيله توحيده .

والتوحيد الإرادي العملي له ضدان : الإعراض عن محبته والإنابة إليه والتوكل عليه أوالإشراك به في ذلك واتخاذ أوليائه شفعاء من دونه .

وقد جمع سبحانه وتعالى بين التوحيدين في غير موضع من القرآن فمنها قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ومنها قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ) .

[ ص: 95 ] ومنها قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ) .

فَصْلٌ : فِي التَّوْحِيدَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى

وَمِلَاكُ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْفَوْزِ بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِتَحْقِيقِهِمَا بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِلَيْهِمَا رَغَّبَ الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ " كُلُّهُمْ " مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ .

أَحَدُهُمَا nindex.php?page=treesubj&link=28706التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ الِاعْتِقَادِيُّ  الْمُتَضَمِّنُ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ فِيهَا عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ .

nindex.php?page=treesubj&link=28662_28678وَالتَّوْحِيدُ الثَّانِي : عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ  ، وَتَجْرِيدُ مَحَبَّتِهِ ، وَالْإِخْلَاصُ لَهُ ، وَخَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ، وَالرِّضَى بِهِ رَبًّا وَإِلَهًا وَوَلِيًّا وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُ عَدْلًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ .

[ ص: 94 ] وَقَدْ جَمَعَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ التَّوْحِيدِ فِي سُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ وَهُمَا : سُورَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) الْمُتَضَمِّنَةُ لِلتَّوْحِيدِ الْعَمَلِيِّ الْإِرَادِيِّ ، وَسُورَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) الْمُتَضَمِّنَةُ لِلتَّوْحِيدِ الْخَبَرِيِّ الْعِلْمِيِّ .

فَسُورَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فِيهَا بَيَانُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَبَيَانُ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْأَمْثَالِ ، وَسُورَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) فِيهَا إِيجَابُ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ ( لَا شَرِيكَ لَهُ ) وَالتَّبَرِّي مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَلَا يَتِمُّ أَحَدُ التَّوْحِيدَيْنِ إِلَّا بِالْآخَرِ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْوِتْرِ اللَّتَيْنِ هُمَا فَاتِحَةُ الْعَمَلِ وَخَاتِمَتُهُ لِيَكُونَ مَبْدَأُ النَّهَارِ تَوْحِيدًا وَخَاتِمَتُهُ تَوْحِيدًا .

فَالتَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ لَهُ ضِدَّانِ التَّعْطِيلُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّمْثِيلُ فَمَنْ نَفَى صِفَاتِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَعَطَّلَهَا كَذَّبَ تَعْطِيلُهُ تَوْحِيدَهُ ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ وَمَثَّلَهُ بِهِمْ كَذَّبَ تَشْبِيهُهُ وَتَمْثِيلُهُ تَوْحِيدَهُ .

وَالتَّوْحِيدُ الْإِرَادِيُّ الْعَمَلِيُّ لَهُ ضِدَّانِ : الْإِعْرَاضُ عَنْ مَحَبَّتِهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ أَوَالْإِشْرَاكُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَاتِّخَاذُ أَوْلِيَائِهِ شُفَعَاءَ مِنْ دُونِهِ .

وَقَدْ جَمَعَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ التَّوْحِيدَيْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .

[ ص: 95 ] وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .