- 2
nindex.php?page=treesubj&link=29485النعمة المقيدة :
والنعمة الثانية : النعمة المقيدة كنعمة الصحة ، والغنى ، وعافية الجسد ، وبسط الجاه ، وكثرة الولد ، والزوجة الحسنة ، وأمثال هذه ، فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر ، وإذا قيل : لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق ، فلا يصح إطلاقا السلب والإيجاب إلا على وجه واحد ; وهو أن النعم المقيدة ، لما كانت استدراجا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بلية كما سماها الله تعالى في كتابه كذلك ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمني nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني كلا . . . ) الآية أي : ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعمته فيها
[ ص: 37 ] فقد أنعمت عليه وإنما كان ذلك ابتلاء مني له ، واختبارا ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فجعلته بقدر حاجته من غير فضل أكون قد أهنته ، بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب .
فإن قيل - فكيف يلتئم هذا المعنى ويتفق مع قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأكرمه ونعمه ) . فأثبت الإكرام ثم أنكر عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15ربي أكرمني ) وقال : ( كلا ) . أي : ليس ذلك إكراما مني وإنما هو ابتلاء فكأنه أثبت له الإكرام ونفاه ؟ .
قيل : الإكرام المثبت غير الإكرام المنفي ، وهما من جنس النعمة المطلقة والمقيدة ، فليس هذا الإكرام المقيد بموجب لصاحبه أن يكون من أهل الإكرام المطلق .
وكذلك أيضا إذا قيل إن الله أنعم على الكافر نعمة مطلقة ولكنه رد نعمة الله وبدلها فهو بمنزلة من أعطي مالا يعيش به فرماه في البحر كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) ، فهدايته إياهم نعمة منه عليهم فبدلوا نعمته وآثروا عليها الضلال . فهذا فصل النزاع في مسألة :
nindex.php?page=treesubj&link=32409_29485هل لله على الكافر نعمة أم لا ؟ وأكثر اختلاف الناس من جهتين ، إحداهما :
[ ص: 38 ] اشتراك الألفاظ وإجمالها ، والثانية : من جهة الإطلاق والتفصيل .
فصل : " في أن النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة مع بيان منزلة السنة وصاحبها " :
وهذه النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة ، والفرح بها مما يحبه الله ويرضاه ، وهو لا يحب الفرحين ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) .
وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته هي الإسلام والسنة وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما ، وكلما كان أرسخ فيهما كان قلبه أشد فرحا حتى إن القلب ليرقص فرحا إذا باشر روح السنة أحزن ما يكون الناس ، وهو ممتلئ أمنا أخوف ما يكون الناس .
- 2
nindex.php?page=treesubj&link=29485النِّعْمَةُ الْمُقَيَّدَةُ :
وَالنِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ : النِّعْمَةُ الْمُقَيَّدَةُ كَنِعْمَةِ الصِّحَّةِ ، وَالْغِنَى ، وَعَافِيَةِ الْجَسَدِ ، وَبَسْطِ الْجَاهِ ، وَكَثْرَةِ الْوَلَدِ ، وَالزَّوْجَةِ الْحَسَنَةِ ، وَأَمْثَالِ هَذِهِ ، فَهَذِهِ النِّعْمَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَإِذَا قِيلَ : لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَهُوَ حَقٌّ ، فَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقًا السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ ; وَهُوَ أَنَّ النِّعَمَ الْمُقَيَّدَةَ ، لَمَّا كَانَتِ اسْتِدْرَاجًا لِلْكَافِرِ وَمَآلُهَا إِلَى الْعَذَابِ وَالشَّقَاءِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ بَلِيَّةً كَمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي كَلَّا . . . ) الْآيَةَ أَيْ : لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَكْرَمْتُهُ فِي الدُّنْيَا وَنَعَّمْتُهُ فِيهَا
[ ص: 37 ] فَقَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ ابْتِلَاءً مِنِّي لَهُ ، وَاخْتِبَارًا ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَجَعَلْتُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ أَكُونُ قَدْ أَهَنْتُهُ ، بَلْ أَبْتَلِي عَبْدِي بِالنِّعَمِ كَمَا أَبْتَلِيهِ بِالْمَصَائِبِ .
فَإِنْ قِيلَ - فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ) . فَأَثْبَتَ الْإِكْرَامَ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15رَبِّي أَكْرَمَنِي ) وَقَالَ : ( كَلَّا ) . أَيْ : لَيْسَ ذَلِكَ إِكْرَامًا مِنِّي وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِلَاءٌ فَكَأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْإِكْرَامَ وَنَفَاهُ ؟ .
قِيلَ : الْإِكْرَامُ الْمُثْبَتُ غَيْرُ الْإِكْرَامِ الْمَنْفِيِّ ، وَهُمَا مِنْ جِنْسِ النِّعْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ ، فَلَيْسَ هَذَا الْإِكْرَامُ الْمُقَيَّدُ بِمُوجِبٍ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِكْرَامِ الْمُطْلَقِ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قِيلَ إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةً مُطْلَقَةً وَلَكِنَّهُ رَدَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَبَدَّلَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُعْطِيَ مَالَا يَعِيشُ بِهِ فَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) ، فَهِدَايَتُهُ إِيَّاهُمْ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَبَدَّلُوا نِعْمَتَهُ وَآثَرُوا عَلَيْهَا الضَّلَالَ . فَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=32409_29485هَلْ لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ أَمْ لَا ؟ وَأَكْثَرُ اخْتِلَافِ النَّاسِ مِنْ جِهَتَيْنِ ، إِحْدَاهُمَا :
[ ص: 38 ] اشْتِرَاكُ الْأَلْفَاظِ وَإِجْمَالُهَا ، وَالثَّانِيَةُ : مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّفْصِيلِ .
فَصْلٌ : " فِي أَنَّ النِّعْمَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ الَّتِي يُفْرَحُ بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ مَعَ بَيَانِ مَنْزِلَةِ السُّنَّةِ وَصَاحِبِهَا " :
وَهَذِهِ النِّعْمَةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الَّتِي يُفْرَحُ بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَالْفَرَحُ بِهَا مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَهُوَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) .
وَقَدْ دَارَتْ أَقْوَالُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ هِيَ الْإِسْلَامُ وَالسُّنَّةُ وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ يَكُونُ فَرَحُهُ بِهِمَا ، وَكُلَّمَا كَانَ أَرْسَخَ فِيهِمَا كَانَ قَلْبُهُ أَشَدَّ فَرَحًا حَتَّى إِنَّ الْقَلْبَ لَيَرْقُصُ فَرَحَا إِذَا بَاشَرَ رُوحَ السُّنَّةِ أَحْزَنَ مَا يَكُونُ النَّاسُ ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ أَمْنًا أَخْوَفَ مَا يَكُونُ النَّاسُ .