الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ هوم ]

                                                          هوم : الهوم والتهوم والتهويم : النوم الخفيف ; قال الفرزدق يصف صائدا :


                                                          عاري الأشاجع مشفوه أخو قنص ما تطعم العين نوما غير تهويم

                                                          وهوم الرجل إذا هز رأسه من النعاس ، وهوم القوم وتهوموا كذلك ، وقد هومنا . أبو عبيد : إذا كان النوم قليلا فهو التهويم . وفي حديث رقيقة : فبينا أنا نائمة أو مهومة ; التهويم : أول النوم ، وهو دون النوم الشديد . والهامة : رأس كل شيء من الروحانيين ; عن الليث ; قال الأزهري : أراد الليث بالروحانيين ذوي الأجسام القائمة بما جعل الله فيها من الأرواح ; وقال ابن شميل : الروحانيون هم الملائكة والجن التي ليس لها أجسام ترى ، قال : وهذا القول هو الصحيح عندنا . الجوهري : الهامة الرأس ، والجمع هام ، وقيل : الهامة ما بين حرفي الرأس ، وقيل : هي وسط الرأس ومعظمه من كل شيء ، وقيل : من ذوات الأرواح خاصة . أبو زيد : الهامة أعلى الرأس ، وفيه الناصية والقصة ، وهما ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس ، وفيه المفرق ، وهو فرق الرأس بين الجبينين إلى الدائرة ، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره ، تقول : [ ص: 112 ] اسقوني اسقوني ! فإذا أدرك بثأره طارت ; وهذا المعنى أراد جرير بقوله :


                                                          ومنا الذي أبكى صدي بن مالك     ونفر طيرا عن جعادة وقعا

                                                          يقول : قتل قاتله فنفرت الطير عن قبره . وأزقيت هامة فلان إذا قتلته ; قال :


                                                          فإن تك هامة بهراة تزقو     فقد أزقيت بالمروين هاما

                                                          وكانوا يقولون : إن القتيل تخرج هامة من هامته فلا تزال تقول اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله ; ومنه قول ذي الإصبع :


                                                          يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي     أضربك حتى تقول الهامة اسقوني

                                                          يريد أقتلك . ويقال : هذا هامة اليوم أو غد ، أي يموت اليوم أو غدا ; قال كثير :


                                                          وكل خليل رانئ فهو قائل     من اجلك هذا هامة اليوم أو غد

                                                          وفي الحديث : وتركت المطي هاما ; قيل : هو جمع هامة من عظام الميت التي تصير هامة ، أو هو جمع هائم وهو الذاهب على وجهه ، يريد أن الإبل من قلة المرعى ماتت من الجدب أو ذهبت على وجهها . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا عدو ولا هامة ولا صفر ; الهامة : الرأس ، واسم طائر ، وهو المراد في الحديث ; وقيل : هي البومة . أبو عبيدة : أما الهامة فإن العرب كانت تقول إن عظام الموتى ، وقيل أرواحهم ، تصير هامة فتطير ، وقيل : كانوا يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت الصدى ، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه ; ذكره الهروي وغيره في الهاء والواو ، وذكره الجوهري في الهاء والياء ; وأنشد أبو عبيدة :


                                                          سلط الموت والمنون عليهم     فلهم في صدى المقابر هام

                                                          وقال لبيد :


                                                          فليس الناس بعدك في نقير     ولا هم غير أصداء وهام

                                                          ابن الأعرابي : معنى قوله : لا هامة ولا صفر ; كانوا يتشاءمون بهما ، معناه لا تتشاءموا . ويقال : أصبح فلان هامة إذا مات . وبنات الهام : مخ الدماغ ; قال الراعي :


                                                          يزيل بنات الهام عن سكناتها     وما يلقه من ساعد فهو طائح

                                                          والهامة : تميم ، تشبيها بذلك ; عن ابن الأعرابي . وهامة القوم : سيدهم ورئيسهم ; وأنشد ابن بري للطرماح :


                                                          ونحن أجازت بالأقيصر هامنا     طهية يوم الفارعين بلا عقد

                                                          وقال ذو الرمة :


                                                          لنا الهامة الكبرى التي كل هامة     وإن عظمت منها أذل وأصغر

                                                          وفي حديث أبي بكر والنسابة : أمن هامها أم من لهازمها ؟ أي من أشرافها أنت أو من أوساطها ؟ فشبه الأشراف بالهام ، وهو جمع هامة الرأس . والهامة : جماعة الناس ، والجمع من كل ذلك هام ; قال جريبة بن أشيم :


                                                          ولقل لي مما جعلت مطية     في الهام أركبها إذا ما ركبوا

                                                          يعني بذلك البلية ، وهي الناقة تعقل عند قبر صاحبها حتى تبلى ، وكان أهل الجاهلية يزعمون أن صاحبها يركبها يوم القيامة ولا يمشي إلى المحشر . والهامة من طير الليل : طائر صغير يألف المقابر ، وقيل : هو الصدى ، والجمع هام ; قال ذو الرمة :


                                                          قد أعسف النازح المجهول معسفه     في ظل أخضر يدعو هامه البوم

                                                          ابن سيده : والهامة طائر يخرج من رأس الميت إذا بلي ، والجمع أيضا هام . ويقال : إنما أنت من الهام . ويقال للفرس هامة ، بتخفيف الميم ، وأنكرها ابن السكيت ، وقال : إنما هي الهامة ، بالتشديد . ابن الأثير في الحديث : اجتنبوا هوم الأرض ، فإنها مأوى الهوام ; قال : هكذا جاء في رواية والمشهور هزم الأرض ، بالزاي ، وقد تقدم ; وقال الخطابي : لست أدري ما هوم الأرض ، وقال غيره : هوم الأرض بطن منها في بعض اللغات . والهامة : موضع من دون مصر - حماها الله تعالى - قال :


                                                          مارسن رمل الهامة الدهاسا

                                                          وهامة : اسم حائط بالمدينة ; أنشد أبو حنيفة :


                                                          من الغلب من عضدان هامة شربت     لسقي وجمت للنواضح بئرها

                                                          الهوماة : الفلاة ، وبعضهم يقول الهومة والهوماة ، وذكر ابن الأثير في هذه الترجمة قال : وفي حديث صفوان : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر إذ ناداه أعرابي بصوت جهوري : يا محمد ، فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو من صوته : هاؤم ، بمعنى تعال ، وبمعنى خذ ، ويقال للجماعة كقوله - عز وجل - : هاؤم اقرءوا كتابيه ، وإنما رفع صوته من طريق الشفقة عليه ، لئلا يحبط عمله ، من قوله - عز وجل - : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ; فعذره بجهله ورفع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته حتى كان مثل صوته أو فوقه لفرط رأفته به ، ولا أعدمنا رأفته ورحمته يوم ضرورتنا إلى شفاعته وفاقتنا إلى رحمته ، إنه رءوف رحيم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية