[ ص: 159 ] كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
اعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين والمهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ، لو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لفشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد ، فتعوذ بالله أن يندس من هذا القطب عمله وعلمه ، وأن ينمحي بالكلية حقيقته ورسمه ، وأن تستولي على القلوب مداهنة الخلق ، وتنمحي عنها مراقبة الخالق ، وأن يسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم ، وأن يعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم ، فلا معاذ إلا به ولا ملجأ إلا إليه .
ينحصر هذا الكتاب في مقاصد :
وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=24661الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته والمذمة في إهماله .
دل على ذلك من الآيات قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران : 104 ] ففي الآية بيان الإيجاب ، فإن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104ولتكن ) أمر ، وظاهر الأمر الإيجاب ، وفيها بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وأولئك هم المفلحون ) وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين ، وأنه إذا قام به أمة سقط الفرض عن الآخرين ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ) [ التوبة : 71 ] فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف ، فالذي هجر الأمر بالمعروف خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 78 و 79 ] وهذا غاية التشديد إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر ، وقال عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) [ آل عمران : 110 ] وهذا يدل على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ بين أنهم كانوا خير أمة ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=165فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) [ الأعراف : 165 ] فبين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) [ المائدة : 2 ] وهو أمر جزم ، ومعنى التعاون الحث عليه وتسهيل طرق الخير وسد سبل الشر
[ ص: 160 ] والعدوان بحسب الإمكان ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=63لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ) [ المائدة : 63 ] فبين أنهم أثموا بترك النهي ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ) [ هود : 116 ] الآية ، فبين أنه أهلك جميعهم إلا قليلا منهم كانوا ينهون عن الفساد ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) [ النساء : 135 ] وذلك هو الأمر بالمعروف للوالدين والأقربين ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) [ النساء : 114 ] .
ومن الأخبار ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004442ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده " وقد روي في ذلك من الأحاديث ما لا يحصى . وبهذه الأدلة يظهر كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا ، وأن فرضه لا يسقط مع القدرة إلا بقيام قائم به .
[ ص: 159 ] كِتَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ الْقُطْبُ الْأَعْظَمُ فِي الدِّينِ وَالْمُهِمُّ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ لَهُ النَّبِيِّينَ أَجْمَعِينَ ، لَوْ طُوِيَ بِسَاطُهُ وَأُهْمِلَ عِلْمُهُ وَعَمَلُهُ لَفَشَتِ الضَّلَالَةُ وَشَاعَتِ الْجَهَالَةُ وَخُرِّبَتِ الْبِلَادُ وَهَلَكَ الْعِبَادُ ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ أَنْ يَنْدَسَّ مِنْ هَذَا الْقُطْبِ عَمَلُهُ وَعِلْمُهُ ، وَأَنْ يَنْمَحِيَ بِالْكُلِّيَّةِ حَقِيقَتُهُ وَرَسْمُهُ ، وَأَنْ تَسْتَوْلِيَ عَلَى الْقُلُوبِ مُدَاهَنَةُ الْخَلْقِ ، وَتَنْمَحِيَ عَنْهَا مُرَاقَبَةُ الْخَالِقِ ، وَأَنْ يَسْتَرْسِلَ النَّاسُ فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ اسْتِرْسَالَ الْبَهَائِمِ ، وَأَنْ يَعِزَّ عَلَى بِسَاطِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ صَادِقٌ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، فَلَا مَعَاذَ إِلَّا بِهِ وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْهِ .
يَنْحَصِرُ هَذَا الْكِتَابُ فِي مَقَاصِدَ :
وُجُوبُ
nindex.php?page=treesubj&link=24661الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَفَضِيلَتُهُ وَالْمَذَمَّةُ فِي إِهْمَالِهِ .
دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 104 ] فَفِي الْآيَةِ بَيَانُ الْإِيجَابِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَلْتَكُنْ ) أَمْرٌ ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْإِيجَابُ ، وَفِيهَا بَيَانُ أَنَّ الْفَلَاحَ مَنُوطٌ بِهِ إِذْ حُصِرَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وَفِيهَا بَيَانُ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا فَرْضُ عَيْنٍ ، وَأَنَّهُ إِذَا قَامَ بِهِ أُمَّةٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْآخَرِينَ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) [ التَّوْبَةِ : 71 ] فَقَدْ نَعَتَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، فَالَّذِي هَجَرَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ خَارِجٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَنْعُوتِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) [ الْمَائِدَةِ : 78 وَ 79 ] وَهَذَا غَايَةُ التَّشْدِيدِ إِذْ عَلَّلَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِلَّعْنَةِ بِتَرْكِهِمُ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 110 ] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، إِذْ بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=165فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 165 ] فَبَيَّنَ أَنَّهُمُ اسْتَفَادُوا النَّجَاةَ بِالنَّهْيِ عَنِ السُّوءِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [ الْمَائِدَةِ : 2 ] وَهُوَ أَمْرُ جَزْمٍ ، وَمَعْنَى التَّعَاوُنِ الْحَثُّ عَلَيْهِ وَتَسْهِيلُ طُرُقِ الْخَيْرِ وَسَدُّ سُبُلِ الشَّرِّ
[ ص: 160 ] وَالْعُدْوَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=63لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [ الْمَائِدَةِ : 63 ] فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَثِمُوا بِتَرْكِ النَّهْيِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ) [ هُودٍ : 116 ] الْآيَةَ ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَهْلَكَ جَمِيعَهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) [ النِّسَاءِ : 135 ] وَذَلِكَ هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) [ النِّسَاءِ : 114 ] .
وَمِنَ الْأَخْبَارِ مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004442مَا مِنْ قَوْمٍ عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَفِيهِمْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلْ إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ " وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا لَا يُحْصَى . وَبِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ يَظْهَرُ كَوْنُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبًا ، وَأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ إِلَّا بِقِيَامٍ قَائِمٍ بِهِ .