[ ص: 175 ] كتاب رياضة النفس
nindex.php?page=treesubj&link=19509وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب
الحمد لله الذي صرف الأمور بتدبيره ، وزين صورة الإنسان بحسن تقويمه وتقديره ، وفوض تحسين الأخلاق إلى اجتهاد العبد وتشميره ، واستحثه على تهذيبها بتخويفه وتحذيره ، وسهل على خواص عباده تهذيب الأخلاق بتوفيقه وتيسيره ، والصلاة والسلام على
محمد عبد الله ونبيه وبشيره ونذيره ، الذي كان تلوح أنوار النبوة من بين أساريره ، ويستنشق حقيقة الحق من مخايله وتباشيره ، وعلى آله وأصحابه وسلم الذين حسموا مادة الباطل فلم يتدنسوا بقليله ولا بكثيره .
أما بعد : فالخلق الحسن صفة سيد المرسلين ، وأفضل أعمال الصديقين ، وهو على التحقيق شطر الدين ، وثمرة مجاهدة المتقين ، ورياضة المتعبدين . والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة ، والمخازي الفاضحة ، والرذائل الواضحة ، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين ، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين ، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، كما أن الأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان ، وجوار الرحمن . والأخلاق الخبيثة
nindex.php?page=treesubj&link=29556أمراض القلوب وأسقام النفوس ، إلا أنه مرض يفوت حياة الأبد ، وأين منه المرض الذي لا يفوت إلا حياة الجسد ، ومهما اشتدت عناية الأطباء بضبط قوانين العلاج للأبدان وليس في مرضها إلا فوت الحياة الفانية ، فالعناية بضبط قوانين العلاج لأمراض القلوب في مرضها وفوت حياة باقية أولى ، وهذا النوع من الطب واجب تعلمه على كل ذي لب ، إذ لا يخلو قلب من القلوب عن أسقام لو أهملت تراكمت وترادفت العلل وتظاهرت ، فيحتاج العبد إلى تأنق في معرفة عللها وأسبابها ، ثم إلى تشمير في علاجها وإصلاحها ، فمعالجتها هو المراد بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها ) [ الشمس : 9 ] وإهمالها هو المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وقد خاب من دساها ) [ الشمس : 10 ] ونحن نشير في هذا الكتاب إلى جمل من أمراض القلوب وكيفية القول في معالجتها بعونه تعالى .
[ ص: 175 ] كِتَابُ رِيَاضَةِ النَّفْسِ
nindex.php?page=treesubj&link=19509وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَمُعَالَجَةِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَرَّفَ الْأُمُورَ بِتَدْبِيرِهِ ، وَزَيَّنَ صُورَةَ الْإِنْسَانِ بِحُسْنِ تَقْوِيمِهِ وَتَقْدِيرِهِ ، وَفَوَّضَ تَحْسِينَ الْأَخْلَاقِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعَبْدِ وَتَشْمِيرِهِ ، وَاسْتَحَثَّهُ عَلَى تَهْذِيبِهَا بِتَخْوِيفِهِ وَتَحْذِيرِهِ ، وَسَهَّلَ عَلَى خَوَاصِّ عِبَادِهِ تَهْذِيبَ الْأَخْلَاقِ بِتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى
مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَنَبِيِّهِ وَبَشِيرِهِ وَنَذِيرِهِ ، الَّذِي كَانَ تَلُوحُ أَنْوَارُ النُّبُوَّةِ مِنْ بَيْنِ أَسَارِيرِهِ ، وَيُسْتَنْشَقُ حَقِيقَةُ الْحَقِّ مِنْ مَخَايِلِهِ وَتَبَاشِيرِهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ حَسَمُوا مَادَّةَ الْبَاطِلِ فَلَمْ يَتَدَنَّسُوا بِقَلِيلِهِ وَلَا بِكَثِيرِهِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَالْخُلُقُ الْحَسَنُ صِفَةُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَأَفْضَلُ أَعْمَالِ الصِّدِّيقِينَ ، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ شَطْرُ الدِّينِ ، وَثَمَرَةُ مُجَاهَدَةِ الْمُتَّقِينَ ، وَرِيَاضَةُ الْمُتَعَبِّدِينَ . وَالْأَخْلَاقُ السَّيِّئَةُ هِيَ السُّمُومُ الْقَاتِلَةُ ، وَالْمَخَازِي الْفَاضِحَةُ ، وَالرَّذَائِلُ الْوَاضِحَةُ ، وَالْخَبَائِثُ الْمُبْعِدَةُ عَنْ جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الْمُنْخَرِطَةُ بِصَاحِبِهَا فِي سِلْكِ الشَّيَاطِينِ ، وَهِيَ الْأَبْوَابُ الْمَفْتُوحَةُ إِلَى نَارِ اللَّهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ الْجَمِيلَةَ هِيَ الْأَبْوَابُ الْمَفْتُوحَةُ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى نَعِيمِ الْجِنَانِ ، وَجِوَارِ الرَّحْمَنِ . وَالْأَخْلَاقُ الْخَبِيثَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=29556أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ وَأَسْقَامُ النُّفُوسِ ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَضٌ يُفَوِّتُ حَيَاةَ الْأَبَدِ ، وَأَيْنَ مِنْهُ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُفَوِّتُ إِلَّا حَيَاةَ الْجَسَدِ ، وَمَهْمَا اشْتَدَّتْ عِنَايَةُ الْأَطِبَّاءِ بِضَبْطِ قَوَانِينِ الْعِلَاجِ لِلْأَبْدَانِ وَلَيْسَ فِي مَرَضِهَا إِلَّا فَوْتُ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ ، فَالْعِنَايَةُ بِضَبْطِ قَوَانِينِ الْعِلَاجِ لِأَمْرَاضِ الْقُلُوبِ فِي مَرَضِهَا وَفَوْتِ حَيَاةٍ بَاقِيَةٍ أَوْلَى ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الطِّبِّ وَاجِبٌ تَعَلُّمُهُ عَلَى كُلِّ ذِي لُبٍّ ، إِذْ لَا يَخْلُو قَلْبٌ مِنَ الْقُلُوبِ عَنْ أَسْقَامٍ لَوْ أُهْمِلَتْ تَرَاكَمَتْ وَتَرَادَفَتِ الْعِلَلُ وَتَظَاهَرَتْ ، فَيَحْتَاجُ الْعَبْدُ إِلَى تَأَنُّقٍ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِهَا وَأَسْبَابِهَا ، ثُمَّ إِلَى تَشْمِيرٍ فِي عِلَاجِهَا وَإِصْلَاحِهَا ، فَمُعَالَجَتُهَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) [ الشَّمْسِ : 9 ] وَإِهْمَالُهَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) [ الشَّمْسِ : 10 ] وَنَحْنُ نُشِيرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِلَى جُمَلٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَكَيْفِيَّةِ الْقَوْلِ فِي مُعَالَجَتِهَا بِعَوْنِهِ تَعَالَى .