ما قاله السلف في
nindex.php?page=treesubj&link=19507حسن الخلق وشرح ماهيته :
اعلم أنه روي عنهم في ذلك ما هو كالثمرة والغاية ، من ذلك ما قاله "
الحسن " رحمه الله : " حسن الخلق بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى " ، وقال "
الواسطي " : " وهو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى " . وقال أيضا : " هو إرضاء الخلق في السراء والضراء " . وقيل غير ذلك مما هو من ثمرات حسن الخلق .
وأما حقيقة الخلق فهي هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية ، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت تلك الهيئة خلقا حسنا ، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا . وإنما قلنا إنها هيئة راسخة لأن من يصدر عنه بذل المال على الندور لحاجة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم
[ ص: 177 ] يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ . وإنما اشترطنا أن تصدر منه الأفعال بسهولة من غير روية ؛ لأن من تكلف بذل المال أو السكوت عند الغضب بجهد وروية لا يقال : خلقه السخاء والحلم .
nindex.php?page=treesubj&link=19510وأمهات الأخلاق وأصولها أربعة : الحكمة ، والشجاعة ، والعفة ، والعدل .
ونعني بالحكمة حالة للنفس بها يدرك الصواب من الخطأ في جميع الأحوال الاختيارية .
ونعني بالعدل حالة للنفس وقوة ، بها يسوس الغضب والشهوة ، ويحملها على مقتضى الحكمة ، ويضبطها في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها .
ونعني بالشجاعة كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها .
ونعني بالعفة تأدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع .
فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها ، وقد أشار القرآن إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [ الحجرات : 15 ] فالإيمان بالله وبرسوله من غير ارتياب هي القوة اليقين ، وهي ثمرة العقل ومنتهى الحكمة ، والمجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة ، والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحد الاعتدال ، فقد وصف الله تعالى الصحابة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء على الكفار رحماء بينهم ) [ الفتح : 29 ] إشارة إلى أن للشدة موضعا وللرحمة موضعا ، فليس الكمال في الشدة بكل حال ولا في الرحمة بكل حال .
مَا قَالَهُ السَّلَفُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19507حُسْنِ الْخُلُقِ وَشَرْحِ مَاهِيَّتِهِ :
اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَالثَّمَرَةِ وَالْغَايَةِ ، مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ "
الحسن " رَحِمَهُ اللَّهُ : " حُسْنُ الْخُلُقِ بَسْطُ الْوَجْهِ وَبَذْلُ النَّدَى وَكَفُّ الْأَذَى " ، وَقَالَ "
الواسطي " : " وَهُوَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ وَلَا يُخَاصَمَ مِنْ شِدَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى " . وَقَالَ أَيْضًا : " هُوَ إِرْضَاءُ الْخَلْقِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ " . وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ ثَمَرَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ .
وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْخُلُقِ فَهِيَ هَيْئَةٌ فِي النَّفْسِ رَاسِخَةٌ عَنْهَا تُصْدِرُ الْأَفْعَالَ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى فِكْرٍ وَرَوِيَّةٍ ، فَإِنْ كَانَتِ الْهَيْئَةُ بِحَيْثُ تَصْدُرُ عَنْهَا الْأَفْعَالُ الْجَمِيلَةُ الْمَحْمُودَةُ عَقْلًا وَشَرْعًا سُمِّيَتْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ خُلُقًا حَسَنًا ، وَإِنْ كَانَ الصَّادِرُ عَنْهَا الْأَفْعَالَ الْقَبِيحَةَ سُمِّيَتِ الْهَيْئَةُ الَّتِي هِيَ الْمَصْدَرُ خُلُقًا سَيِّئًا . وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ لِأَنَّ مَنْ يَصْدُرُ عَنْهُ بَذْلُ الْمَالِ عَلَى النُّدُورِ لِحَاجَةٍ عَارِضَةٍ لَا يُقَالُ خُلُقُهُ السَّخَاءُ مَا لَمْ
[ ص: 177 ] يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ ثُبُوتَ رُسُوخٍ . وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا أَنْ تَصْدُرَ مِنْهُ الْأَفْعَالُ بِسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَكَلَّفَ بَذْلَ الْمَالِ أَوِ السُّكُوتَ عِنْدَ الْغَضَبِ بِجُهْدٍ وَرَوِيَّةٍ لَا يُقَالُ : خُلُقُهُ السَّخَاءُ وَالْحِلْمُ .
nindex.php?page=treesubj&link=19510وَأُمَّهَاتُ الْأَخْلَاقِ وَأُصُولُهَا أَرْبَعَةٌ : الْحِكْمَةُ ، وَالشَّجَاعَةُ ، وَالْعِفَّةُ ، وَالْعَدْلُ .
وَنَعْنِي بِالْحِكْمَةِ حَالَةً لِلنَّفْسِ بِهَا يُدْرَكُ الصَّوَابُ مِنَ الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ .
وَنَعْنِي بِالْعَدْلِ حَالَةً لِلنَّفْسِ وَقُوَّةً ، بِهَا يَسُوسُ الْغَضَبَ وَالشَّهْوَةَ ، وَيَحْمِلُهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ ، وَيَضْبِطُهَا فِي الِاسْتِرْسَالِ وَالِانْقِبَاضِ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَاهَا .
وَنَعْنِي بِالشَّجَاعَةِ كَوْنَ قُوَّةِ الْغَضَبِ مُنْقَادَةً لِلْعَقْلِ فِي إِقْدَامِهَا وَإِحْجَامِهَا .
وَنَعْنِي بِالْعِفَّةِ تَأَدُّبَ قُوَّةِ الشَّهْوَةِ بِتَأْدِيبِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ .
فَمِنِ اعْتِدَالِ هَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ تَصْدُرُ الْأَخْلَاقُ الْجَمِيلَةُ كُلُّهَا ، وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ فِي أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [ الْحُجُرَاتِ : 15 ] فَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِيَابٍ هِيَ الْقُوَّةُ الْيَقِينُ ، وَهِيَ ثَمَرَةُ الْعَقْلِ وَمُنْتَهَى الْحِكْمَةِ ، وَالْمُجَاهَدَةُ بِالْمَالِ هُوَ السَّخَاءُ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى ضَبْطِ قُوَّةِ الشَّهْوَةِ ، وَالْمُجَاهَدَةُ بِالنَّفْسِ هِيَ الشَّجَاعَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى اسْتِعْمَالِ قُوَّةِ الْغَضَبِ عَلَى شَرْطِ الْعَقْلِ وَحَدِّ الِاعْتِدَالِ ، فَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّحَابَةَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) [ الْفَتْحِ : 29 ] إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لِلشِّدَّةِ مَوْضِعًا وَلِلرَّحْمَةِ مَوْضِعًا ، فَلَيْسَ الْكَمَالُ فِي الشِّدَّةِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا فِي الرَّحْمَةِ بِكُلِّ حَالٍ .