بيان غاية الرياضة في
nindex.php?page=treesubj&link=19538خلق التواضع :
اعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان ووسط ، فطرفه الذي يميل إلى الزيادة
[ ص: 253 ] يسمى تكبرا ، وطرفه يميل إلى النقصان يسمى تخاسسا ومذلة ، والوسط يسمى تواضعا ، والمحمود أن يتواضع في غير مذلة وتخاسس ، فإن :
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وأحب الأمور إلى الله تعالى أوساطها ، فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر ، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع ، أي وضع شيئا من قدره الذي يستحقه ، والعالم إذا دخل عليه دنيء فتنحى له عن مجلسه وأجلسه فيه ، ثم تقدم وسوى له نعله ، وغدا إلى باب الدار خلفه فقد تخاسس وتذلل ، وهو أيضا غير محمود ، بل المحمود عند الله العدل ، وهو أن يعطي كل ذي حق حقه ، فينبغي أن يتواضع بمثل هذا لأقرانه ومن يقرب من درجته ، فأما تواضعه للسوقي فبالقيام والبشر في الكلام والرفق في السؤال وإجابة دعوته والسعي في حاجته وأمثال ذلك ، وأن لا يرى نفسه خيرا منه فلا يحتقره ، ولا يستصغره ، وهو لا يعرف خاتمة أمره .
بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19538خُلُقِ التَّوَاضُعِ :
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ
[ ص: 253 ] يُسَمَّى تَكَبُّرًا ، وَطَرَفُهُ يَمِيلُ إِلَى النُّقْصَانِ يُسَمَّى تَخَاسُسًا وَمَذَلَّةً ، وَالْوَسَطُ يُسَمَّى تَوَاضُعًا ، وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ وَتَخَاسُسٍ ، فَإِنَّ :
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
وَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَاطُهَا ، فَمَنْ يَتَقَدَّمْ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ ، وَمَنْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ ، أَيْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ قَدْرِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ ، وَالْعَالِمُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنِيءٌ فَتَنَحَّى لَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ ، وَغَدَا إِلَى بَابِ الدَّارِ خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ وَتَذَلَّلَ ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَحْمُودٍ ، بَلِ الْمَحْمُودُ عِنْدَ اللَّهِ الْعَدْلُ ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ بِمِثْلِ هَذَا لِأَقْرَانِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَتِهِ ، فَأَمَّا تَوَاضُعُهُ لِلسُّوقِيِّ فَبِالْقِيَامِ وَالْبِشْرِ فِي الْكَلَامِ وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَحْتَقِرُهُ ، وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ .