( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم )
قوله تعالى : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) فيه قولان :
المسألة الأولى : في أن من هو ؟ فيه قولان : الذي يسأل عن النعيم
أحدهما : وهو الأظهر أنهم الكفار ، قال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ويدل عليه وجهان :
الأول : ما روي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية ، قال : من خبز شعير ولحم وبسر وماء عذب أن تكون من النعيم الذي نسأل عنه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إنما ذلك للكفار ، ثم قرأ : ( أبي الهيثم بن التيهان وهل نجازي إلا الكفور ) [ سبأ : 17] يا رسول الله ، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت
والثاني : وهو أن ظاهر الآية دل على ما ذكرناه ، وذلك لأن الكفار ألهاهم عن طاعة الله تعالى والاشتغال بشكره ، فالله تعالى يسألهم عنها يوم القيامة حتى يظهر لهم أن الذي ظنوه سببا لسعادتهم هو كان من أعظم أسباب الشقاء لهم في الآخرة . التكاثر بالدنيا والتفاخر بلذاتها
والقول الثاني : أنه عام في حق المؤمن والكافر واحتجوا بأحاديث ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أبو هريرة عن النعيم فيقال له : ألم نصحح لك جسمك ونروك من الماء البارد أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة وقال : لما نزلت هذه السورة قالوا : محمود بن لبيد وروي يا رسول الله عن أي نعيم نسأل ؟ إنما هما الماء والتمر وسيوفنا على عواتقنا والعدو حاضر ، فعن أي نعيم نسأل ؟ قال : إن ذلك سيكون عن عمر أنه قال : أي نعيم نسأل عنه يا رسول الله وقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وروي أن شابا أسلم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمه رسول الله سورة ألهاكم ، ثم زوجه رسول الله امرأة فلما دخل عليها ورأى الجهاز العظيم والنعيم الكثير خرج وقال : لا أريد ذلك فسأله النبي - عليه الصلاة والسلام - عنه فقال : ألست علمتني : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) [ ص: 78 ] وأنا لا أطيق الجواب عن ذلك . وعن أنس لما نزلت الآية قام محتاج فقال : هل علي من النعمة شيء ؟ قال : الظل والنعلان والماء البارد . وأشهر الأخبار في هذا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام أبو بكر فقال : ما أخرجك يا أبا بكر ؟ قال : الجوع ، قال : والله ما أخرجني إلا الذي أخرجك ، ثم دخل عمر فقال مثل ذلك ، فقال : قوموا بنا إلى منزل أبي الهيثم ، فدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الباب وسلم ثلاث مرات فلم يجب أحد فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت امرأته تصيح : كنا نسمع صوتك لكن أردنا أن تزيد من سلامك فقال لها خيرا ، ثم قالت : بأبي أنت وأمي إن أبا الهيثم خرج يستعذب لنا الماء ، ثم عمدت إلى صاع من شعير فطحنته وخبزته ورجع أبو الهيثم فذبح عناقا وأتاهم بالرطب فأكلوا وشربوا فقال عليه الصلاة والسلام : هذا من النعيم الذي تسألون عنه وروي أيضا : خرج ذات ليلة إلى المسجد ، فلم يلبث أن جاء عن عمره وماله وشبابه وعمله لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع وعن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد ليسأل يوم القيامة حتى عن كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بأصبعه ، وعن لمس ثوب أخيه واعلم أن الأولى أن يقال : السؤال يعم المؤمن والكافر ، لكن سؤال الكافر توبيخ ؛ لأنه ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف ؛ لأنه شكر وأطاع .