أما قوله تعالى : ( لكم دينكم ولي دين ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال : لكم كفركم بالله ولي التوحيد والإخلاص له ، فإن قيل : فهل يقال : إنه أذن لهم في الكفر قلنا : كلا ابن عباس فكيف يأذن فيه ، ولكن المقصود منه أحد أمور : فإنه عليه السلام ما بعث إلا للمنع من الكفر
أحدها : أن المقصود منه التهديد ، كقوله اعملوا ما شئتم .
وثانيها : كأنه يقول : إني نبي مبعوث [ ص: 137 ] إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة ، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني فاتركوني ولا تدعوني إلى الشرك .
وثالثها : ( لكم دينكم ) فكونوا عليه إن كان الهلاك خيرا لكم ( ولي دين ) لأني لا أرفضه .
القول الثاني : في تفسير الآية أن أي لكم حسابكم ولي حسابي ، ولا يرجع إلى كل واحد منا من عمل صاحبه أثر البتة . الدين هو الحساب
القول الثالث : أن يكون على تقدير حذف المضاف أي لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني وحسبهم جزاء دينهم وبالا وعقابا كما حسبك جزاء دينك تعظيما وثوابا .
القول الرابع : : ( الدين العقوبة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) [ النور : 2 ] يعني الحد فلكم العقوبة من ربي ولي العقوبة من أصنامكم لكن أصنامكم جمادات فأنا لا أخشى عقوبة الأصنام ، فأما أنتم فيحق لكم عقلا أن تخافوا عقوبة جبار السماوات والأرض .
القول الخامس ، فادعوا الله مخلصين له الدين ، أي لكم دعاؤكم ( الدين الدعاء وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) [ الرعد : 14 ] ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) [ فاطر : 14 ] ثم ليتها تبقى على هذه الحالة فلا يضرونكم ، بل يوم القيامة يجدون لسانا فيكفرون بشرككم ، وأما ربي فيقول : ( ويستجيب الذين آمنوا ) [ الشورى : 26 ] ( ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) [ البقرة : 186 ] .
القول السادس : ، قال الشاعر : الدين العادة
يقول لها وقد دارت وضيني أهذا دينها أبدا وديني
معناه لكم عادتكم المأخوذة من أسلافكم ومن الشياطين ، ولي عادتي المأخوذة من الملائكة والوحي ، ثم يبقى كل واحد منا على عادته ، حتى تلقوا الشياطين والنار ، وألقى الملائكة والجنة .
المسألة الثانية : قوله : ( لكم دينكم ) يفيد الحصر ، ومعناه لكم دينكم لا لغيركم ، ولي ديني لا لغيري ، وهو إشارة إلى قوله : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) [ النجم : 39 ] ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 64 ] أي أنا مأمور بالوحي والتبليغ ، وأنتم مأمورون بالامتثال والقبول ، فأنا لما فعلت ما كلفت به خرجت من عهدة التكليف ، وأما إصراركم على كفركم ، فذلك مما لا يرجع إلي منه ضرر البتة .
المسألة الثانية : جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة ، وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبر فيه ، ثم يعمل بموجبه ، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .