[ ص: 376 ] مسألة :
" وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما ، وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأه عن جميعها . وإذا نوى بعضها فليس له إلا ما نوى "
أما المسألة الأولى : فظاهر المذهب أنه إذا أجزأه ، وإن لم يتوضأ أو توضأ وضوءا هو بعض الغسل ولم يعد غسل أعضاء الوضوء ، وإذا نوى الأكبر فقط بقي عليه الأصغر ، وإن نوى بوضوئه الأصغر فقط بقي عليه الأكبر ، سواء وجد سبب يختص بالأصغر أو كان سببه سبب الأكبر ، مثل أن ينظر أو يتفكر فيمني ، أو يجامع من وراء حائل وينزل أو لا ينزل على أحد الوجهين . وعنه أنه لا يرتفع الأصغر إلا بوضوء مع الغسل بفعله قبل الغسل أو بعده حتى فيما إذا اتحد السبب ، مثل أن ينظر فيمني ، وعلى هذه الرواية هل تجب إعادة أعضاء الوضوء على ما تقدم ؛ لأن اغتسل غسلا نوى به الطهارتين الصغرى والكبرى النبي صلى الله عليه وسلم " كان يتوضأ قبل الغسل " وفعله يفسر قوله : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) ولأنهما عبادتان مختلفتا الصفة والقدر والفروض ، فلم يتداخلا كالطهارة الكبرى والصغرى . وقال أبو بكر : " يتداخلان في القدر المشترك بينهما " وعليه أن يأتي بخصائص الوضوء وهي الترتيب والموالاة ومسح الرأس على إحدى الروايتين ، فعلى قوله إذا غسل وجهه ، ثم يديه ، ثم مسح رأسه حتى أفاض عليه الماء ، ثم غسل رجليه بعد ذلك - أجزأه ولم يحتج أن يعيد غسل هذه الأعضاء ، وبكل حال فإذا توضأ قبل غسله كره له إعادة وضوئه بعد غسله ، إلا أن ينقض وضوءه لمس فرجه أو غير ذلك ، والأول أصح ؛ لأن الله تعالى قال : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) وفسر التطهير بالاغتسال في الآية الأخرى ، ولا يقال : النهي [ ص: 377 ] هنا عن قربان مواضع الصلاة ، وذلك يزول بالاغتسال ؛ لأنا نقول هو النهي عن الصلاة وعن مسجدها ، ولا يجوز حمله على المسجد فقط ؛ لأن سبب نزول الآية صلاة من صلى بهم وخلط في القراءة ، وسبب النزول يجب أن يكون داخلا في الكلام ؛ ولأنه أباح القربان للمسافر إذا تيمم ، والمساجد في الغالب إنما تكون في الأمصار ولا مسافر هناك ، وكذلك المريض في الغالب لا يمكنه قربان المسجد ولا يحتاج إليه ؛ ولأن الصلاة هي الأفعال نفسها ، فلا يجوز إخراجها من الكلام ، فإما أن يكون النهي عنها أو عن الصلاة فقط ، ويكون قوله : ( إلا عابري سبيل ) استثناء منقطعا ، وهذا أحسن إن شاء الله ، كما في قوله تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) وقوله : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ولم يذكر الوضوء . في المني الغسل " وقال : " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي : جابر بن عبد الله ؟ قال : " يكفيه الغسل أيتوضأ الجنب بعد ما يغتسل " . وقال وسئل : " إذا لم يتوضأ الجنب أجزأه الغسل ما لم يمس فرجه " رواهما عبد الله بن عمر سعيد ؛ ولأن الغسل الذي وصفته ليس فيه مسح رأسه ولا غسل رجليه مرتين ، وإنما فعل ذلك مرة واحدة مكملة لغسله ، مع أن ميمونة قالت : " عائشة " رواه الخمسة . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتوضأ بعد الغسل
[ ص: 378 ] أما المسألة الثانية : وهي إذا فإنه يجزئ عن جميعها في المشهور ، وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى ؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث ، وإنما يبيح فعل الصلاة مع قيام مانعها ، فلا يستبيح فعل الفرض بنية النفل ؛ ولأنه إذا اغتسل لأحد الحدثين لم يرتفع الآخر ، فأن لا يجزئ التيمم لأحدهما عن الآخر أولى وأحرى ، وإذا تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه - أجزأه ، وإن نوى بطهارته عن إحداها ارتفعت جميعها عند القاضي وغيره ؛ لأنها أحداث توجب طهارة من نوع واحد ، فكفت النية عن أحدها ، كما لو تكرر منه الحدث من جنس واحد ونوى عن شيء منه . وقال اجتمعت عليه أحداث كبرى مثل أن يجامع ويحتلم ، أو تكون المرأة حائضا جنبا ، أو صغرى مثل أن ينام ويخرج منه نجاسات ، ويمس النساء ، فنوى بطهارته عن جميعها أبو بكر : لا يرتفع إلا ما نواه إذا لم يدخل الأصغر في الأكبر بدون النية ، فالنظير مع النظير أولى مع الظاهر من قوله : " " وقيل : إن كان حكم الحدثين واحدا كالبول مع النوم والوطء مع الإنزال تداخلا ، وإن كان مختلفا كالحيض مع الجنابة لم يتداخلا ، وإذا تيمم لبعض الأحداث من جنس واحد فعلى قول إنما لكل امرئ ما نوى أبي بكر لا يجزئه إلا عما نواه كالماء وأولى ، وعلى قول القاضي فيها وجهان :
أحدهما : لا يجزئه أيضا ؛ لأن التيمم مسح ، فلم يبح ما لم ينو .
والثاني : يجزئه كالماء ؛ لأن نية التطهير في التيمم تغني عن نية نظيره ، ولو تيمم لفرض استباح فرضا آخر ، ولو تيمم لنفل استباح نفلا آخر ؛ لأن ممنوعات أحد الحدثين هي ممنوعات الحدث الآخر بعينه ، بخلاف الحدث والجنابة .