- وإن خالف رأي نفسه - ولا يغتاب عنده ولا يفشي له سرا ، وأن يرد غيبته إذا سمعها ، فإن عجز فارق ذلك المجلس . وألا يدخل عليه بغير إذن ، وإذا دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم ، وأن يدخل كامل الهيبة ، فارغ القلب من الشواغل ، متطهرا متنظفا بسواك ، وقص شارب وظفر ، وإزالة كريه رائحة ، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا ، ويخص الشيخ بزيادة إكرام ، وكذلك يسلم إذا انصرف ، ففي الحديث الأمر بذلك ، ولا التفات إلى من أنكره ، وقد أوضحت هذه المسألة في كتاب الأذكار . ومن آداب المتعلم : أن يتحرى رضا المعلم
ولا يتخطى رقاب الناس ، ويجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يصرح له الشيخ أو الحاضرون بالتقدم والتخطي ، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك ، ولا يقيم أحدا من مجلسه ، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للحاضرين ، بأن يقرب من الشيخ ، ويذاكره مذاكرة ينتفع الحاضرون بها ، ولا يجلس وسط الحلقة إلا لضرورة . ولا بين صاحبين إلا برضاهما ، وإذا فسح له قعد وضم نفسه ، ويحرص على القرب من الشيخ ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة ، وهذا بشرط أن لا يرتفع في المجلس على أفضل منه ويتأدب مع رفقته وحاضري المجلس ، فإن تأدبه معهم تأدب مع [ ص: 68 ] الشيخ ، واحترام لمجلسه . ويقعد قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين ، ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة ، ولا يضحك ، ولا يكثر الكلام بلا حاجة ، ولا يعبث بيده ولا غيرها ، ولا يلتفت بلا حاجة ، بل يقبل على الشيخ مصغيا إليه ، ولا يسبقه إلى شرح مسألة أو جواب سؤال إلا أن يعلم من حال الشيخ إيثار ذلك ، ليستدل به على فضيلة المتعلم . ولا يقرأ عليه عند شغل قلب الشيخ وملله وغمه ، ونعاسه واستيقاظه ، ونحو ذلك مما يشق عليه ، أو يمنعه استيفاء الشرح . ولا يسأله عن شيء في غير موضعه إلا أن يعلم من حاله أنه لا يكرهه . ولا يلح في السؤال إلحاحا مضجرا ، ويغتنم سؤاله عند طيب نفسه وفراغه ، ويتلطف في سؤاله ، ويحسن خطابه ، ولا يستحي من السؤال عما أشكل عليه ، بل يستوضحه أكمل استيضاح ، فمن رق وجهه رق علمه ، ومن رق وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال . وإذا قال له الشيخ : أفهمت ؟ فلا يقل : نعم ، حتى يتضح له المقصود إيضاحا جليا ; لئلا يكذب ويفوته الفهم . ولا يستحي من قوله : لم أفهم ، لأن استثباته يحصل له مصالح عاجلة وآجلة ، فمن العاجلة : حفظه المسألة ، وسلامته من كذب ونفاق ، بإظهاره فهم ما لم يكن فهمه . ومنها : اعتقاد الشيخ اعتناءه ورغبته وكمال عقله وورعه ، وملكه لنفسه وعدم نفاقه ، ومن الآجلة ثبوت الصواب في قلبه دائما ، واعتياده هذه الطريقة المرضية ، والأخلاق الرضية .
وعن - رحمه الله - : منزلة الجهل ، بين الحياء والأنفة . وينبغي إذا سمع الشيخ يقول مسألة ، أو يحكي حكاية وهو يحفظها ، أن يصغي لها إصغاء من لم يحفظها ، إلا إذا علم من حال الشيخ إيثاره علمه بأن المتعلم حافظها . الخليل بن أحمد