أما كإخباره عن شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو نحوه مما نعلم أنه لم يحضره لصغر [ ص: 103 ] سنه ، أو لتأخر إسلامه ، أو غير ذلك ، فالمذهب الصحيح المشهور الذي قطع به جمهور أصحابنا ، وجماهير أهل العلم أنه حجة ، وأطبق المحدثون المشترطون للصحيح القائلون : بأن المرسل ليس بحجة على الاحتجاج به ، وإدخاله في الصحيح ، وفي صحيح مرسل الصحابي البخاري من هذا ما لا يحصى . وقال الأستاذ ومسلم أبو إسحاق الإسفراييني من أصحابنا : لا يحتج به ، بل حكمه حكم مرسل غيره ، إلا أن يبين أنه لا يرسل إلا ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي ، قال : لأنهم قد يروون عن غير صحابي ، وحكى وآخرون : هذا المذهب عن بعض العلماء ولم ينسبوه ، وعزاه الخطيب البغدادي المصنف في التبصرة إلى الشيخ أبو إسحاق الأستاذ أبي إسحاق ، والصواب : الأول ، وأنه يحتج به مطلقا ; لأن روايتهم عن غير الصحابي نادرة ، وإذا رووها بينوها ، فإذا أطلقوا ذلك فالظاهر أنه عن الصحابة ، والصحابة كلهم عدول ، والله أعلم .
. فهذه ألفاظ وجيزة في المرسل ، وهي وإن كانت مختصرة بالنسبة إلى غيرها فهي مبسوطة بالنسبة إلى هذا الموضع ، فإن بسط هذا الفن ليس هذا موضعه ، ولكن حملني على هذا النوع اليسير من البسط أن معرفة المرسل مما يعظم الانتفاع بها ، ويكثر الاحتياج إليها ، ولا سيما في مذهبنا ، خصوصا هذا الكتاب الذي شرعت فيه ، أسأل الله الكريم إتمامه على أحسن الوجوه وأتمها ، وأعجلها ، وأنفعها في الآخرة والدنيا ، وأكثرها انتفاعا به ، وأعمها فائدة لجميع المسلمين ، مع أنه قد شاع في السنة عن كثيرين من المشتغلين بمذهبنا ، بل أكثر أهل زماننا أن - رحمه الله - لا يحتج بالمرسل مطلقا إلا مرسل الشافعي ، فإنه يحتج به مطلقا ، وهذان غلطان ، فإنه لا يرده مطلقا ولا يحتج بمرسل ابن المسيب مطلقا ، بل الصواب ما قدمناه والله أعلم ، وله الحمد والنعمة ، والفضل والمنة . ابن المسيب