تحديات .. وتميز مقدمة في تعريف التحديات الحضارية المعاصرة وتميز الحضارة الإسلامية
1- مفهـوم الحضـارة
الحضارة، في تعريف بعض الباحثين في علوم الحضارة، تعني العمران، والإنتاج الثقافي، والنظام الاجتماعي
[1] ، فهي كما [ ص: 42 ] عرفها ابن خلدون : أحوال عادية، زائدة على الضروري من أحوال العمران، زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه، وتفاوت الأمم، في القلة والكثرة، تفاوتا غير منحصر.. [2] . أو كما عرفها ول ديورانت هي: نظام اجتماعي، يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي. [3] وقد درس الدكتور أبو زيد شلبي التعريفيين، واستخلص منهما أن الحضارة هي:
(مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم، في نواحي نشاطها الفكري، والعقلي، من عمران، وعلوم، ومعارف، فنون، وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها، حتى تصل إلى الغاية التي تواتيها بها أحوالها، وإمكانياتها المختلفة) .
[4]
2- الحضـارة الإسـلامية
والحضارة الإسلامية، ذات نسب عريق في الحضارات، سبقا، ورسوخا، وشمولا، ومحتوى، لكونها بحكم نسبتها إلى الإسلام، متسمة بالخلود، ولا تزال آثارها المادية والمعنوية باقية، وإسهاماتها في الحضارة الكونية، والنهضة العلمية المعاصرة، ظاهرة. [5] [ ص: 43 ]
وقد قامت الحضارة الإسلامية على ركن شديد من القيم الأصلية، الراسخة والحارسة، لأسباب الرقي البشري، والرعاية لكرامة الإنسان، [6] وحرماته، من التوحيد والعدل، والإحسان، والمساواة، والإصلاح، والصدق، والعفاف، والأمانة، والعلم، والرحمة، والرفق، وحسن الخلق، والإخلاص، والتجرد، والعمل الصالح.
ولا عجب، إذ هي وليدة التربية الإيمانية، فردية وجماعية، بين مكة والمدينة، فأقامت صورا مشرقة، حيث أقامت الحضارة الفكرية، التي ظهرت في تأليف العلماء، المبثوثة في الأنحاء، وقد سبقت غيرها في أبحاث العلوم الشرعية، والاجتماعية والطبيعية، واللغوية، مع العناية بالعمران، والجمال التوحيدي، في المساجد، والجامعات، والمداس، والقصور في المدن الإسلامية العريقة، في مشارق العالم الإسلامي، ومغاربه، وأسست أركانا، وقوائم راسيات للعلم التجريبي، اعتمدت عليها المؤسسات والجامعات الأوربية، وقامت عليها النهضة العلمية المعاصرة.
[7] [ ص: 44 ]
3- بين الحضارة الغربية المعاصرة والحضارة الإسلامية
(أ) الحضارة الغربية في الأساس، حضارة صناعية تقنية، فاقدة للتقوى، توحلت إلى حضارة استكبارية باطشة، تركت الجدال بالحسنى، وجاءت للناس على متن المقاتلات والمدرعات، تمشي بينهم بالتقتيل، والتشريد، والاضطهاد، والإبادة، ويشهد لذلك الحرب العالمية الأولى، والثانية، وأخيرا، النظام العالمي الجديد.
أما حضارة الإسلام، فتقوم على الجمع بين التقوى والتقانة، دون تعارض أو تنافر.
(ب) والحضارة الغربية، من ناحية أخرى، تقوم على تمجيد العقل، والاعتماد عليه وحده، بينما تقوم الحضارة الإسلامية على التوفيق بين العقل والوحي، فليس فيها خصام، أو فصام بين الدين، والعلم، كما كان في أوربا، بل يتواءم العلم والإيمان: الإيمان القائم على العلم.. والعلم المؤمن، الداعي للإيمان.
(جـ) الحضارة الإسلامية، تقوم على السلام العالمي، والأمن الداخلي، [8] كما في قوله تعالى: ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) (الأنفال: 61) ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة: 8) .
وفي الحديث النبوي: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) [9] و ( ... المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ) . [10] [ ص: 45 ]
بل تتجاوز حضارة الإسلام ذلك، إلى الاتساق، والانسجام، والتوافق، والتوازن، مع نظام الكون والحياة، والإنسان،
[11] حيث إن الحقيقة الدينية في خلق الإنسان وتمام إسلامه: اعمار الكون، بالصلاح، والفلاح، بعد تسخيره له: ( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الجاثية: 12-13) .
(د) يتجلى هدى الإسلام، في تسخير الكون للإنسان، ليؤدي شكر النعمة، بينما تسعى الفلسفة المادية، لتسخير الإنسان، وتعبيده للكون، وظاهر الحياة الدنيا. [12] ومهما يكن من أمر، فإن الصراع بين حضارة الإسلام، وحضارات غيره، صراع مستمر، إلا أن الحقيقة، التي يجب أن تبقى ناصعة، واضحة، بينة، هي أن العاقبة لأهل التقوى، والبقاء للحق، والخير، والبر وما ينفع الناس: ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) (الرعد: 17) . [ ص: 46 ]