طرق إجرائية مقترحة لأسلمة النظم التعليمية الوافدة
أ - فك الارتباط بين مرجعيات تلك النظم التعليمية وفلسفاتها، التي تقوم على الفكرة العلمانية التي تتأسس على إبعاد الوحي الإلهي، سواء كان وحيا محرفا أو غير محرف، عن دائرة التوجيه والإرشاد، أو تلك التي تقوم على الفكرة المادية التي تنبثق من إقصاء كل ما هـو ديني عن التعليم خاصة، وعن سائر جوانب الحياة عامة.
فإسلامية هـذه النظم ينبغي أن تنصب في فك الارتباط بينها وبين مرجعياتها القاصرة، العلمانية والمادية، بحيث تبدل بمرجعية ترى [ ص: 114 ] ضرورة إشراك الوحي الإلهي غير المحرف في توجيه العملية التعليمية، وفي تضمينها القيم لإعداد جيل من الشباب نظيف طاهر من خصال الأنانية والرشوة والكذب والخيانة، والانحلال الخلقي، والفساد السياسي والاقتصادي، والدكتاتورية ، وغيرها من ركائز تخلف المجتمعات وتأخرها.. كما ترى تلك المرجعية البديلة، ضرورة إشراك العقل الإنساني السديد في التفكر في سبل تفهم تلك القيم السامية وفي تنزيلها في الواقع المعيش، مما يعني أن تغدو مرجعية النظم التعليمية وحيا إلهيا صحيحا، وعقلا إنسانيا سديدا.
ب - فإذا تم فك الارتباط بين تلك النظم وفلسفاتها، فإن الإجراء اللاحق الطبيعي يتمثل في فك الارتباط أيضا بين تلك النظم وأهدافها، التي سبق لنا أن أوضحناها، بحيث تعاد صياغة أهداف كل مجتمع وحاجاته الأساسية، الأمر الذي سيجعل تلك الأهداف نبيلة وسامية من جهة، وقابلة للتحقق والتطبيق في الواقع المعيش من جهة أخرى، ويعني هـذا تجاوز هـدف إعداد فرد مادي، وهدف إعداد مجتمع مادي، ويحل محلهما هـدف إعداد فرد صالح يقيم مجتمعا صالحا مستقرا آمنا مطمئنا. [ ص: 115 ]
إن إعداد فرد صالح ينبغي أن يكون هـدفا أساسيا، بديلا ضروريا عن هـدف إعداد فرد مادي كما هـو الحال في النظم التعليمية الغربية، أو إعداد مجتمع مادي كما هـو الحال في النظم التعليمية الشرقية.. والفرد الصالح حسب تصور هـذه الدراسة، هـو الفرد الخليفة الذي يوصل دنياه بأخراه، ويرى تكاملا بين الوحي الإلهي الكلي والعقل الإنساني الجزئي، والواقع المعيش المتغير، ولا يرى تعارضا بين المصالح الخاصة والمصالح العامة، وإنما يراها متكاملة ومتداخلة ومترابطة.
وهذا الفرد الصالح يدرك أدواء مجتمعه، ويتحسس الأدوية المناسبة لعلاج أزماته ومشاكله، إذ أنه فرد يحيا لتحقيق رسالته الكبرى في الوجود، المتمثلة في الخلافة لله، وفي عمارة الأرض، وإنقاذ البشرية جمعاء من تعاستها وشقائها.
إن الفرد الصالح -في تصور هـذه الدراسة- ليس هـو ذلك الفرد المنقطع عن الحياة الدنيا، والمنعزل في محرابه عن مواجهة مشاكل الحياة وأزماتها، والمنطوي على ذاته، هـاربا من الاختلاط بالناس، والانخراط في الحياة الاجتماعية.. كما أن الفرد الصالح -في تصور هـذه الدراسة- لا يعني أيضا ذلك الفرد المنقطع عن الآخرة، والمتفاني بالتلذذ بملذات الدنيا وشهواتها، والمتغافل عن رسالته في الوجود والحياة. [ ص: 116 ]
فصفوة القول: لا بد من إعادة صياغة الأهداف من خلال كليات الوحي الإلهي، التي تحدد الغاية من خلق الإنسان، وتسخير سائر المخلوقات له في هـذا الوجود، ولا بد من الأخذ بالاعتبار عند إعادة الصياغة، الضروريات والحاجات الآنية لكل مجتمع على انفراد، بعيدا عن العقلية الإسقاطية والنظرة التقمصية لضروريات وحاجات غير موجودة في واقع المجتمع. فالمجتمعات الإفريقية تعاني مشاكل متعددة ومختلفة، وضروريات مجتمعاتها وحاجاتها مختلفة، الأمر الذي يقتضي من واضعي النظم التعليمية الانخراط في هـذه المجتمعات، وتحسس أزماتها ومشاكلها، ثم الصدور عن أهداف واضحة قابلة للتحقق والإنجاز.