الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

النظم التعليمية الوافدة في أفريقيا (قراءة في البديل الحضاري)

الدكتور / قطب مصطفى سانو

مفهوم النظام التعليمي الوافد

إن النظام التعليمي الوافد -في ضوء ما أسلفناه- عبارة عن النظام التعليمي الذي يصدر عن مرجعية وافدة، غريبة عن الواقع الذي يطبق فيه، ويستهدف تحقيق أهداف هـلامية غامضة، ولا يتلاءم في واقع أمره مع ضروريات المجتمع وحاجاته الأساس.. فهذا النظام ذو سمات عديدة، من أهمها:

أ - الانبثاق عن مرجعية غريبة عن بيئة المتعلم وظروفه، فالنظام التعليمي الوافد نظام متسم بالتستر المتعمد على مرجعيته، وبتجاهل مقصود لدور القيم في توجيه العملية التعليمية.

ب - استهدافه تحقيق أهداف خارجية مبيتة غير معلنة، ولكنها مغلفة بغلاف مضلل للمتعلم في أكثر الأحوال، فهو نظام غير محدد الأهداف -للمتعلم- تحديدا كافيا، ويغلب على الأهداف المعلنة الضبابية والتعميمات؛ وذلك لأنه وجد لكي يحقق أهدافا استغلالية.

ج - تجاهله التام تركيبة بيئة المتعلم الاجتماعية والنفسية والجغرافية والاقتصادية، فهو متسم بإسقاطه مشاكل غريبة على البيئة، وبالإلحاح على المتعلم لتقمص مشاكل لا يعايشها؛ وذلك لأنه نظام غير نابع عن احتياجات البيئة، وغير ملائم للإمكانات والقدرات. [ ص: 49 ]

وعلى العموم، فإن وضوح مرجعية نظام تعليمي، وجلاء أهدافه، ومواكبته ظروف المتعلم، وتلبيته ضرورياته وحاجاته الأساس، أمارات ساطعة على نجاح ذلك النظام، ومدعاة إلى استمراريته ودوامه، إضافة إلى كون ذلك كله عاملا قويا في مقدرته على تحقيق التقدم والتطور، وعلى الإسهام في حل المشاكل والأزمات. وبالمقابل فإن غموض مرجعية نظام تعليمي، وضبابية أهدافه، وتجاهله ظروف المتعلم، وحاجاته الضرورية والأساس هـي الأخرى مدعاة إلى ضرورة مراجعته جذريا، وإلى ضرورة معالجة أدوائه؛ وذلك لأنه يعتبر كوابح ومعيقات لكل تقدم وتطور.

إن جل النظم التعليمية السائدة في القارة، تتسم بغرابة مرجعيتها، وضبابية أهدافها، وتغافلها عن ضروريات البيئة وظروفها العويصة. وأما غرابة المرجعية، فتتمثل في انبثاقها عن الفكرة العلمانية في بعض الدول، وعن الفكرة المادية في دول أخرى، وكلتا الفكرتين -كما سنرى- غريبة على القارة من حيث النشأة، ومن حيث الواقع، وخاصة في تلك الدول التي تقطنها أغلبيات مسلمة.

وأما ضبابية أهداف تلك النظم، فتتمثل في كون المعلن منها متعارضا في صميمه مع غير المعلن، إذ بينما تتوافر تلك النظم على القول: بأنها تهدف إلى إيجاد مواطن صالح يدافع عن بلده بدمه وماله، غير أن الواقع المشاهد أن تلك النظم باعتبارها مصانع فقد [ ص: 50 ] أنتجت للقارة زمرة من المتعلمين لا يهمهم -في أكثر الأحيان- مـن شأن القارة سوى مصالحهـم الشخصيـة، ومنافعهم الذاتية، ولا يضرهم في شيء أن ترزح القارة تحت نير التخلف والتأخر مادامت مصالحهم الشخصية غير مهددة، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل عن الأهداف الحقيقية التي تصبو تلكم النظم الوافـدة إلى تحقيقهـا في واقـع القارة.

وأما تجاهل تلك النظم ظروف القارة وضروريات المجتمعات وحاجاتها، فيتجلى في تغاضي واضعي المناهج والمقررات الدراسية عن دراسات نقدية علمية للوضع الاستثنائي الغريب المتمثل في التركيبات والتجمعات السكانية، التي اختلقتها قوى الاستغلال والاستكبار عشية استيلائها على القارة واقتسامها فيما بينهم ظلما وجورا.

وصفوة القول: إن صح لنا أن نسمي تلك النظم بأسمائها المعروفة، قلنا: إنها النظم التعليمية الغربية، وهي النظم التي تسود أوروبا الغربية (النظام التعليمي الفرنسي، والنظام التعليمي الإنجليزي، والنظام التعليمي البرتغالي، والنظام التعليمي الإيطالي) .. والنظم التعليمية الشرقية، وتشمل النظم التعليمية التي كانت تسود أوروبا الشرقية (نظام تعليمي شيوعي، سوفياتي سابقا) .

ولئن تبين لنا مفهوم النظام التعليمي الوافد، فحري بنا تحليل محتوى هـذه النظم، فتجلية آثارها ودورها في تضييع شباب القارة، وتعميق تخلف المجتمعات الإفريقية، بغية اقتراح بديل حضاري لهذه النظم. [ ص: 51 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية