الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          السلامة والصحة المهنية

          تعد حماية النفس من المقاصد الخمس الرئيسة للشريعة، لذلك يجب أن تكون السلامة في المؤسسات التربوية هـما رئيسا للإداريين. ويتضمن ذلك السلامة الجسيمة والعقلية والنفسية. المنهج الإسلامي في السلامة هـو منهج وقائي تصحيحي. يتضمن المنهج الوقائي توفير بيئة سلامة خالية من الإصابات. قد تقع الإصابات نتيجة ظروف أو أفعال تفتقر إلى شروط السلامة. من بين الظروف التي تفتقر للسلامة المعدات غير الصالحة أو غير المحمية جيدا والإجراءات الخطرة، كما أن هـناك ظروفا مرتبطة بالعمل مثل الإرهاق والمناوبات الليلية، وهناك ظروف نفسيه مثل التسريح من العمل والأجور المتدنية والظروف المعيشية غير المناسبة. وتشمل الأفعال التي تفتقر للسلامة عدم استخدام معدات واقية، وتعطيل أجهزة السلامة، والعلاقات غير الصحية مثل تشتيت الانتباه، والمضايقة، والإساءة والترويع. وتلعب الشخصية دورا في السلامة. هـناك أشخاص لأسباب مختلفة معرضون للإصابات. ومن الأسباب الافتقار للمعلومات وضعف المهارات.

          كيف يمكن منع الإصابات؟ يوصي الأدب السائد بما يعرف بـ (3Es) (Fleishman and bass, 1984) وهي الهندسة والتربية وفرض القوانين. يجب تصميم الوظائف بشكل يجعلها تتضمن شروط السلامة، ويجب تثقيف العاملين بإجراءات السلامة، ويجب فرض قوانين السلامة. [ ص: 115 ] مثل هـذه التوصيات مقبولة عموما من المنظور الإسلامي، ولكن مع تحفظات. فالممارسات المحرمة لا يمكن السماح بها بتوفير إجراءات وقاية (توفير إبر الحقن للمدمنين وترويج الواقيات لممارسة العلاقات الجنسية غير المشروعة) . البديل في المؤسسة الإسلامية هـو تقليص الإثارة الجنسية في مواقع العمل بتوفير بيئة خالية من الاختلاط المفرط للجنسين، ومن اللغة البذيئة، والإباحية، وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه توفير بيئة موائمة للفضيلة وخالية من التوتر.

          من ناحية أخرى، فما يعرف بـ (3 Es) ليس كافيا فأماكن العمل تشهد اليوم تعاطي المخدرات وتناول الكحول بل والإفراط في تناولها، وإساءة استخدام المواد المؤذية، والجرائم الجنسية، والأمراض النفسية، والتوتر، والاحتراق النفسي، والقلق، والاكتئاب، والغضب، وأمراض القلب والصداع والإصابات. ولا يمكن معالجة هـذه الأخطاء بـ (3 Es) فقط. إن غرس القيم الإسلامية. وتغذية الإيمان بالله. وتلبية الأشواق الروحية. وإنعاش الوعي بالآخرة ونشر المناخ الإسلامي في مواقع العمل، وإيجاد العلاقات الصحية تعد مكملة لـ (3 Es) .

          إن الأخطاء المشار إليها هـي نتيجة الغلو في التوجهات الفردية المادية القاسية، حيث لا مجال في مواقع العمل للقيم والأخلاق والمداولات الأخلاقية، وحيث من لا يستطيع التقدم أو التكيف يترك لحظه العاثر. تلك [ ص: 116 ] هي تركة النموذج الأمبيريقي الوضعي الآلي الاختزالي الذي لا يترك خيارا أو بديلا، تركة النموذج العلمي في الإدارة الذي يؤمن بالطريقة الوحيدة المثلى ويختزل الإنسان إلى مجرد امتداد للآلة، تركة النموذج البيروقراطي الذي يضع الإنسان في مرتبة أدنى مقارنا بالقوانين والإجراءات والأعراف المرعية والعلاقات الهرمية والقنوات المرعية في الاتصال. ولهذه الأخطار جذورها في الداروينية الاجتماعية وقوانينها القاسية، مثل البقاء للأصلح. وحتى عندما أدى تنامي الوعي بهذه الأخطار إلى الاهتمام بها وعمل شيء بشأنها وأقيمت أجهزة إرشاد لها، للمرء أن يتساءل: إلى أي مدى كان ذلك نافعا؟ هـذا لا يعني أن الإرشاد النفسي ليس مفيدا ولكن للتأكيد أن (3 Es) والإرشاد يمكن أن يكون أكثر نفعا لو مورس ضمن منهج إسلامي تصحيحي وقائي أكثر شمولا.

          يمكن أن يتضمن برنامج السلامة في المدارس تعليمات لكل من الطلاب والعاملين، خطة لجعل المدرسة خالية من الأخطار، فحص مستمر للمكان، وتدريب على استخدام المعدات والأدوات، والتأكد أن مثل هـذه الأدوات تصان جيدا. يجب ألا يؤدي الانضباط إلى إيذاء جسدي أو عقلي. يمكن للمديرين أن يمارسوا الضبط الذاتي، ويكبحوا جماح غضبهم وقت الضرورة. يجب ألا تكون العقوبة دربا لتنفيس الإحباط. يجب توفير الحرية الكافية للأطفال لممارسة قدراتهم في الاختيار وإصدار الأحكام. [ ص: 117 ] يعد التوتر أحد الأسباب الرئيسة للأخطار المهنية في المدارس، وهو ناجم عن قيود نفسية ومادية ترتبط بعمل يتطلب الكثير من العمل ويدر قليلا من العوائد، ويؤدي في ظروف غير مواتية، مثل اكتظاظ الصفوف، إلى الاستنزاف النفسي والانهيارات العصبية وغير ذلك من الاضطرابات الجسدية مثل ارتفاع الضغط والقرح، هـناك مصدر آخر للتوتر وهو ضيق الفرص للنمو المهني والترقي والوظيفي، والاضطرابات المالية، وانعدام الأمن الوظيفي، وضعف وضعية البناء المدرسي، وعلاقات العمل غير المرضية مع المؤسسة، ومن العوامل أيضا، الدور المتغير للمعلم، وتناقضات الدور، وغموض الدور، وتغير نظرة المجتمع للمعلم، وانعدام اليقين تجاه أهداف النظام التربوي، وتدهور صورة المعلم ومكانته في المجتمع.

          يوصي الأدب السائد بأن يقوم مديرو المدارس بمساعدة المعلمين على التغلب على هـذه المشكلة بتوفير الدعم للعاملين الذين يظهرون علامات التوتر، وفهم الأسباب المسببة للتوتر، وتشجيع العاملين على التحدث عن التوتر الذي قد يمرون به، وتحسين الروح المعنوية للمدرس، وعقلنة أنماط العمل.

          تلك التوصيات مقبولة من المنظور الإسلامي ولكنها ليست كافية. إن الرجوع المخلص للمنظور الإسلامي يمكن أن يساعد في توقع وفهم التوتر الذي يؤثر في المعلمين. والمعتقدات الإسلامية خاصة الإيمان بالله، خالقنا ورازقنا، والإيمان بالآخرة يمكن أن يلطف العلاقات المسببة ذهنيا للتوتر. [ ص: 118 ] إن من شأن إدارة التوتر من منظور إسلامي:

          - تطوير الوعي بالمصادر الداخلية للتوتر.

          - استخدام المعتقدات الإسلامية لتعديل نوعية التوتر المدرك.

          - تطوير قيادة الذات.

          - إعادة هـيكلة السلوك الموجه للهدف بحيث تلتقي الحاجات الداخلية والرغبات ولكن بقدر أقل من التوتر.

          - تركيز الانتباه على التفسيرات (سبب التوتر) التي تؤدي إلى حل ونمو أكثر من تلك التي تؤدي إلى المرض والأذى.

          - تطوير مهارات التصويب الذاتي التي تمكن من تغيير الجوانب السلبية في الشخصية التي تسبب التوتر.

          - استخدام الصلوات والعبادات لتوفير بيئة من الهدوء والسكون وخالية من المشتتات.

          إن المناخ الإسلامي، الذي يشيع الثقة والأمانة والبهجة والحب والصداقة والكرم والانضباط الذاتي والتعاون والمثابرة واليقظة وحس المسئولية والرسالة والبراعة، هـو أفضل إجراء ضد الانهيار الداخلي. والتعاليم الإسلامية في ضبط النفس والتسامح والصبر كلها تؤدي إلى بيئة تتسم بالسلامة. [ ص: 119 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية