وما جعله الله كلام مستأنف لبيان أن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا من النصر عند فقدان أسبابه، والجعل متعد إلى واحد وهو الضمير العائد إلى المصدر المنسبك في أني ممدكم على قراءة الفتح والمصدر المفهوم من ذلك على الكسر، واعتبار القول ورجوع الضمير إليه ليس بمعتبر من القول، أي: وما جعل إمدادكم بهم لشيء من الأشياء إلا بشرى أي: بشارة لكم بأنكم تنصرون ولتطمئن به أي: بالإمداد قلوبكم وتسكن إليه نفوسكم وتزول عنكم الوسوسة، ونصب (بشرى) على أنه مفعول له ولتطمئن معطوف عليه، وأظهرت اللام لفقد شرط النصب، وقيل: للإشارة إلى أصالته في العلية وأهميته في نفسه كما قيل في قوله سبحانه: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة .
وقيل: إن الجعل متعد إلى اثنين ثانيهما (بشرى) على أنه استثناء من أعم المفاعيل، واللام متعلقة بمحذوف مؤخر أي: وما جعله الله تعالى شيئا من الأشياء إلا بشارة لكم ولتطمئن به قلوبكم، فعل ما فعل لا لشيء آخر، والأول هو الظاهر، وفي الآية إشعار بأن الملائكة لم يباشروا قتالا وهو مذهب لبعضهم، ويشعر ظاهرها بأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخبرهم بذلك الإمداد وفي الأخبار ما يؤيده، بل جاء في غير ما خبر أن الصحابة أو الملائكة عليهم السلام.
وروي عن أبي أسيد وكان قد شهد بدرا أنه قال بعد ما ذهب بصره: لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة. وما النصر إلا من عند الله أي: وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا كائن من عنده عز وجل، فالمنصور هو من نصره الله سبحانه والأسباب ليست بمستقلة، أو المعنى: لا تحسبوا النصر من الملائكة عليهم السلام؛ فإن الناصر هو الله تعالى لكم والملائكة، وعليه فلا دخل للملائكة في النصر أصلا، وجعل بعضهم القصر على الأول إفرادي وعلى الثاني قلبي إن الله عزيز لا يغالب في حكمه ولا ينازع في قضيته حكيم يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة الباهرة، والجملة تعليل لما قبلها وفيها إشعار بأن النصر الواقع على الوجه المذكور من مقتضيات الحكم البالغة.