nindex.php?page=treesubj&link=28657_28659_28662_29690_30489_31748_31756_32438_34513_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إن ربكم استئناف سيق لإظهار بطلان تعجبهم المذكور وما تبعه من تلك المقالة الباطلة غب الإشارة إليه بالإنكار والتعجيب وحقق فيه حقية ما تعجبوا منه وصحة ما أنكروه بالتنبيه الإجمالي على بعض ما يدل عليها من شئون الخلق والتقدير وأحوال التكوين والتدبير ويرشدهم إلى معرفتها بأدنى تذكير لاعترافهم به من غير نكير كما يعرب عنه غير ما آية في الكتاب الكريم والتأكيد لمزيد الاعتناء بمضمون الجملة على ما هو الظاهر أي أن ربكم ومالك أمركم الذي تعجبون من أن يرسل إليكم رجلا منكم بالإنذار والتبشير وتعدون ما أوحى إليه من الكتاب سحرا هو
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام أي أوقات فالمراد من اليوم معناه اللغوي وهو مطلق الوقت وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن تلك الأيام من أيام الآخرة التي يوم منها كألف سنة مما تعدون وقيل: هي مقدار ستة أيام من أيام الدنيا وهو الأنسب بالمقام لما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة بخلق هذه الأجرام العظيمة في مثل تلك المدة اليسيرة ولأنه تعريف لنا بما نعرفه ولا يمكن أن يراد باليوم اليوم المعروف لأنه كما قيل عبارة عن كون الشمس فوق الأرض وهو مما لا يتصور تحققه حين لا أرض ولا سماء واليوم بهذا المعنى يسمى النهار المفرد ويطلق اليوم أيضا على مجموع ذلك النهار وليلته ومقدار ذلك حينئذ ممكن الإرادة هنا أيضا وقد صرح بعض الأكابر بأن المراد بالسماوات ما عدا المحدد وأن اليوم هنا عبارة عن مدة دورة تامة له ولا يخفى أن اليوم اللغوي يتناول هذا أيضا إلا أن إرادته كإرادة مقدار مجموع النهار وليلته يحتاج إلى نقل وليس ذلك أمرا معروفا عند المخاطبين ليستغني عن النقل على أن القول به يدور على كون المحدد متحركا بالحركة الوضعية ويحتاج ذلك إلى النقل أيضا وكذا يدور على كون المحدد خارجا عن السماوات المخلوقة في الأيام الست لكن ذلك لا يضر إذ الآيات والأخبار شاهدة بالخروج كما لا يخفى وفي خلقها مدرجا مع القدرة التامة على إبداعها في طرفة عين اعتبار للنظار وحث لهم على التأني في الأحوال والأطوار وفيه أيضا على ما صرح به بعض المحققين دليل على الاختيار وأما تخصيص ذلك بالعدد المعين فقد قيل: إنه أمر قد استأثر بعلم ما يستدعيه علام الغيوب جلت قدرته ودقت حكمته وقيل إنه سبحانه جعل لكل من خلق مواد السماوات وصورها وربط بعضها ببعض وخلق مادة الأرض وصورتها وربط إحداهما بالأخرى وقتا فلذا صارت الأوقات ستا وفيه تأمل وسيأتي إن شاء الله تعالى في الدخان تحقيق هذا المطلب على وجه ينكشف به الغبار عن بصائر الناظرين
وإيثار جمع السماوات لما هو المشهور من الإيذان بأنها أجرام مختلفة الطباع متباينة الآثار والأحكام وتقديمها على الأرض إما لأنها أعظم منها خلقا أو لأنها جارية مجرى الفاعل والأرض جارية مجرى القابل على ما بين في موضعه وتقديم الأرض عليها في آية طه لكونها أقرب إلى الحس وأظهر عنده وسيأتي أيضا تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثم استوى على العرش على المعنى الذي أراده سبحانه وكف الكيف مشلولة وقيل:
nindex.php?page=treesubj&link=28728الاستواء على العرش مجاز عن الملك والسلطان متفرع عن الكناية فيمن يجوز عليه القعود على السرير يقال: استوى فلان على سرير الملك ويراد منه ملك وإن لم يقعد على السرير أصلا وقيل: إن الاستواء بمعنى الاستيلاء وأرجعوه إلى صفة القدرة وأنت تعلم أن هذا وأمثاله من التشابه وللناس فيه مذاهب
[ ص: 65 ] وما أشرنا إليه هو الذي عليه أكثر سلف الأمة رضي الله تعالى عنهم وقد صرح بعض أن الاستواء صفة غير الثمانية لا يعلم ما هي إلا من هي له والعجز عن درك الإدراك إدراك واختار كثير من الخلف أن المراد بذلك الملك والسلطان وذكره لبيان جلالة ملكه وسلطانه سبحانه بعد بيان عظمة شأنه وسعة قدرته بما مر من خلق هاتيك الأجرام العظيمة وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3يدبر الأمر استئناف لبيان حكمة استوائه جل وعلا على العرش وتقرير عظمته والتدبير في اللغة النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المحمود والمراد به هنا التقدير الجاري على وفق الحكمة والوجه الأتم الأكمل وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن المعنى يقضي الأمر والمراد بالأمر أمر الكائنات علويها وسفليها حتى العرش فأل فيه للعهد أي يقدر أمر ذلك كله على الوجه الفائق والنمط اللائق حسبما تقتضيه المصلحة وتستدعيه الحكمة ويدخل فيما ذكر ما تعجبوا منه دخولا ظاهرا وزعم بعضهم أن المعنى يدبر ذلك على ما اقتضته حكمته ويهيئ أسبابه بسبب تحريك العرش وهو فلك الأفلاك عندهم وبحركته يحرك غيره من الأفلاك الممثلة وغيرها لقوة نفسه وقيل: لأن الكل في جوفه فيلزم من حركته حركته لزوم حركة المظروف لحركة الظرف وهو مبني على أن الظرف مكان طبيعي للمظروف وإلا ففيه نظر، وأنت تعلم أن مثل هذا الزعم على ما فيه مما لا يقبله المحدثون وسلف الأمة إذ لا يشهد له الكتاب ولا السنة وحينئذ فلا يفتى به وإن حكم القاضي، وجوز في الجملة أن تكون في محل النصب على أنها حال من ضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3استوى وأن تكون في محل الرفع على أنها خبر ثان لأن وعلى كل حال فإيثار صيغة المضارع للدلالة على تجدد التدبير واستمراره منه تعالى وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ما من شفيع إلا من بعد إذنه بيان لاستبداده تعالى في التدبير والتقدير ونفي للشفاعة على أبلغ وجه فإن نفي جميع أفراد الشفيع بمن الاستغراقية يستلزم نفي الشفاعة على أتم الوجوه فلا حاجة إلى أن يقال: التقدير ما من شفاعة لشفيع وفي ذلك أيضا تقرير لعظمته سبحانه إثر تقرير والاستثناء مفرغ من أعم الأوقات أي ما من شفيع يشفع لأحد في وقت من الأوقات إلا بعد إذنه تعالى المبني على الحكمة الباهرة وذلك عند كون الشفيع من المصطفين الأخيار والمشفوع له ممن يليق بالشفاعة وذهب
القاضي إلى أن فيه ردا على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله تعالى
وتعقب بأنه غير تام لأنهم لما ادعوا شفاعتها فقد يدعون الإذن لها فكيف يتم هذا الرد ولا دلالة في الآية على أنهم لا يؤذن لهم وما قيل: إنها دعوى غير مسلمة واحتمالها غير مجد لا فائدة فيه إلا أن يقال: مراده أن الأصنام لا تدرك ولا تنطق فكونها ليس من شأنها أن يؤذن لها بديهي وقوله عز شأنه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ذلكم الله ربكم استئناف لزيادة التقرير والمبالغة في التذكير ولتفريع الأمر بالعبادة بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3فاعبدوه والإشارة إلى الذات الموصوف بتلك الصفات المقتضية لاستحقاق ما أخبر به عنه وهو الله وربكم فإنهما خبران لذلكم وحيث كان وجه ثبوت ذلك له ما ذكر مما لا يوجد في غيره اقتضى انحصاره فيه وأفاد أن لا رب غيره ولا معبود سواه ويجوز أن يكون الاسم الجليل نعتا لاسم الإشارة و (ربكم) خبره وأن يكون هو الخبر و (ربكم) بيان له أو بدل منه ولا يخلو الكلام من إفادة الانحصار وإذا فرع الأمر المذكور على ذلك أفاد الأمر بعبادته
[ ص: 66 ] سبحانه وحده أي فاعبدوه سبحانه من غير أن تشركوا به شيئا من ملك أو نبي فضلا عن جماد لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع وليس الداعي لهذا الحمل أن أصل العبادة ثابت لهم فيحمل الأمر بها على ذلك ليفيد لما قيل: من أن الخطاب للمشركين ولا عبادة مع الشرك (أفلا يتذكرون ) أي أتعلمون أن الأمر كما فصل فلا تتذكرون ذلك حتى تقفوا على فساد ما أنتم عليه فترتدعوا عنه وتعبدوا الله تعالى وحده وإيثار (تذكرون) على تفكرون للإيذان بظهور الأمر وأنه كالمعلوم الذي لا يفتقر إلى فكر تام ونظر كامل بل إلى مجرد التفات وإخطار بالبال
nindex.php?page=treesubj&link=28657_28659_28662_29690_30489_31748_31756_32438_34513_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إِنَّ رَبَّكُمُ اسْتِئْنَافٌ سِيقَ لِإِظْهَارِ بُطْلَانِ تَعَجُّبِهِمُ الْمَذْكُورِ وَمَا تَبِعَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ الْبَاطِلَةِ غَبَّ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِالْإِنْكَارِ وَالتَّعْجِيبِ وَحَقَّقَ فِيهِ حَقِّيَّةَ مَا تَعَجَّبُوا مِنْهُ وَصِحَّةُ مَا أَنْكَرُوهُ بِالتَّنْبِيهِ الْإِجْمَالِيِّ عَلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ شُئُونِ الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَأَحْوَالِ التَّكْوِينِ وَالتَّدْبِيرِ وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهَا بِأَدْنَى تَذْكِيرٍ لِاعْتِرَافِهِمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَمَا يُعْرِبُ عَنْهُ غَيْرُ مَا آيَةٍ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالتَّأْكِيدُ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ أَيْ أَنَّ رَبَّكُمْ وَمَالِكَ أَمْرِكِمُ الَّذِي تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْكُمْ رَجُلًا مِنْكُمْ بِالْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ وَتَعُدُّونَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ سِحْرًا هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أَيْ أَوْقَاتٍ فَالْمُرَادُ مِنَ الْيَوْمِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ الَّتِي يَوْمٌ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَقِيلَ: هِيَ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ بِخَلْقِ هَذِهِ الْأَجْرَامِ الْعَظِيمَةِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَلِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَنَا بِمَا نَعْرِفُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْيَوْمِ الْيَوْمُ الْمَعْرُوفُ لِأَنَّهُ كَمَا قِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّمْسِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ تَحَقُّقُهُ حِينَ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ وَالْيَوْمَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُسَمَّى النَّهَارَ الْمُفْرَدَ وَيُطْلَقُ الْيَوْمُ أَيْضًا عَلَى مَجْمُوعِ ذَلِكَ النَّهَارِ وَلَيْلَتِهِ وَمِقْدَارُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ مُمْكِنُ الْإِرَادَةِ هُنَا أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمَاوَاتِ مَا عَدَا الْمُحَدَّدَ وَأَنَّ الْيَوْمَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةِ دَوْرَةٍ تَامَّةٍ لَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْيَوْمَ اللُّغَوِيَّ يَتَنَاوَلُ هَذَا أَيْضًا إِلَّا أَنَّ إِرَادَتَهُ كَإِرَادَةِ مِقْدَارِ مَجْمُوعِ النَّهَارِ وَلَيْلَتِهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ أَمْرًا مَعْرُوفًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ لِيَسْتَغْنِيَ عَنِ النَّقْلِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ يَدُورُ عَلَى كَوْنِ الْمُحَدَّدِ مُتَحَرِّكًا بِالْحَرَكَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى النَّقْلِ أَيْضًا وَكَذَا يَدُورُ عَلَى كَوْنِ الْمُحَدَّدِ خَارِجًا عَنِ السَّمَاوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَيَّامِ السِّتِّ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ إِذِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ شَاهِدَةٌ بِالْخُرُوجِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي خَلْقِهَا مُدْرَجًا مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ عَلَى إِبْدَاعِهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ اعْتِبَارٌ لِلنُّظَّارِ وَحَثٌّ لَهُمْ عَلَى التَّأَنِّي فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَطْوَارِ وَفِيهِ أَيْضًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ دَلِيلٌ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَمْرٌ قَدِ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ مَا يَسْتَدْعِيهِ عَلَّامُ الْغُيُوبِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَدَقَّتْ حِكْمَتُهُ وَقِيلَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْ خَلْقِ مَوَادِّ السَّمَاوَاتِ وَصُوَرِهَا وَرَبْطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَخَلْقِ مَادَّةِ الْأَرْضِ وَصُورَتِهَا وَرَبْطِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَقْتًا فَلِذَا صَارَتِ الْأَوْقَاتُ سِتًّا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّخَانِ تَحْقِيقُ هَذَا الْمَطْلَبِ عَلَى وَجْهٍ يَنْكَشِفُ بِهِ الْغُبَارُ عَنْ بَصَائِرِ النَّاظِرِينَ
وَإِيثَارُ جَمْعِ السَّمَاوَاتِ لِمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْإِيذَانِ بِأَنَّهَا أَجْرَامٌ مُخْتَلِفَةُ الطِّبَاعِ مُتَبَايِنَةُ الْآثَارِ وَالْأَحْكَامِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَرْضِ إِمَّا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْهَا خَلْقًا أَوْ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْفَاعِلِ وَالْأَرْضَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْقَابِلِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ وَتَقْدِيمُ الْأَرْضِ عَلَيْهَا فِي آيَةِ طه لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ إِلَى الْحِسِّ وَأَظْهَرَ عِنْدَهُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا تَحْقِيقُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ وَكَفُّ الْكَيْفِ مَشْلُولَةٌ وَقِيلَ:
nindex.php?page=treesubj&link=28728الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ مَجَازٌ عَنِ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ مُتَفَرِّعٌ عَنِ الْكِنَايَةِ فِيمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ عَلَى السَّرِيرِ يُقَالُ: اسْتَوَى فُلَانٌ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ وَيُرَادُ مِنْهُ مُلْكٌ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى السَّرِيرِ أَصْلًا وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِوَاءَ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ وَأَرْجَعُوهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ مِنَ التَّشَابُهِ وَلِلنَّاسِ فِيهِ مَذَاهِبُ
[ ص: 65 ] وَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ سَلَفِ الْأُمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضٌ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ صِفَةٌ غَيْرُ الثَّمَانِيَةِ لَا يَعْلَمُ مَا هِيَ إِلَّا مَنْ هِيَ لَهُ وَالْعَجْزُ عَنْ دَرَكِ الْإِدْرَاكِ إِدْرَاكٌ وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَلَفِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ وَذَكَرَهُ لِبَيَانِ جَلَالَةِ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ سُبْحَانَهُ بَعْدَ بَيَانِ عَظَمَةِ شَأْنِهِ وَسِعَةِ قُدْرَتِهِ بِمَا مَرَّ مِنْ خَلْقِ هَاتِيكَ الْأَجْرَامِ الْعَظِيمَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3يُدَبِّرُ الأَمْرَ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ حِكْمَةِ اسْتِوَائِهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى الْعَرْشِ وَتَقْرِيرِ عَظَمَتِهِ وَالتَّدْبِيرُ فِي اللُّغَةِ النَّظَرُ فِي أَدْبَارِ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبِهَا لِتَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْمُودِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّقْدِيرُ الْجَارِي عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَالْوَجْهِ الْأَتَمِّ الْأَكْمَلِ وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11868أَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَعْنَى يَقْضِي الْأَمْرَ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ أَمْرُ الْكَائِنَاتِ عُلْوِيِّهَا وَسُفْلِيِّهَا حَتَّى الْعَرْشُ فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيْ يُقَدِّرُ أَمْرَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْفَائِقِ وَالنَّمَطِ اللَّائِقِ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَتَسْتَدْعِيهِ الْحِكْمَةُ وَيَدْخُلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا تَعَجَّبُوا مِنْهُ دُخُولًا ظَاهِرًا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَعْنَى يُدَبِّرُ ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ وَيُهَيِّئُ أَسْبَابَهُ بِسَبَبِ تَحْرِيكِ الْعَرْشِ وَهُوَ فَلَكُ الْأَفْلَاكِ عِنْدَهُمْ وَبِحَرَكَتِهِ يُحَرَّكُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَفْلَاكِ الْمُمَثَّلَةِ وَغَيْرِهَا لِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْكُلَّ فِي جَوْفِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ حَرَكَتِهِ حَرَكَتُهُ لُزُومُ حَرَكَةِ الْمَظْرُوفِ لِحَرَكَةِ الظَّرْفِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الظَّرْفَ مَكَانٌ طَبِيعِيٌّ لِلْمَظْرُوفِ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الزَّعْمِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَا يَقْبَلُهُ الْمُحْدَثُونَ وَسَلَفُ الْأُمَّةِ إِذْ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَلَا السُّنَّةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُفْتَى بِهِ وَإِنْ حَكَمَ الْقَاضِي، وَجُوِّزَ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبَ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3اسْتَوَى وَأَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ ثَانٍ لِأَنَّ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِيثَارُ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ التَّدْبِيرِ وَاسْتِمْرَارِهِ مِنْهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ بَيَانٌ لِاسْتِبْدَادِهِ تَعَالَى فِي التَّدْبِيرِ وَالتَّقْدِيرِ وَنَفْيٍ لِلشَّفَاعَةِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ فَإِنَّ نَفْيَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الشَّفِيعِ بِمِنِ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الشَّفَاعَةِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ يُقَالَ: التَّقْدِيرُ مَا مِنْ شَفَاعَةٍ لِشَفِيعٍ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَقْرِيرٌ لِعَظَمَتِهِ سُبْحَانَهُ إِثْرَ تَقْرِيرٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَوْقَاتِ أَيْ مَا مِنْ شَفِيعٍ يَشْفَعُ لِأَحَدٍ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ تَعَالَى الْمَبْنِيِّ عَلَى الْحِكْمَةِ الْبَاهِرَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِ الشَّفِيعِ مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ وَالْمَشْفُوعِ لَهُ مِمَّنْ يَلِيقُ بِالشَّفَاعَةِ وَذَهَبَ
الْقَاضِي إِلَى أَنَّ فِيهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّهُمْ لَمَّا ادَّعَوْا شَفَاعَتَهَا فَقَدْ يَدَّعُونَ الْإِذْنَ لَهَا فَكَيْفَ يَتِمُّ هَذَا الرَّدُّ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ وَمَا قِيلَ: إِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ وَاحْتِمَالُهَا غَيْرُ مُجْدٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تُدْرِكُ وَلَا تَنْطِقُ فَكَوْنُهَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُؤْذَنَ لَهَا بَدِيهِيٌّ وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ اسْتِئْنَافٌ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّذْكِيرِ وَلِتَفْرِيعِ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3فَاعْبُدُوهُ وَالْإِشَارَةُ إِلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِاسْتِحْقَاقِ مَا أُخْبِرَ بِهِ عَنْهُ وَهُوَ اللَّهُ وَرَبُّكُمْ فَإِنَّهُمَا خَبَرَانِ لِذَلِكُمْ وَحَيْثُ كَانَ وَجْهُ ثُبُوتِ ذَلِكَ لَهُ مَا ذُكِرَ مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ اقْتَضَى انْحِصَارَهُ فِيهِ وَأَفَادَ أَنْ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا مَعْبُودَ سِوَاهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ الْجَلِيلُ نَعْتًا لِاسْمِ الْإِشَارَةِ وَ (رَبُّكُمْ) خَبَرُهُ وَأَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَبَرَ وَ (رَبُّكُمْ) بَيَانٌ لَهُ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَلَا يَخْلُو الْكَلَامُ مِنْ إِفَادَةِ الِانْحِصَارِ وَإِذَا فُرِّعَ الْأَمْرُ الْمَذْكُورُ عَلَى ذَلِكَ أَفَادَ الْأَمْرَ بِعِبَادَتِهِ
[ ص: 66 ] سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ أَيْ فَاعْبُدُوهُ سُبْحَانَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ فَضْلًا عَنْ جَمَادٍ لَا يُبْصِرُ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَيْسَ الدَّاعِي لِهَذَا الْحَمْلِ أَنَّ أَصْلَ الْعِبَادَةِ ثَابِتٌ لَهُمْ فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى ذَلِكَ لِيُفِيدَ لِمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَا عِبَادَةَ مَعَ الشِّرْكِ (أَفَلَا يَتَذَكَّرُونَ ) أَيْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا فُصِّلَ فَلَا تَتَذَكَّرُونَ ذَلِكَ حَتَّى تَقِفُوا عَلَى فَسَادِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَتَرْتَدِعُوا عَنْهُ وَتَعْبُدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ وَإِيثَارُ (تَذَكَّرُونَ) عَلَى تَفَكَّرُونَ لِلْإِيذَانِ بِظُهُورِ الْأَمْرِ وَأَنَّهُ كَالْمَعْلُومِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إِلَى فِكْرٍ تَامٍّ وَنَظَرٍ كَامِلٍ بَلْ إِلَى مُجَرَّدِ الْتِفَاتِ وَإِخْطَارٍ بِالْبَالِ