nindex.php?page=treesubj&link=28723_30612_34091_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه كأنه جواب سؤال مقدر وذلك أنه لما ألقى إليهم ما ألقى وسيق إليهم ما سيق من الترغيب والترهيب وقع في ذهن السامع أنهم بعدما سمعوا مثل هذا المقال الذي تخر له صم الجبال هل قابلوه بالإقبال أم تمادوا فيما كانوا عليه من الإعراض والضلال فقيل مصدرا بكلمة التنبيه إشعارا بأن ما بعدها من هناتهم أمر ينبغي أن يفهم ويتعجب منه (ألا إنهم) إلخ فضمير (إنهم) للمشركين المخاطبين فيما تقدم و (يثنون) بفتح الياء مضارع ثنى الشيء إذا لواه وعطفه ومنه على ما قيل الاثنان لعطف أحدهما على الآخر والثناء لعطف المناقب بعضها على بعض وكذا الاستثناء للعطف على المستثنى منه بالإخراج وأصله يثنيون فأعل الإعلال المعروف في نحو يرمون وفي المراد منه احتمالات منها أن الثني كناية أو مجاز عن الإعراض عن الحق لأن من أقبل على شيء واجهه بصدره ومن أعرض صرفه عنه أي أنهم يثنون صدورهم عن الحق ويتحرفون عنه والمراد استمرارهم على ما كانوا عليه من التولي والإعراض المشار إليه بقوله سبحانه (فإن تولوا) إلخ ومنها أنه مجاز عن الإخفاء لأن ما يجعل داخل الصدر فهو خفي أي أنهم يضمرون الكفر والتولي عن الحق وعداوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومنها أنه باق على حقيقته والمعنى أنهم إذا رأوا النبي عليه الصلاة والسلام فعلوا ذلك وولوه ظهورهم والظاهر أن اللام متعلقة - بيثنون - على سائر الاحتمالات وكأن بعضهم رأى عدم صحة التعلق على الاحتمال الأول لما أن التولي عن الحق لا يصلح تعليله بالاستخفاء لعدم السببية فقدر لذلك متعلقا فعل الإرادة على أنه حال أو معطوف على ما قبله أي ويريدون ليستخفوا من الله تعالى فلا يطلع رسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على أغراضهم وجعله في قود المعنى إليه من قبيل الإضمار في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فضرب فانفلق لكن لا يخفى أن انسياق الذهن إلى توسيط الإرادة بين ثني الصدور والاستخفاء ليس بمثابة انسياقه إلى توسيط الضرب بين الأمر والانفلاق كما ذكره العلامة القسطلاني وغيره وقيل إنه لا حاجة إلى التقدير في الاحتمالين الأولين لأن انحرافهم عن الحق بقلوبهم وعطف صدورهم على الكفر والتولي وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم - وعدم إظهارهم ذلك يجوز أن يكون للاستخفاء من الله تعالى لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى، وأما على الاحتمال الثالث فالظاهر أنه لا بد من التقدير إلا أن يعاد الضمير منه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يقتضيه سبب النزول على ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان من أن
nindex.php?page=treesubj&link=28861الآية نزلت في بعض الكفار الذين كانوا إذا لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم - تطامنوا وثنوا صدورهم كالمستتر وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه وكراهة للقائه عليه الصلاة والسلام وهم يظنون أنه يخفى عليه صلى الله عليه وسلم - لكن ظاهر قوله تعالى الآتي .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5يعلم ما يسرون وما يعلنون يقتضي عود الضمير إليه تعالى . واختار بعض المحققين الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاث وأمر التعليل والضمير عليه ظاهر وأيده بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في
الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم - المحبة ويضمر في قلبه ما يضادها لكنه ليس بمجمع عليه لما سمعت عن
أبي حيان [ ص: 210 ] وقيل: إنه كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي؟ فنزلت . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره عن
عبد الله بن شداد أنها نزلت في المنافقين كان أحدهم إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم - ثنى صدره وتغشى لئلا يراه وهو في معنى ما تقدم عن
أبي حيان إلا أن فيه بعض الكفار دون المنافقين فلا يرد عليه ما أورد على هذا من أن الآية مكية والنفاق إنما حدث
بالمدينة فكيف يتسنى القول بأنها نزلت في المنافقين؟ وقد أجيب عن ذلك بأنه ليس المراد بالنفاق ظاهره بل ما كان يصدر من بعض المشركين الذين كان لهم مداراة تشبه النفاق وقد يقال: إن حديث حدوث النفاق
بالمدينة ليس إلا غير مسلم بل ظهوره إنما كان فيها والامتياز إلى ثلاث طوائف ثم لو سلم فلا إشكال بل يكون على أسلوب قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كما أنزلنا على المقتسمين إذا فسر باليهود ويراد به ما جرى على
بني قريظة فإنه إخبار عما سيقع وجعله كالواقع لتحققه وهو من الإعجاز لأنه وقع كذلك فكذا ما نحن فيه . نعم الثابت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه من طريق
محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقرأ الآية فسأله عنها فقال: أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم وليس في الروايات السابقة ما يكافئ هذه الرواية في الصحة وأمر (يثنون) عليها ظاهر خلا أنه إذا كان المراد بالأناس جماعة من المسلمين كما صرح به
الجلال السيوطي أشكل الأمر وذلك لأن الظاهر من حال
nindex.php?page=treesubj&link=27696المسلم إذا استحيا من ربه سبحانه فلم يكشف عورته مثلا في خلوة كان مقصوده مجرد إظهار الأدب مع الله تعالى مع علمه بأنه جل شأنه لا يحجب بصره حاجب ولا يمنع علمه شيء ومثل هذا الحياء أمر لا يكاد يذمه أحد بل في الآثار ما هو صريح في الأمر به وهو شعار كثير من كبار الأمة والقول بأن استحياء أولئك المسلمين كان مقرونا بالجهل بصفاته عز وجل فظنوا أن الثني يحجب عن الله سبحانه فرد عليهم بما رد لا أظنك تقبله وبالجملة الأمر على هذه الروايات لا يخلو عن إشكال ولا يكاد يندفع بسلامة الأمر والذي يقتضيه السياق ويستدعيه ربط الآيات كون الآية في المشركين حسبما تقدم فتدبر والله تعالى أعلم
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11الحبر رضي الله تعالى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وغيرهما (تثنوني) بالتاء لتأنيث الجمع وبالياء التحتية لأن التأنيث غير حقيقي وهو مضارع اثنوني كاحلولى فوزنه تفعوعل بتكرير العين وهو من أبنية المزيد الموضوعة للمبالغة لأنه يقال: حلى فإذا أريد المبالغة قيل احلولى وهو لازم فصدورهم فاعله ويراد منه ما أريد من المعاني في قراءة الجمهور إلا أن المبالغة ملحوظة في ذلك فيقال: المعنى مثلا تنحرف صدورهم انحرافا بليغا . وعن الحبر أيضا وعروة وغيرهما أنهم قرأوا (تثنون) بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الثاء وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون الأخيرة والأصل تثنونن بوزن تفعوعل من الثن بكسر الثاء وتشديد النون وهو ما هش وضعف من الكلأ أنشد
أبو زيد: يا أيها المفضل المعني إنك ريان فصمت عني
تكفي اللقوح أكلة من ثن
ولزم الإدغام لتكرير العين إذا كان غير ملحق و
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5صدورهم على هذه مرفوع أيضا على الفاعلية والمعنى على وصف قلوبهم بالسخافة والضعف كذلك النبت الضعيف فالصدور مجاز عما فيها من القلوب وجوز أن يكون مطاوع ثناه فإنه يقال: ثناه فانثنى واثنوني كما صرح به
ابن مالك في التسهيل فقال: وافعوعل للمبالغة وقد يوافق استفعل ويطاوع فعل ومثلوه بهذا الفعل فالمعنى أن صدورهم قبلت الثني ويؤول إلى معنى انحرفت
[ ص: 211 ] كما فسر به قراءة الجمهور . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وكذا
عروة الأعشى أنه قرأ (تثنئن) كتطمئن وأصله يثنان فقلبت الألف همزة مكسورة رغبة في عدم التقاء الساكنين وإن كان على حده ويقال في ماضيه اثنأن كاحمأر وابيأض وقيل: أصله تثنون بواو مكسورة فاستثقلت الكسرة على الواو فقلبت همزة كما قيل في وشاح إشاح وفي وسادة إسادة فوزنه على هذا تفوعل وعلى الأول تفعال ورجح باطراده وهو من الثن الكلأ الضعيف أيضا وقرئ (تثنوي) كترعوي ونسب ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا وغلط النقل بأنه لا حظ للواو في هذا الفعل إذ لا يقال: ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى ووزن ارعوى من غريب الأوزان وفي الصحاح تقديره افعول ووزنه افعلل وإنما لم يدغم لسكون الياء وتمام الكلام فيه يطلب من محله وقرئ بغير ذلك وأوصل بعضهم القراءات إلى ثلاث عشرة وفصلها في الدر المصون ومن غريبها أنه قرئ يثنون بالضم واستشكل ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني بأنه لا يقال: أثنيته بمعنى ثنيته ولم يسمع في غير هذه القراءة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : لا يعرف ذلك في اللغة إلا أن يقال: معناه عرضوها للانثناء كما تقول: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5ألا حين يستغشون ثيابهم أي يجعلونها أغشية ومنه قول
الخنساء أرعى النجوم وما كلفت رعيتها وتارة أتغشى فضل أطماري
وحاصله حين يأوون إلى فراشهم ويلتحفون بما يلتحف به النائم وهو وقت كثيرا ما يقع فيه حديث النفس عادة، وعن
ابن شداد حين يتغطون بثيابهم للاستخفاء وأيا ما كان فالمراد من الثياب معناه الحقيقي وقيل: المراد به الليل وهو يستر كما تستر الثياب ومن ذلك قولهم: الليل أخفى للويل، والظرف متعلق بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5يعلم أي ألا يعلم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5ما يسرون وما يعلنون حين يستغشون ثيابهم، ولا يلزم منه تقييد علم الله تعالى بذلك الوقت لأن من يعلم فيه يعلم في غيره بالطريق الأولى وجوز تعلقه بمحذوف وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14529السمين nindex.php?page=showalam&ids=14803وأبو البقاء يستخفون وبعضهم يريدون و (ما) في الموضعين إما مصدرية أو موصولة عائدها محذوف أي الذي يسرونه في قلوبهم والذي يعلنونه أي شيء كان ويدخل ما يقتضيه السياق دخولا أوليا وخصه بعضهم به وقدم هنا السر على العلن نعيا عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانا بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه وتحقيقا للمساواة بين العلمين على أبلغ وجه فكأن علمه سبحانه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه وحاصل المعنى يستوي بالنسبة إلى علمه المحيط سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه سبحانه ما عسى أن يظهروه
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس (على حين يستغشون) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية ومن هذا الاستعمال قول
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة: على حين عاتبت المشيب على الصبا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5إنه عليم بذات الصدور تعليل لما سبق وتقرير له والمراد - بذات الصدور - الأسرار المستكنة فيها أو القلوب التي في الصدور وأيا ما كان فليست الذات مقحمة كما في ذات غدوة ولا من إضافة المسمى إلى اسمه كما توهم أي أنه تعالى مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم أو بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها فكيف يخفى عليه ما يسرون وما يعلنون وكان التعبير بالجملة الاسمية للإشارة إلى أنه سبحانه لم يزل عالما بذلك وفيه دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=28781أنه تعالى يعلم الأشياء قبل وجودها الخارجي وهذا مما لا ينكره أحد سوى شرذمة من
المعتزلة قالوا: إنه تعالى إنما يعلم الأشياء بعد حدوثها تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولا يلزم هذا بعض المتكلمين المنكرين للوجود الذهني
[ ص: 212 ] لأنهم إذا لم يقولوا به مع إنكار الوجود الذهني يلزمهم القول بتعلق العلم بالمعدوم الصرف وامتناعه من أجل البديهيات والإنكار مكابرة أو جهل بمعنى التعلق بالمعدوم الصرف وقد أورد ذلك عليهم المحقق
الدواني وهو ناشئ على ما قيل عن الذهول عن معنى إنكار الوجود الذهني وبعد تحقيق المراد منه يندفع ذلك
وبيانه أنه ليس معنى إنكارهم ذلك أنه لا يحصل صورة عند العقل إذا تصورنا شيئا أو صدقنا به لأن حصولها عنده في الواقع بديهي لا ينكره إلا مكابر وكيف ينكره الجمهور والعلم الحادث مخلوق عندهم والخلق إنما يتعلق بأعيان الموجودات بل هو بمعنى أن ذلك الحصول ليس نحوا آخر من وجود الماهية المعلومة بأن يكون لماهية واحدة كالشمس مثلا وجودان أحدهما خارجي والآخر ذهني كما يقول به مثبتوه فهم لا ينكرون الوجود عن صور الأشياء وأشباحها وهي موجودات خارجية وكيفيات نفسانية وهي المخلوقة عندهم وإنما ينكرون الوجود الذهني عن أنفس تلك الأشياء وذلك بشهادة أدلتهم حيث قالوا: لو حصلت النار في الأذهان لاحترقت الأذهان بتصورها واللازم باطل فإنه كما ترى إنما ينفي الوجود عن نفس النار لا عن شبحها ومثالها، فالحق أن الجمهور إنما أنكروا ما ذهب إليه محققو الحكماء من أن الحاصل في الأذهان أنفس ماهيات الأشياء ولم ينكروا ما ذهب إليه أهل الأشباح وحينئذ يقال: علم الواجب عندهم إما تعلقه بأشباح الأشياء أو صفة ذات ذلك التعلق فلا يلزمهم القول بما قاله الشرذمة ولا يتجه عليهم أن التعلق بتلك الأشباح الموجودة في الأزل لكونه نسبة بينها وبينه تعالى متأخر عنها فيلزم إيجاد تلك الأشباح بلا علم وهو محال لأنا نقول لما كان الواجب (1) تعالى موجبا في علمه وسائر صفاته الذاتية كان وجود تلك الصور الإدراكية التي هي تلك الأشباح مقتضى ذاته تعالى فلا بأس في كونها سابقة على العلم بالذات وإنما المسبوق بالعلم هو أفعاله الاختيارية ثم ينبغي أن يعلم أنه ليس معنى قولهم: إن علم الواجب تبارك وتعالى بالأشياء أزلي وتعلقه بها حادث أنه ليس هناك إلا تعلق حادث لأنه يلزم حدوث نفس العلم فيعود ما ارتكبه الشرذمة للقطع بأنه لا يصير المعلوم معلوما قبل تعلق العلم به وهو من الفساد بمكان بل معناه أن التعلق الذي لا تقتضيه حقيقة العلم حادث وهناك تعلق تقتضيه تلك الحقيقة وهو قديم وذلك لأن الأشباح والأمثال معلومة بالذات وبواسطتها تعلم الأشياء فتعلق العلم عندهم أعم من تعلقه بذات الشيء المعلوم أو بمثاله وشبحه ولما لم يكن وجود الحوادث في الأزل كان العلم الممكن بالنسبة إليها بالتعلق بأمثالها وأشباحها وبعد حدوثها يتجدد التعلق بأن يكون بذات تلك الحوادث وبالجملة تعلق العلم بأمثال الحوادث وأشباحها أزلي وبأنفسها وذواتها حادث ولا إشكال فيه أصلا وبهذا التحقيق يندفع شبهات كثيرة كما قيل لكن أورد عليه أن برهان التطبيق جار في هاتيك الأشباح لما أنها متميزة الآحاد في نفس الأمر فيلزم أحد المحذورين
وفي المقام أبحاث طويلة الذيل وقد بسط الكلام في ذلك مولانا
إسماعيل أفندي الكلنبوي في حواشيه على شرح العضدية وللمولى الشيخ
إبراهيم الكوراني تحقيق على طرز آخر ذكره في كتابه مطلع الجود فارجع إليه، وبالجملة لا تخفى صعوبة هذه المسألة وهي مما زلت فيها أقدام أقوام ولعل الله سبحانه يرزقك تحقيقها بمنه سبحانه وقد قال به أفضل المتأخرين مولانا
إسماعيل أفندي الكلنبوي
تم الجزء الحادي عشر بحول الله وقوته ويليه الجزء الثاني عشر وأوله (وما من دابة 12)
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30612_34091_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ كَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَا أَلْقَى إِلَيْهِمْ مَا أَلْقَى وَسِيقَ إِلَيْهِمْ مَا سِيقَ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَقَعَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَنَّهُمْ بَعْدَمَا سَمِعُوا مِثْلَ هَذَا الْمَقَالِ الَّذِي تَخِرُّ لَهُ صُمُّ الْجِبَالِ هَلْ قَابَلُوهُ بِالْإِقْبَالِ أَمْ تَمَادَوْا فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِعْرَاضِ وَالضَّلَالِ فَقِيلَ مُصَدَّرًا بِكَلِمَةِ التَّنْبِيهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مِنْ هَنَاتِهِمْ أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ (أَلَا إِنَّهُمْ) إِلَخْ فَضَمِيرُ (إِنَّهُمْ) لِلْمُشْرِكِينَ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَ (يَثْنُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مُضَارِعُ ثَنَى الشَّيْءَ إِذَا لَوَاهُ وَعَطَفَهُ وَمِنْهُ عَلَى مَا قِيلَ الِاثْنَانِ لِعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالثَّنَاءُ لِعَطْفِ الْمَنَاقِبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالْإِخْرَاجِ وَأَصْلُهُ يَثْنِيُونَ فَأُعِلَّ الْإِعْلَالَ الْمَعْرُوفَ فِي نَحْوِ يَرْمُونَ وَفِي الْمُرَادِ مِنْهُ احْتِمَالَاتٌ مِنْهَا أَنَّ الثَّنْيَ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْحَقِّ لِأَنَّ مَنْ أَقْبَلَ عَلَى شَيْءٍ وَاجَهَهُ بِصَدْرِهِ وَمَنْ أَعْرَضَ صَرَفَهُ عَنْهُ أَيْ أَنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَيَتَحَرَّفُونَ عَنْهُ وَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) إِلَخْ وَمِنْهَا أَنَّهُ مَجَازٌ عَنِ الْإِخْفَاءِ لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ دَاخِلَ الصَّدْرِ فَهُوَ خَفِيٌّ أَيْ أَنَّهُمْ يُضْمِرُونَ الْكُفْرَ وَالتَّوَلِّيَ عَنِ الْحَقِّ وَعَدَاوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلُوا ذَلِكَ وَوَلَّوْهُ ظُهُورَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ - بِيَثْنُونَ - عَلَى سَائِرِ الِاحْتِمَالَاتِ وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ رَأَى عَدَمَ صِحَّةِ التَّعَلُّقِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لَمَّا أَنَّ التَّوَلِّيَ عَنِ الْحَقِّ لَا يَصْلُحُ تَعْلِيلُهُ بِالِاسْتِخْفَاءِ لِعَدَمِ السَّبَبِيَّةِ فَقَدَّرَ لِذَلِكَ مُتَعَلِّقًا فِعْلَ الْإِرَادَةِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَيْ وَيُرِيدُونَ لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُطْلِعُ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَغْرَاضِهِمْ وَجَعَلَهُ فِي قَوْدِ الْمَعْنَى إِلَيْهِ مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ انْسِيَاقَ الذِّهْنِ إِلَى تَوْسِيطِ الْإِرَادَةِ بَيْنَ ثَنْيِ الصُّدُورِ وَالِاسْتِخْفَاءِ لَيْسَ بِمَثَابَةِ انْسِيَاقِهِ إِلَى تَوْسِيطِ الضَّرْبِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالِانْفِلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَسْطَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ إِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّقْدِيرِ فِي الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ انْحِرَافَهُمْ عَنِ الْحَقِّ بِقُلُوبِهِمْ وَعَطْفَ صُدُورِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّوَلِّيَ وَعَدَاوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمَ إِظْهَارِهِمْ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِخْفَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِجَهْلِهِمْ بِمَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّقْدِيرِ إِلَّا أَنْ يُعَادَ الضَّمِيرُ مِنْهُ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28861الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا إِذَا لَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطَامَنُوا وَثَنَوْا صُدُورَهُمْ كَالْمُسْتَتِرِ وَرَدُّوا إِلَيْهِ ظُهُورَهُمْ وَغَشُوا وُجُوهَهُمْ بِثِيَابِهِمْ تَبَاعُدًا مِنْهُ وَكَرَاهَةً لِلِقَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ يَقْتَضِي عَوْدَ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ تَعَالَى . وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ وَأَمْرُ التَّعْلِيلِ وَالضَّمِيرُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَأَيَّدَهُ بِمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْمَنْطِقِ حَسَنَ السِّيَاقِ لِلْحَدِيثِ يُظْهِرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَحَبَّةَ وَيُضْمِرُ فِي قَلْبِهِ مَا يُضَادُّهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِمَا سَمِعْتَ عَنْ
أَبِي حَيَّانَ [ ص: 210 ] وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْكُفَّارِ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيُرْخِي سِتْرَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَتَغَشَّى بِثَوْبِهِ وَيَقُولُ: هَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قَلْبِي؟ فَنَزَلَتْ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَنَى صَدْرَهُ وَتَغَشَّى لِئَلَّا يَرَاهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ
أَبِي حَيَّانَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْكُفَّارِ دُونَ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَ عَلَى هَذَا مِنْ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالنِّفَاقُ إِنَّمَا حَدَثَ
بِالْمَدِينَةِ فَكَيْفَ يَتَسَنَّى الْقَوْلُ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ؟ وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنِّفَاقِ ظَاهِرَهُ بَلْ مَا كَانَ يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ مُدَارَاةٌ تُشْبِهُ النِّفَاقَ وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ حَدِيثَ حُدُوثِ النِّفَاقِ
بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ إِلَّا غَيْرَ مُسَلَّمٍ بَلْ ظُهُورُهُ إِنَّمَا كَانَ فِيهَا وَالِامْتِيَازُ إِلَى ثَلَاثِ طَوَائِفَ ثُمَّ لَوْ سَلِمَ فَلَا إِشْكَالَ بَلْ يَكُونُ عَلَى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ إِذَا فُسِّرَ بِالْيَهُودِ وَيُرَادُ بِهِ مَا جَرَى عَلَى
بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُ إِخْبَارٌ عَمَّا سَيَقَعُ وَجَعَلَهُ كَالْوَاقِعِ لِتَحَقُّقِهِ وَهُوَ مِنَ الْإِعْجَازِ لِأَنَّهُ وَقَعَ كَذَلِكَ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ . نَعَمِ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13508وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ الْآيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ مَا يُكَافِئُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الصِّحَّةِ وَأَمْرُ (يَثْنُونَ) عَلَيْهَا ظَاهِرٌ خَلَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْأُنَاسِ جَمَاعَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ أَشْكَلَ الْأَمْرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ
nindex.php?page=treesubj&link=27696الْمُسْلِمِ إِذَا اسْتَحْيَا مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ فَلِمَ يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ مَثَلًا فِي خَلْوَةٍ كَانَ مَقْصُودُهُ مُجَرَّدَ إِظْهَارِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَا يَحْجُبُ بَصَرَهُ حَاجِبٌ وَلَا يَمْنَعُ عِلْمَهُ شَيْءٌ وَمِثْلُ هَذَا الْحَيَاءِ أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَذُمُّهُ أَحَدٌ بَلْ فِي الْآثَارِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَهُوَ شِعَارُ كَثِيرٍ مِنْ كِبَارِ الْأُمَّةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ اسْتِحْيَاءَ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مَقْرُونًا بِالْجَهْلِ بِصِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَظَنُّوا أَنَّ الثَّنْيَ يُحْجَبُ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا رَدَّ لَا أَظُنُّكَ تَقْبَلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْرُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لَا يَخْلُو عَنْ إِشْكَالٍ وَلَا يَكَادُ يَنْدَفِعُ بِسَلَامَةِ الْأَمْرِ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ وَيَسْتَدْعِيهِ رَبْطُ الْآيَاتِ كَوْنُ الْآيَةِ فِي الْمُشْرِكِينَ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فَتَدَبَّرْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11الْحَبْرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا (تَثْنُونِي) بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ وَبِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَهُوَ مُضَارِعُ اثْنُونِيَ كَاحْلَوْلَى فَوَزْنَهُ تَفْعَوْعَلَ بِتَكْرِيرِ الْعَيْنِ وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمَزِيدِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ: حَلَى فَإِذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ قِيلَ احْلَوْلَى وَهُوَ لَازِمٌ فَصُدُورُهُمْ فَاعِلُهُ وَيُرَادُ مِنْهُ مَا أُرِيدَ مِنَ الْمَعَانِي فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ إِلَّا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ مَلْحُوظَةٌ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ: الْمَعْنَى مَثَلًا تَنْحَرِفُ صُدُورُهُمُ انْحِرَافًا بَلِيغًا . وَعَنِ الْحَبْرِ أَيْضًا وَعُرْوَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ قَرَأُوا (تَثْنُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَسُكُونِ الثَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأَخِيرَةِ وَالْأَصْلُ تَثْنُونَنِ بِوَزْنِ تَفْعَوْعَلَ مِنَ الثِّنِّ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهُوَ مَا هَشَّ وَضَعُفَ مِنَ الْكَلَأِ أَنْشَدَ
أَبُو زَيْدٍ: يَا أَيُّهَا الْمُفَضَّلُ الْمَعْنِيُّ إِنَّكَ رَيَّانُ فَصُمْتَ عَنِّي
تَكْفِي اللَّقُوحَ أَكْلَةٌ مِنْ ثِنِّ
وَلَزِمَ الْإِدْغَامُ لِتَكْرِيرِ الْعَيْنِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُلْحَقٍ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5صُدُورَهُمْ عَلَى هَذِهِ مَرْفُوعٌ أَيْضًا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَعْنَى عَلَى وَصْفِ قُلُوبِهِمْ بِالسَّخَافَةِ وَالضَّعْفِ كَذَلِكَ النَّبْتُ الضَّعِيفُ فَالصُّدُورُ مَجَازٌ عَمَا فِيهَا مِنَ الْقُلُوبِ وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مُطَاوِعَ ثَنَاهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ: ثَنَاهُ فَانْثَنَى وَاثْنُونِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ
ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ فَقَالَ: وَافْعَوْعَلَ لِلْمُبَالَغَةِ وَقَدْ يُوَافِقُ اسْتَفْعَلَ وَيُطَاوِعُ فِعْلٌ وَمَثَّلُوهُ بِهَذَا الْفِعْلِ فَالْمَعْنَى أَنَّ صُدُورَهُمْ قَبِلَتِ الثَّنْيَ وَيُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى انْحَرَفَتْ
[ ص: 211 ] كَمَا فَسَّرَ بِهِ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَكَذَا
عُرْوَةُ الْأَعْشَى أَنَّهُ قَرَأَ (تَثْنَئِنُّ) كَتَطْمَئِنُّ وَأَصْلُهُ يَثْنَانُ فَقُلِبَتِ الْأَلِفُ هَمْزَةً مَكْسُورَةً رَغْبَةً فِي عَدَمِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَإِنْ كَانَ عَلَى حَدِّهِ وَيُقَالُ فِي مَاضِيهِ اثْنَأَنَّ كَاحْمَأَرَّ وَابْيَأَضَّ وَقِيلَ: أَصْلُهُ تَثْنُونَ بِوَاوٍ مَكْسُورَةٍ فَاسْتُثْقِلَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى الْوَاوِ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً كَمَا قِيلَ فِي وِشَاحٍ إِشَاحٌ وَفِي وِسَادَةٍ إِسَادَةٌ فَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا تَفَوْعَلَ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَفْعَالَ وَرُجِّحَ بِاطِّرَادِهِ وَهُوَ مِنَ الثِّنِّ الْكَلَأِ الضَّعِيفِ أَيْضًا وَقُرِئَ (تَثْنَوِي) كَتَرْعَوِي وَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَغَلَطَ النَّقْلُ بِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْوَاوِ فِي هَذَا الْفِعْلِ إِذْ لَا يُقَالُ: ثَنَوْتُهُ فَانْثَوَى كَرَعَوْتُهُ فَارْعَوَى وَوَزْنُ ارْعَوَى مِنْ غَرِيبِ الْأَوْزَانِ وَفِي الصِّحَاحِ تَقْدِيرُهُ افْعَوَلَ وَوَزْنُهُ افْعَلَلَّ وَإِنَّمَا لَمْ يُدْغَمْ لِسُكُونِ الْيَاءِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ يُطْلَبُ مِنْ مَحَلِّهِ وَقُرِئَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَأَوْصَلَ بَعْضُهُمُ الْقِرَاءَاتِ إِلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفَصَّلَهَا فِي الدُّرِّ الْمَصُونِ وَمِنْ غَرِيبِهَا أَنَّهُ قُرِئَ يُثْنُونَ بِالضَّمِّ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: أَثْنَيْتُهُ بِمَعْنَى ثَنَيْتُهُ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ : لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ عَرَّضُوهَا لِلِانْثِنَاءِ كَمَا تَقُولُ: أَبِعْتَ الْفَرَسَ إِذَا عَرَضْتَهُ لِلْبَيْعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ أَيْ يَجْعَلُونَهَا أَغْشِيَةً وَمِنْهُ قَوْلُ
الْخَنْسَاءِ أَرْعَى النُّجُومَ وَمَا كُلِّفْتُ رَعِيَّتَهَا وَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطَمَارِي
وَحَاصِلُهُ حِينَ يَأْوُونَ إِلَى فِرَاشِهِمْ وَيَلْتَحِفُونَ بِمَا يَلْتَحِفُ بِهِ النَّائِمُ وَهُوَ وَقْتٌ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ حَدِيثُ النَّفْسِ عَادَةً، وَعَنِ
ابْنِ شَدَّادٍ حِينَ يَتَغَطَّوْنَ بِثِيَابِهِمْ لِلِاسْتِخْفَاءِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمُرَادُ مِنَ الثِّيَابِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ اللَّيْلُ وَهُوَ يَسْتُرُ كَمَا تَسْتُرُ الثِّيَابُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمُ: اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ، وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5يَعْلَمُ أَيْ أَلَا يَعْلَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْيِيدُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ فِيهِ يَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَجُوِّزَ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14529السَّمِينُ nindex.php?page=showalam&ids=14803وَأَبُو الْبَقَاءِ يَسْتَخْفُونَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُونَ وَ (مَا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِمَّا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ عَائِدُهَا مَحْذُوفٌ أَيِ الَّذِي يُسِرُّونَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَالَّذِي يُعْلِنُونَهُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ وَيَدْخُلُ مَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِهِ وَقُدِّمَ هُنَا السِّرُّ عَلَى الْعَلَنِ نَعْيًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا صَنَعُوا وَإِيذَانًا بِافْتِضَاحِهِمْ وَوُقُوعِ مَا يَحْذَرُونَهُ وَتَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْعِلْمَيْنِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ فَكَأَنَّ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ بِمَا يُسِرُّونَهُ أَقْدَمُ مِنْهُ بِمَا يُعْلِنُونَهُ وَحَاصِلُ الْمَعْنَى يَسْتَوِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ الْمُحِيطِ سِرَّهُمْ وَعَلَنَهُمْ فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مَا عَسَى أَنْ يُظْهِرُوهُ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ (عَلَى حِينِ يَسْتَغْشُونَ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابْنُ عَطِيَّةَ وَمِنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8572النَّابِغَةِ: عَلَى حِينِ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ تَعْلِيلٌ لِمَا سَبَقَ وَتَقْرِيرٌ لَهُ وَالْمُرَادُ - بِذَاتِ الصُّدُورِ - الْأَسْرَارُ الْمُسْتَكِنَّةُ فِيهَا أَوِ الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَتِ الذَّاتُ مُقْحَمَةً كَمَا فِي ذَاتِ غَدْوَةٍ وَلَا مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى اسْمِهِ كَمَا تُوُهِّمَ أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى مُبَالِغٌ فِي الْإِحَاطَةِ بِمُضْمَرَاتِ جَمِيعِ النَّاسِ وَأَسْرَارِهِمْ أَوْ بِالْقُلُوبِ وَأَحْوَالِهَا فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِهَا فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28781أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُجُودِهَا الْخَارِجِيِّ وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ سِوَى شِرْذِمَةٍ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ حُدُوثِهَا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَا يَلْزَمُ هَذَا بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ
[ ص: 212 ] لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَقُولُوا بِهِ مَعَ إِنْكَارِ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ يَلْزَمُهُمُ الْقَوْلُ بِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْمَعْدُومِ الصِّرْفِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ أَجْلِ الْبَدِيهِيَّاتِ وَالْإِنْكَارُ مُكَابَرَةٌ أَوْ جَهْلٌ بِمَعْنَى التَّعَلُّقِ بِالْمَعْدُومِ الصِّرْفِ وَقَدْ أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمُ الْمُحَقِّقُ
الدَّوَانِيُّ وَهُوَ نَاشِئٌ عَلَى مَا قِيلَ عَنِ الذُّهُولِ عَنْ مَعْنَى إِنْكَارِ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَبَعْدَ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ مِنْهُ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ
وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى إِنْكَارِهِمْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ صُورَةٌ عِنْدَ الْعَقْلِ إِذَا تَصَوَّرْنَا شَيْئًا أَوْ صَدَّقْنَا بِهِ لِأَنَّ حُصُولَهَا عِنْدَهُ فِي الْوَاقِعِ بَدِيهِيٌّ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مُكَابِرٌ وَكَيْفَ يُنْكِرُهُ الْجُمْهُورُ وَالْعِلْمُ الْحَادِثُ مَخْلُوقٌ عِنْدَهُمْ وَالْخَلْقُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ الْمَوْجُودَاتِ بَلْ هُوَ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُصُولَ لَيْسَ نَحْوًا آخَرَ مِنْ وُجُودِ الْمَاهِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِمَاهِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالشَّمْسِ مَثَلًا وُجُودَانِ أَحَدُهُمَا خَارِجِيٌّ وَالْآخَرُ ذِهْنِيٌّ كَمَا يَقُولُ بِهِ مُثْبِتُوهُ فَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ الْوُجُودَ عَنْ صُوَرِ الْأَشْيَاءِ وَأَشْبَاحِهَا وَهِيَ مَوْجُودَاتٌ خَارِجِيَّةٌ وَكَيْفِيَّاتٌ نَفْسَانِيَّةٌ وَهِيَ الْمَخْلُوقَةُ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ عَنْ أَنْفُسِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَذَلِكَ بِشَهَادَةِ أَدِلَّتِهِمْ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ حَصَلَتِ النَّارُ فِي الْأَذْهَانِ لَاحْتَرَقَتِ الْأَذْهَانُ بِتَصَوُّرِهَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ كَمَا تَرَى إِنَّمَا يَنْفِي الْوُجُودَ عَنْ نَفْسِ النَّارِ لَا عَنْ شَبَحِهَا وَمِثَالِهَا، فَالْحَقُّ أَنَّ الْجُمْهُورَ إِنَّمَا أَنْكَرُوا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَقِّقُو الْحُكَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْأَذْهَانِ أَنْفُسُ مَاهِيَّاتِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يُنْكِرُوا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْأَشْبَاحُ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: عِلْمُ الْوَاجِبِ عِنْدَهُمْ إِمَا تَعَلُّقُهُ بِأَشْبَاحِ الْأَشْيَاءِ أَوْ صِفَةُ ذَاتِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فَلَا يَلْزَمُهُمُ الْقَوْلُ بِمَا قَالَهُ الشِّرْذِمَةُ وَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِتِلْكَ الْأَشْبَاحِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَزَلِ لِكَوْنِهِ نِسْبَةً بَيْنِهَا وَبَيْنَهُ تَعَالَى مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا فَيَلْزَمُ إِيجَادُ تِلْكَ الْأَشْبَاحِ بِلَا عِلْمٍ وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ (1) تَعَالَى مُوجِبًا فِي عِلْمِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ كَانَ وُجُودُ تِلْكَ الصُّوَرِ الْإِدْرَاكِيَّةِ الَّتِي هِيَ تِلْكَ الْأَشْبَاحُ مُقْتَضَى ذَاتِهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ فِي كَوْنِهَا سَابِقَةً عَلَى الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا الْمَسْبُوقُ بِالْعِلْمِ هُوَ أَفْعَالُهُ الِاخْتِيَارِيَّةُ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ عِلْمَ الْوَاجِبِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ أَزَلِيٌّ وَتَعَلُّقَهُ بِهَا حَادِثٌ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا تَعَلُّقٌ حَادِثٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حُدُوثُ نَفْسِ الْعِلْمِ فَيَعُودُ مَا ارْتَكَبَهُ الشِّرْذِمَةُ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمَعْلُومُ مَعْلُومًا قَبْلَ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مِنَ الْفَسَادِ بِمَكَانٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّعَلُّقَ الَّذِي لَا تَقْتَضِيهِ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ حَادِثٌ وَهُنَاكَ تَعَلُّقٌ تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَهُوَ قَدِيمٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْبَاحَ وَالْأَمْثَالَ مَعْلُومَةٌ بِالذَّاتِ وَبِوَاسِطَتِهَا تُعْلَمُ الْأَشْيَاءُ فَتَعَلُّقُ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِذَاتِ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ أَوْ بِمِثَالِهِ وَشَبَحِهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ وُجُودٌ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ كَانَ الْعِلْمُ الْمُمْكِنُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا بِالتَّعَلُّقِ بِأَمْثَالِهَا وَأَشْبَاحِهَا وَبَعْدَ حُدُوثِهَا يَتَجَدَّدُ التَّعَلُّقُ بِأَنْ يَكُونَ بِذَاتِ تِلْكَ الْحَوَادِثِ وَبِالْجُمْلَةِ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِأَمْثَالِ الْحَوَادِثِ وَأَشْبَاحِهَا أَزَلِيٌّ وَبِأَنْفُسِهَا وَذَوَاتِهَا حَادِثٌ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ أَصْلًا وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَنْدَفِعُ شُبَهَاتٌ كَثِيرَةٌ كَمَا قِيلَ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ بُرْهَانَ التَّطْبِيقِ جَارٍ فِي هَاتِيكَ الْأَشْبَاحِ لَمَّا أَنَّهَا مُتَمَيِّزَةُ الْآحَادِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْمَحْذُورَيْنِ
وَفِي الْمَقَامِ أَبْحَاثٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ وَقَدْ بَسَّطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ مَوْلَانَا
إِسْمَاعِيلُ أَفَنْدِيٍّ الْكَلْنَبَوِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْعَضُدِيَّةِ وَلِلْمَوْلَى الشَّيْخِ
إِبْرَاهِيمَ الْكُورَانِيِّ تَحْقِيقٌ عَلَى طَرْزٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مَطْلَعِ الْجُودِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا تَخْفَى صُعُوبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مِمَّا زَلَّتْ فِيهَا أَقْدَامُ أَقْوَامٍ وَلَعَلَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَرْزُقُكَ تَحْقِيقَهَا بِمَنِّهِ سُبْحَانَهُ وَقَدْ قَالَ بِهِ أَفْضَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَوْلَانَا
إِسْمَاعِيلُ أَفَنْدِيٍّ الْكَلْنَبَوِيُّ
تَمَّ الْجُزْءُ الْحَادِيَ عَشَرَ بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِيَ عَشَرَ وَأَوَّلُهُ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ 12)