وقيل: المراد إن فيما ذكر دليلا على عذاب المجرمين في الآخرة لأنهم إذا عذبوا في الدنيا لإجرامهم -وهي دار العمل- فلأن يعذبوا في الآخرة عليه -وهي دار الجزاء- أولى، وقيل: المراد إن فيه دليلا على البعث والجزاء، وذلك أن الأنبياء عليهم السلام قد أخبروا باستئصال من كذبهم وأشرك بالله ووقع ما أخبروا به وفق إخبارهم، وذلك أحد الشواهد على صدقهم فيكونون صادقين فيما يخبرون به من البعث والجزاء فلا بد أن يقع لا محالة، والتقييد بما ذكر هنا كالتقييد في قوله سبحانه: (هدى للمتقين) وهو كما ترى (ذلك) إشارة إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة يوم مجموع له الناس أي يجمع له الناس للمحاسبة والجزاء، فالناس نائب فاعل مجموع.
وأجاز أن يكون مبتدأ و (مجموع) خبره، وفيه بعد إذ الظاهر حينئذ أن يكون مجموعا وعدل عن الفعل -وكان الظاهر- ليدل الكلام على ثبوت معنى الجمع وتحقق وقوعه لا محالة وأن الناس لا ينفكون عنه فهو أبلغ من قوله تعالى: ابن عطية يوم يجمعكم ليوم الجمع وإيضاحه أن في هذا دلالة على لزوم الوصف ولزوم الإسناد، وفي ذلك على حدوث تعلق الجمع بالمخاطبين واختصاصه باليوم، ولهذا استدركه بقوله: الجمع فأضاف اليوم إليه ليدل على لزومه له وإنما الحادث جمع الأولين والآخرين دفعة وذلك أي يوم القيامة مع ملاحظة عنوان جمع الناس له يوم مشهود أي مشهود فيه فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به كما في قوله:
ويوما شهدناه سليما وعامرا قليل سوى طعن الدراك نوافله
أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد وإنما لم يجعل نفس اليوم مشهودا بل جعل مشهودا فيه ولم يذكر المشهود تهويلا وتعظيما أن يجري على اللسان وذهابا إلى أن لا مجال لالتفات الذهن إلى غيره، وقد يقال: المشهود هو الذي كثر شاهدوه، ومنه قولهم: لفلان مجلس مشهود وطعام محضور، ولأم قيس الضبية:ومشهد قد كفيت الناطقين به في محفل من نواصي الناس مشهود