الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلما رأى أي السيد وقيل: الشاهد، والفعل من الرؤية البصرية أو القلبيه أي فلما علم قميصه قد من دبر قال إنه [ ص: 224 ] أي هذا القد والشق كما قال الضحاك من كيدكن أي ناشئ من احتيالكن أيتها النساء ومكركن ومسبب عنه، وهذا تكذيب لها وتصديق له عليه السلام على ألطف وجه كأنه قيل: أنت التي راودتيه فلم يفعل وفر فاجتذبتيه فشققت قميصه فهو الصادق في إسناد المراودة إليك وأنت الكاذبة في نسبة السوء إليه، وقيل: الضمير للأمر الذي وقع فيه التشاجر وهو عبارة عن إرادة السوء التي أسندت إلى يوسف عليه السلام وتدبير عقوبته بقولها ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلخ، أي إن ذلك من جنس مكركن واحتيالكن، وقيل: هو للسوء وهو نفسه وإن لم يكن احتيالا لكنه يلازمه، وقال الماوردي: هو لهذا الأمر وهو طمعها في يوسف عليه السلام، وجعله من الحيلة مجاز أيضا كما في الوجه الذي قبله، وقال الزجاج: هو لقولها ما جزاء إلخ فقط، واختار العلامة أبو السعود القيل الأول وتكلف له بما تكلف واعترض على ما بعده من الأقوال بما اعترض.

                                                                                                                                                                                                                                      ولعل ما ذكرناه أقرب للذوق وأقل مؤنة مما تكلف له، وأيا ما كان فالخطاب عام للنساء مطلقا وكونه لها ولجواريها -كما قيل- ليس بذاك، وتعميم الخطاب للتنبيه على أن الكيد خلق لهن عريق:


                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحسبا هندا لها الغدر وحدها سجية نفس كل غانية هند

                                                                                                                                                                                                                                      إن كيدكن عظيم فإنه ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيرا في النفس ولأن ذلك قد يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال، ولربات القصور منهن القدح المعلى من ذلك لأنهن أكثر تفرغا من غيرهن مع كثرة اختلاف الكيادات إليهن فهن جوامع كوامل، ولعظم كيد النساء اتخذهن إبليس عليه اللعنة وسائل لإغواء من صعب عليه إغواؤه، ففي الخبر "ما أيس الشيطان من أحد إلا أتاه من جهة النساء" وحكي عن بعض العلماء أنه قال: أنا أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان فإنه تعالى يقول: إن كيد الشيطان كان ضعيفا وقال للنساء: إن كيدكن عظيم ولأن الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به، ولا يخفى أن استدلاله بالآيتين مبني على ظاهر إطلاقهما، ومثله ما تنقبض له النفس وتنبسط يكفي فيه ذلك القدر فلا يضر كون ضعف كيد الشيطان إنما هو في مقابلة كيد الله تعالى، وعظم كيدهن إنما هو بالنسبة إلى كيد الرجال، وما قيل: إن ما ذكر لكونه محكيا عن قطفير -لا يصلح للاستدلال به بوجه من الوجوه- ليس بشيء لأنه سبحانه قصه من غير نكير فلا جناح في الاستدلال به كما لا يخفى

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية