وقرأ الحسن بالفتح وهو على ذلك اسم جمع كالسعدان لا جمع تكسير لأنه ليس من أبنيته وقرأ وقتادة ( جنات ) بالنصب عطفا عند بعض على زوجين مفعول الحسن جعل و ( من كل الثمرات ) حينئذ حال مقدمة لا صلة جعل لفساد المعنى عليه أي جعل فيها زوجين حال كونه من كل الثمرات وجنات من أعناب ولا يجب هنا تقييد المعطوف عليه .
وزعم بعضهم أن العطف على رواسي وقال : الأولى إضمار فعل لبعد ما بين المتعاطفين أو بالجر عطفا على أبو حيان كل الثمرات على أن يكون هو مفعولا بزيادة من في الإثبات و زوجين اثنين حالا منه والتقدير وجعل فيها من كل الثمرات حال كونها صنفين فلعل عدم نظم قوله تعالى : وفي الأرض قطع متجاورات في هذا السلك مع أن اختصاص ( كل ) من تلك القطع بما لها من الأحوال والصفات بمحض خلق الخالق الحكيم جلت قدرته حين مد الأرض ودحاها على ما قيل الإيماء إلى كون تلك الأحوال صفات راسخة لتلك القطع وقرأ جمع من السبعة وزرع ونخيل بالجر على أن العطف على أعناب وهو كما في الكشف من باب متقلدا سيفا ورمحا أو المراد أن في الجنات فرجا مزروعة بين الأشجار وإلا فلا يقال للمزرعة وحدها جنة وهذا أحسن منظرا وأنزه وادعى أن في جعل الجنة من الأعناب تجوزا لأن الجنة في الحقيقة هي الأرض التي فيها الأعناب أبو حيان ويسقى أي ما ذكر من القطع والجنات والزرع والنخيل وقرأ أكثر السبعة بالتأنيث مراعاة للفظ وهي قراءة الحسن وأبي جعفر قيل : والأول أوفق بمقام بيان اتحاد الكل في حالة السقي بماء واحد لا اختلاف في طبعه سواء كان السقي من ماء الأمطار أو من ماء الأنهار وقيل : إن الثاني أوفق بقوله سبحانه : ونفضل أي مع وجود أسباب التشابه بمحض قدرتنا وإحساننا [ ص: 103 ] بعضها على بعض آخر منها في الأكل لمكان التأنيث وأمال فتحة القاف حمزة والأكل بضم الهمزة والكاف وجاء تسكينها ما يؤكل وهو هنا الثمر والحب وقول بعضهم : أي في الثمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما من باب التغليب وقرأ والكسائي حمزة ( يفضل ) بالياء على بناء الفاعل ردا على ( يدبر ) و ( يفصل ) و ( يغشي ) وقرأ والكسائي وهو أول من نقط المصحف يحيى بن يعمر وأبو حيوة والحلبي عن عبد الوارث بالياء على بناء المفعول ورفع بعضها وفيه ما لا يخفى من الفخامة والدلالة على أن عدم احتمال استناد الفعل إلى فاعل آخر مغن عن بناء الفعل للفاعل إن في ذلك الذي فصل من أحوال القطع وغيرها لآيات كثيرة عظيمة باهرة لقوم يعقلون . (4) . يعملون على قضية عقولهم فإن من عقل هاتيك الأحوال العجيبة وخروج الثمار المختلفة في الأشكال والألوان والطعوم والروائح في تلك القطع المتباينة المتلاصقة مع اتخاذ ما تسقى به بل وسائر أسباب نموها لا يتلعثم في الجزم بأن لذلك صانعا حكيما قادرا مدبرا لها لا يعجزه شيء وقيل : المراد أن من عقل ذلك لا يتوقف في الجزم بأن من قدر على إبداع ما ذكر قادر على إعادة ما أبداه بل هي أهون في القياس ولعل ما ذكره أولى ثم إن الأحوال وإن كانت هي الآيات أنفسها لا أنها فيها إلا أنها قد جردت عنها أمثالها مبالغة في كونه آية ففي تجريدية مثلها في قوله تعالى : لهم فيها دار الخلد على المشهور وجوز أن يكون المشار إليه الأحوال الكلية والآيات أفرادها الحادثة شيئا فشيئا في الأزمنة وآحادها الواقعة في الأقطار والأمكنة المشاهدة لأهلها ففي على معناها ومنهم من فسر الآيات بالدلالات لتبقى في على ذلك وهو كما ترى وحيث كانت دلالة هذه الأحوال على مدلولاتها أظهر مما سبق علق سبحانه كونها آيات بمحض التعقل كما قال وغيره ولذلك على ما قيل لم يتعرض جل شأنه لغير تفضيل بعضها على بعض في الأكل الظاهر لكل عاقل مع تحقق ذلك في الخواص والكيفيات مما يتوقف العثور عليه على نوع تأمل وتفكر كأنه لا حاجة إلى التفكر في ذلك أيضا وفيه تعريض بأن المشركين غير عاقلين ولبعض الرجاز فيما تشير إليه الآية : أبو حيان
والأرض فيها عبرة للمعتبر تخبر عن صنع مليك مقتدر
تسقى بماء واحد أشجارها
وبقعة واحدة قرارها
والشمس والهواء ليس يختلف
وأكلها مختلف لا يأتلف
لو أن ذا من عمل الطبائع
أو أنه صنعة غير صانع
لم يختلف وكان شيئا واحدا
هل يشبه الأولاد إلا الوالدا
الشمس والهواء يا معاند
والماء والتراب شيء واحد
فما الذي أوجب ذا التفاضلا
إلا حكيم لم يرده باطلا
وأخرج عن ابن جرير في هذه الآية أنه قال : هذا الحسن آدم كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فسطحها وبطحها فصارت قطعا متجاورة فينزل عليها الماء فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها وتخرج نباتها وتخرج هذه سبخها وملحها وخبثها وكلتاهما تسقى بماء واحد فلو كان الماء ملحا قيل إنما استسبخت هذه من قبل الماء كذلك الناس خلقوا من مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم عليه السلام فينزل عليهم من السماء [ ص: 104 ] تذكرة فترق قلوب فتخشع وتخضع وتقسو قلوب فتلهو وتسهو ثم قال : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله تعالى : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا . اهـ . قال وهو شبيه بكلام الصوفية أبو حيان