وقال : اللام في قوله تعالى : الزمخشري للذين استجابوا متعلقة بـ يضرب الله الأمثال وقوله سبحانه : الحسنى صفة للمصدر أي استجابوا الاستجابة الحسنى وقوله عز وجل : والذين لم يستجيبوا معطوف على الموصول الأول وقوله جل وعلا : لو أن لهم .. إلخ كلام مستأنف مسوق لبيان ما أعد لغير المستجيبين من العذاب والمعنى كذلك يضرب الله تعالى الأمثال للمؤمنين المستجيبين والكافرين المعاندين أي هما مثلا الفريقين . انتهى . قال : والتفسير الأول أولى لأن فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين والله تعالى قد ضرب أمثالا كثيرة في هذين وفي غيرهما ولأن فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف هذا ولأن تقدير الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة ومقابلها ليس نفي الاستجابة مطلقا وإنما [ ص: 134 ] هو نفي الاستجابة الحسنى والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقا ولأنه حينئذ يكون أبو حيان لو أن لهم .. إلخ كلاما مفلتا أو كالمفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين لو أن لهم .. إلخ ولو كان هناك حرف يربط لو بما قبلها زال التفلت وأيضا أنه يوهم الاشتراك في الضمير وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما : وتعقب بأنه لا كلام في أولوية التفسير الأول لكن كون ما ذكر وجها لها محل كلام إذ لا مقتضى في التفسير الثاني لتقييد الأمثال عموما بمثل هذين ألا ترى قوله تعالى : ( كذلك ) ثم إن فيه تفهيم ثواب المستجيبين أيضا ألا يرى إلى القصر المستفاد من تقديم الظرف وأيضا قوله تعالى : الحسنى صفة كاشفة لا مفهوم لها فإن الاستجابة لله تعالى لا تكون إلا حسنى وكيف يكون قوله سبحانه : لو أن لهم .. إلخ مفلتا وقد قالوا : إنه كلام مبتدأ لبيان حال المستجيبين يعنون أنه استئناف بياني جواب للسؤال عن مآل حالهم ثم كيف يتوهم الاشتراك مع كون تخصيصه بالكافرين معلوما . انتهى . قال بعض المحققين : إن ما ذكر متوجه بحسب بادئ الرأي والنظرة الأولى أما إذا نظر بعين الإنصاف بعد تسليم أن ذاك أولى وأقوى علم أن ما قاله وارد فإن قوله تعالى : أبو حيان كذلك يقتضي أن هذا شأنه وعادته عز شأنه في ضرب الأمثال فيقتضي أن ما جرت به العادة القرآنية مقيد بهؤلاء وليس كذلك وما ذكره المتعقب ولو سلم فهو خلاف الظاهر وأما قوله : إن المستجيبين معلوم مما ذكره ففرق بين العلم ضمنا والعلم صراحة وأما أن الصفة مؤكدة أو لا مفهوم لها فخلاف الأصل أيضا وكون الجملة غير مرتبطة بما قبلها ظاهر والسؤال عن حال أحد الفريقين مع ذكرهما بعد نقل التفسير الأخير وحمل الأمثال فيه على الأمثال السابقة : وأنت خبير بأن عنوان الاستجابة وعدمها لا مناسبة بينه وبين ما يدور عليه أمر التمثيل وأن الاستعمال المستفيض دخول اللام على من يقصد تذكيره بالمثل نعم قد يستعمل في هذا المعنى أيضا كما في قوله تعالى : وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون ونظائره على أن بعض الأمثال المضروبة لا سيما المثل الأخير الموصول بالكلام ليس مثل الفريقين بل مثل للحق والباطل ولا مساغ لجعل الفريقين مضروبا لهم أيضا بأن يجعل في حكم أن يقال : كذلك يضرب الله الأمثال للناس إذ لا وجه حينئذ لتنويعهم إلى المستجيبين وغير المستجيبين ويؤيد هذا ما في الكشف حيث قال : إن جعل للذين استجابوا من تتمة الأمثال لا من صلة يضرب متكلف لأنهما مثلا الحق والباطل بالأصالة ومن صلة يضرب أبعد لأن الأمثال إنما ضربت لمن يعقل .
ثم إن كون المراد بالأمثال الأمثال السابقة مبني على أن ما تقدم كان أمثالا والمشهور أنه مثلان نعم أخرج وغيره عن ابن جرير أنه قال في الآية : هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد وبعد هذا كله لا شك في سلامة التفسير الأول من القيل والقال وأنه الذي يستدعيه النظم الجليل لأن تمام حسن الفاصلة أن تكون كاسمها ولهذا انحط قول قتادة امرئ القيس : .
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل
عن قول المتنبي:
إذا كان مدحا فالنسيب المقدم أكل فصيح قال شعرا متيم
وهو الذي فهمه السلف من الآية ومن هنا كان أكثر الشيوخ يقفون على الأمثال ويتبدءون بقوله تعالى : للذين استجابوا وقال صاحب المرشد : إنه وقف تام والوقف على الحسنى حسن وكذا على لافتدوا به [ ص: 135 ] والعجب من كيف اختار خلاف ذلك مع وضوحه والله تعالى أعلم . الزمخشري