وما لنا ألا نتوكل على الله ومحل الخلاف في دخول المتكلم في عموم كلامه حيث لم يعلم دخوله فيه بالطريق الأولى أو تقم عليه قرينة كما هنا واحتمال أن يراد بالمؤمنين أنفسهم و ( ما لنا ) التفات لا التفات إليه والجمع بين الواو والفاء تقدم الكلام فيه و ( ما ) استفهامية للسؤال عن السبب والعذر و ( أن ) على تقدير حرف الجر أي أي عذر لنا في عدم التوكل عليه تعالى والإظهار لإظهار النشاط بالتوكل عليه جل وعلا والاستلذاذ باسمه تعالى وتعليل التوكل وقد هدانا أي والحال أنه سبحانه قد فعل بنا ما يوجب ذلك ويستدعيه حيث هدانا سبلنا أي أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين .
وقرأ ( سبلنا ) بسكون الباء وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في [ ص: 199 ] التوكل قالوا على سبيل التوكيد القسمي مظهرين لكمال العزيمة أبو عمرو ولنصبرن على ما آذيتمونا و ( ما ) مصدرية أي إذائكم إيانا بالعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه وجوزوا أن تكون موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أي الذي آذيتموناه وكان الأصل آذيتمونا به فهل حذف به أو الباء ووصل الفعل إلى الضمير قولان وعلى الله خاصة فليتوكل المتوكلون . (12) . أي فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل والمراد بهم المؤمنون والتعبير عنهم بذلك لسبق اتصافهم به وغرض المرسلين من ذلك نحو غرضهم مما تقدم وربما يتجوز في المسند إليه فالمعنى وعليه سبحانه فليتوكل مريدو التوكل لكن الأول أولى .
وقرأ بكسر لام الأمر في ( ليتوكل ) وهو الأصل هذا وذكر بعضهم أن من خواص هذه الآية دفع أذى البرغوث فقد أخرج الحسن المستغفري في الدعوات عن عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : أبي ذر إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات وما لنا ألا نتوكل على الله الآية وتقول : إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها .
وأخرج في مسند الفردوس عن الديلمي مرفوعا نحو ذلك إلا أنه ليس فيه إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ولم أقف على صحة الخبر ولم أجرب ذلك إذ ليس للبرغوث ولع بي والحمد لله تعالى وأظن أن ذلك لملوحة الدم كما أخبرني به بعض الأطباء والله تعالى أعلم بحقيقة الحال . أبي الدرداء