الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=19037_31913_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25قال فرعون عند سماع جوابه - عليه السلام - خوفا من أن يعلق منه في قلوب قومه شيء nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25لمن حوله من أشراف قومه، قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: كانوا خمسمائة رجل، عليهم الأساور، وكانت للملوك خاصة nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25ألا تستمعون جوابه، يريد التعجيب منه والإزراء بقائله، وكان ذلك لعدم مطابقته للسؤال، حيث لم يبين فيه الحقيقة المسؤول عنها، وكونه - في زعمه نظرا لما عليه قومه من الجهالة - غير واضح في نفسه لخفاء العلم بإمكان ما ذكر أو حدوثه الذي هو علة الحاجة إلى المبدأ الواجب لذاته عليهم، وقد بالغ اللعين في الإشارة إلى عدم الاعتداد بالجواب المذكور، حيث أوهم أن مجرد استماعهم له كاف في رده وعدم قبوله، وكأن موسى - عليه السلام - لما استشعر ذلك من اللعين
[ ص: 93 ] nindex.php?page=treesubj&link=28997قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23قال فرعون وما رب العالمين لما غلب موسى فرعون بالحجة ولم يجد اللعين من تقريره على التربية وغير ذلك حجة رجع إلى معارضة موسى في قوله : رسول رب العالمين ; فاستفهمه استفهاما عن مجهول من الأشياء . قال مكي وغيره : كما يستفهم عن الأجناس فلذلك استفهم ب " ما " . قال مكي : وقد ورد له استفهام ب " من " في موضع آخر ويشبه أنها مواطن ; فأتى موسى بالصفات الدالة على الله من مخلوقاته التي لا يشاركه فيها مخلوق ، وقد سأل فرعون عن الجنس ولا جنس لله تعالى ; لأن الأجناس محدثة ، فعلم موسى جهله فأضرب عن سؤاله وأعلمه بعظيم قدرة الله التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها . فقال فرعون : ألا تستمعون ، على معنى الإغراء والتعجب من سفه المقالة إذ كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك .
فزاد موسى في البيان بقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26ربكم ورب آبائكم الأولين فجاء بدليل يفهمونه عنه ; لأنهم يعلمون أنه قد كان لهم آباء وأنهم قد فنوا وأنه لا بد لهم من مغير ، وأنهم قد كانوا بعد أن لم يكونوا ، وأنهم لا بد لهم من مكون . فقال فرعون حينئذ على جهة الاستخفاف : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=27قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون أي ليس يجيبني عما أسأل ، فأجابه موسى عليه السلام عن هذا بأن قال : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28رب المشرق والمغرب أي ليس ملكه كملكك ; لأنك إنما تملك بلدا واحدا لا يجوز أمرك في غيره ، ويموت من لا تحب أن يموت ، والذي أرسلني يملك المشرق والمغرب nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28وما بينهما إن كنتم تعقلون وقيل : علم موسى عليه السلام أن قصده في السؤال معرفة من سأل عنه ، فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب اليوم . ثم لما انقطع فرعون لعنه الله في باب الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فتوعد موسى بالسجن ، ولم يقل ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك ; لأن فيه الاعتراف بأن ثم إلها غيره . وفي توعده بالسجن ضعف . وكان فيما يروى أنه يفزع منه فزعا شديدا حتى كان [ ص: 94 ] اللعين لا يمسك بوله . وروي أن سجنه كان أشد من القتل . وكان إذا سجن أحدا لم يخرجه من سجنه حتى يموت ، فكان مخوفا . ثم لما كان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يرعه توعد فرعون قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=30قال أولو جئتك بشيء مبين فيتضح لك به صدقي ، فلما سمع فرعون ذلك طمع في أن يجد أثناءه موضع معارضة قال له nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=31فأت به إن كنت من الصادقين ولم يحتج الشرط إلى جواب عند nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ; لأن ما تقدم يكفي منه . nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=45فألقى موسى عصاه من يده فكان ما أخبر الله من قصته . وقد تقدم بيان ذلك وشرحه في ( الأعراف ) إلى آخر القصة . وقال السحرة لما توعدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل " قالو لا ضير " أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا ; أي إنما عذابك ساعة فنصبر لها وقد لقينا الله مؤمنين ، وهذا يدل على شدة استبصارهم وقوة إيمانهم . قال مالك : دعا موسى عليه السلام فرعون أربعين سنة إلى الإسلام ، وأن السحرة آمنوا به في يوم واحد . يقال : لا ضير ولا ضور ولا ضر ولا ضرر ولا ضارورة بمعنى واحد ; قاله الهروي . وأنشد أبو عبيدة :
حبر الأمة ، وفقيه العصر ، وإمام التفسير أبو العباس عبد الله ، ابن [ ص: 332 ] عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكي الأمير - رضي الله عنه .
مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين .
صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من ثلاثين شهرا ، وحدث عنه بجملة صالحة ، وعن عمر ، وعلي ، ومعاذ ، ووالده ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي سفيان صخر بن حرب ، وأبي ذر ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وخلق .
وقرأ على أبي ، وزيد .
قرأ عليه مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطائفة .
روى عنه ؛ ابنه علي ، وابن أخيه عبد الله بن معبد ، ومواليه ؛ عكرمة ، ومقسم ، وكريب ، وأبو معبد نافذ ، وأنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وأبو أمامة بن سهل ، وأخوه كثير بن العباس ، وعروة بن الزبير ، وعبيد الله بن عبد الله ، وطاوس ، وأبو الشعثاء جابر ، وعلي بن الحسين . وسعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، والقاسم بن محمد ؛ وأبو صالح السمان ، وأبو رجاء العطاردي ، وأبو العالية ، وعبيد بن عمير ، وابنه عبد الله ، وعطاء بن يسار ، وإبراهيم بن عبد الله بن معبد ، وأربدة التميمي [ ص: 333 ] صاحب التفسير ، وأبو صالح باذان ، وطليق بن قيس الحنفي ، وعطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ؛ ومحمد بن كعب القرظي ، وشهر بن حوشب ، وابن أبي مليكة ، وعمرو بن دينار ، وعبيد الله بن أبي يزيد ، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي ، والضحاك بن مزاحم ، وأبو الزبير المكي ، وبكر بن عبد الله المزني ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن أبي الحسن ، وإسماعيل السدي ، وخلق سواهم .
وفي " التهذيب " : من الرواة عنه مائتان سوى ثلاثة أنفس . وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية من هلال بن عامر .
وله جماعة أولاد ؛ أكبرهم العباس ، وبه كان يكنى ، وعلي أبو الخلفاء ، وهو أصغرهم ، والفضل ، ومحمد ، وعبيد الله ، ولبابة ، وأسماء .
وكان وسيما ، جميلا ، مديد القامة ، مهيبا ، كامل العقل ، ذكي النفس ، من رجال الكمال .
وأولاده ؛ الفضل ، ومحمد ، وعبيد الله ، ماتوا ولا عقب لهم . ولبابة ولها أولاد وعقب من زوجها علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وبنته الأخرى أسماء وكانت عند ابن عمها عبد الله بن عبيد الله بن العباس ، فولدت له حسنا ، وحسينا .
انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح ، وقد أسلم قبل ذلك ، فإنه صح عنه أنه قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين ؛ أنا من الولدان ، وأمي من النساء . [ ص: 334 ]
روى خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسي ، ودعا لي بالحكمة . شبيب بن بشر : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخرج وخرج ، فإذا تور مغطى ؛ قال : من صنع هذا ؟ فقلت : أنا . فقال : اللهم علمه تأويل القرآن .
قال ابن شهاب : عن عبيد الله ؛ عن ابن عباس ، قال : أقبلت على أتان ، وقد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى . [ ص: 335 ]
وروى أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : عن ابن عباس ، قال : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشر .
رواه شعبة وغيره عنه .
وقال هشيم : أخبرنا أبو بشر عن سعيد ، عنه : جمعت المحكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبض وأنا ابن عشر حجج .
وقال شعبة : عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن خمس عشرة سنة ، وأنا ختين .
قال الواقدي : لا خلاف أنه ولد في الشعب ، وبنو هاشم محصورون ، فولد قبل خروجهم منه بيسير ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين . ألا تراه يقول : وقد راهقنا الاحتلام . وهذا أثبت مما نقله أبو بشر في سنه . [ ص: 336 ]
قال أحمد بن حنبل فيما رواه ابنه عبد الله عنه : حديث أبي بشر عندي واه ، قد روى أبو إسحاق ، عن سعيد فقال : خمس عشرة ، وهذا يوافق حديث عبيد الله بن عبد الله .
قال الزبير بن بكار : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولابن عباس ثلاث عشرة سنة .
قال أبو سعيد بن يونس : غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح ؛ وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسا .
قال أبو عبد الله بن منده : أمه هي أم الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة ، ولد قبل الهجرة بسنتين .
وكان أبيض ، طويلا ، مشربا صفرة ، جسيما ، وسيما ، صبيح الوجه ، له وفرة ، يخضب بالحناء ، دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة .
قلت : وهو ابن خالة خالد بن الوليد المخزومي . سعيد بن سالم ، حدثنا ابن جريج قال : كنا جلوسا مع عطاء في المسجد الحرام ، فتذاكرنا ابن عباس ؛ فقال عطاء : ما رأيت القمر ليلة أربع [ ص: 337 ] عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس . إبراهيم بن الحكم بن أبان ؛ عن أبيه ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس إذا مر في الطريق ، قلن النساء على الحيطان : أمر المسك ، أم مر ابن عباس ؟ الزبير : حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني ، عن داود بن عطاء ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ؛ أن عمر دعا ابن عباس ، فقربه . وكان يقول : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاك يوما ، فمسح رأسك ، وتفل في فيك ، وقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل . داود مدني ضعيف . حماد بن سلمة وغيره ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله ، قال : بت في بيت خالتي ميمونة ، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا ، فقال : من وضع هذا ؟ قالوا : عبد الله . فقال : اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين . [ ص: 338 ]
أخبرنا إسحاق الأسدي ، أخبرنا ابن خليل أخبرنا اللبان ، أخبرنا الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم ، حدثنا ابن أبي العوام ، حدثنا عبد الله بن بكر ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن عمرو بن دينار : أن كريبا أخبره عن ابن عباس ، قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل ، فجعلني حذاءه ، فلما انصرف ، قلت : وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله ؟ فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما . حاتم بن أبي صغيرة : عن عمرو بن دينار ، عن كريب ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا له أن يزيده الله فهما ، وعلما . ورقاء : سمعت عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس : وضعت [ ص: 339 ] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءا ، فقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل . وعن ابن عباس : دعا لي رسول الله بالحكمة مرتين . كوثر بن حكيم - واه - عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا : إن حبر هذه الأمة ابن عباس .
تفرد به عنه محمد بن يزيد الرهاوي . عبد المؤمن بن خالد : عن ابن بريدة ، عن ابن عباس : انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل ، فقال له جبريل : إنه كائن هذا حبر الأمة ، فاستوص به خيرا .
حديث منكر . تفرد به سعدان بن جعفر ، عن عبد المؤمن . حماد بن سلمة : عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، قال : كنت مع أبي عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان كالمعرض عن أبي ، فخرجنا من عنده ، فقال : ألم تر ابن عمك كالمعرض عني ؟ فقلت : إنه كان عنده رجل يناجيه . قال : أو كان عنده أحد ؟ قلت : نعم . فرجع إليه ، فقال : يا رسول الله ، هل كان عندك أحد ؟ فقال لي : هل رأيته يا عبد الله " ؟ قال : نعم . قال : ذاك جبريل فهو الذي شغلني عنك . [ ص: 340 ]
أخرجه أحمد في " مسنده " . المنهال بن بحر : حدثنا العلاء بن محمد ، عن الفضل بن حبيب ، عن فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثياب بيض نقية ، وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي ، وهو جبريل وأنا لا أعلم ؛ فقال : من هذا ؟ فقال : ابن عمي . قال : ما أشد وسخ ثيابه ، أما إن ذريته ستسود بعده . ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأيت من يناجيني ؟ قلت : نعم . قال : أما إنه سيذهب بصرك .
إسناده لين . ثور بن زيد الديلي ، عن موسى بن ميسرة ؛ أن العباس بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة ، فوجد عنده رجلا ، فرجع ، ولم يكلمه . فلقي العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ، فقال : أرسلت إليك ابني ، فوجد عندك رجلا ، فلم يستطع أن يكلمه . فقال : يا عم ! تدري من ذاك الرجل ؟ قال : لا . قال : ذاك جبريل لقيني ، لن يموت ابنك حتى يذهب بصره ، ويؤتى علما .
روى سليمان بن بلال والدراوردي عن ثور نحوه ، وقد رواه محمد بن زياد الزيادي ، عن الدراوردي فقال : عن أيوب ، عن موسى بن [ ص: 341 ] ميسرة ، عن بعض ولد العباس : فذكره . زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي : دخل العباس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ير عنده أحدا ، فقال له ابنه عبد الله : لقد رأيت عنده رجلا ؛ فسأل العباس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ذاك جبريل . هذا مرسل .