وقوله تعالى: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء جملة مستأنفة على الصحيح ناطقة ببعض أحكام قيوميته تعالى مشيرة إلى تقرير علمه مع زيادة بيان لتعلقه بالأشياء قبل وجودها، والتصوير جعل الشيء على صورة لم يكن عليها، والصورة هيئة يكون عليها الشيء بالتأليف، والأرحام جمع رحم وهي معلومة وكأنها أخذت من الرحمة لأنها مما يتراحم بها ويتعاطف، وكلمة (في) متعلقة ب (يصور) وجوز أن يكون حالا من المفعول أي يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ، و (كيف) في موضع نصب ب يشاء وهو حال، والمفعول محذوف تقديره يشاء تصويركم، وقيل: (كيف) ظرف ل (يشاء) والجملة في موضع الحال، أي: يصوركم على مشيئته أي مريدا إن كان الحال من الفاعل أو يصوركم متقلبين على مشيئته تابعين لها في قبول الأحوال المتغايرة من كونكم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم وثم، وفي الاتصاف بالصفات المختلفة من الذكورة والأنوثة والحسن [ ص: 79 ] والقبح وغير ذلك، وفيه من الدلالة على بطلان زعم من زعم ربوبية عيسى عليه السلام مع تقلبه في الأطوار ودوره في فلك هذه الأدوار حسبما شاءه الملك القهار وركاكة عقولهم ما لا يخفى، وقرأ (تصوركم) على صيغة الماضي من التفعل أي اتخذ صوركم لنفسه وعبادته فهو من باب توسد التراب أي اتخذه وسادة فما قيل: كأنه من تصورت الشيء بمعنى توهمت صورته فالتصديق أنه توهم محض. طاوس
لا إله إلا هو العزيز الحكيم [ 6 ] كرر الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى وانحصارها فيه توكيدا لما قبلها ومبالغة في الرد على من ادعى إلهية عيسى عليه السلام وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة إذ من هذان الوصفان له هو المتصف بالألوهية لا غيره ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير أو التناهي في القدرة والحكمة لأن خلقهم على ما ذكر من النمط البديع أثر من آثار ذلك.