وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى كلام مستأنف من جهته عز وجل خوطب به الناس بطريق التلوين والالتفات مبالغة في تحقيق الحق وتقرير ما سبق كذا في إرشاد العقل السليم، وجوز أن يكون ما تقدم لنفي أن يكون القرب والكرامة مدارا وعلة لكثرة الرزق، وهذا النفي أن تكون كثرة الرزق سببا للقرب والكرامة ويكون الخطاب للكفرة، والتي واقع على الأموال والأولاد، وحيث إن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث، وكان المجموع بمعنى جماعة صح الإفراد والتأنيث، أي وما جماعة أموالكم وأولادكم بالجماعة التي تقربكم عندنا قربة، ولا حاجة إلى تقدير مضاف في النظم الكريم، وما ذكر تقدير معنى لا إعراب، وعن أن في الكلام حذفا في أوله لدلالة ما في آخره، والتقدير وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي الخ، وأنت تعلم أنه لا حاجة إليه أيضا، وجوز أن تكون التي صفة لموصوف مفرد مؤنث تقديره بالتقوى أو بالخصلة التي، وجوز الزجاج أن تكون التي كناية عن التقوى لأن المقرب إلى الله تعالى ليس إلا تلك، أي وما أموالكم ولا أولادكم بتلك الموضوعة للتقريب. الزمخشري
وقرأ «باللاتي» جمعا وهو راجع للأموال والأولاد كالتي على ما سمعت أولا، وقرئ «بالذي» أي بالشيء الذي يقربكم. الحسن
وزلفى مصدر كالقربى وانتصابه على المصدرية من المعنى. وقرأ «زلفا» بفتح اللام وتنوين الفاء جمع زلفة وهي القربة. الضحاك
إلا من آمن وعمل صالحا استثناء من مفعول تقربكم على ما ذهب إليه جمع، وهو استثناء متصل إذا كان الخطاب عاما للمؤمنين والكفرة ومنقطع إذا كان خاصا بالكفرة، فالموصول في محل نصب [ ص: 149 ] أو رفع على أنه مبتدأ ما بعده خبره أو خبره مقدر أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه.
واستظهر الانقطاع، وقال في البحر: فإن أبو حيان ذهب إلى بدليته من المفعول المذكور وغلطه الزجاج النحاس بأن ضمير المخاطب لا يجوز الإبدال منه فلا يقال رأيتك زيدا، ومذاهب والكوفيين أنه يجوز أن يبدل من ضميري المخاطب والمتكلم لكن البدل في الآية لا يصح، ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا فلو قلت ما زيد بالذي يضرب إلا خالدا لم يصح اه. الأخفش
وذكر بعض الأجلة أن جعله استثناء من المفعول لا يصح على جعل التي كناية عن التقوى لأنه يلزم أن تكون الأموال والأولاد تقوى في حق غير من آمن وعمل صالحا لكنها غير مقربة، وقيل لا بأس بذلك إذ يصح أن يقال وما أموالكم ولا أولادكم بتقوى إلا المؤمنين، وحاصله أن المال والولد لا يكونان تقوى ومقربين لأحد إلا للمؤمنين، وإذا كان الاستثناء منقطعا صح واتضح ذلك، وجوز أن يكون استثناء من ( أموالكم وأولادكم ) على حذف مضاف، أي إلا أموال من آمن وعمل صالحا وأولادهم، وفي هذا إذا جعل التي كناية عن التقوى مبالغة من حيث إنه جعل مال المؤمن الصالح وولده نفس التقوى. ثم إن تقريب الأموال المؤمن الصالح بإنفاقها فيما يرضي الله تعالى وتقريب الأولاد بتعليمهم الخير وتفقيههم في الدين وترشيحهم للصلاح والطاعة.
فأولئك إشارة إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد فيما تقدم باعتبار لفظها، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل، أي فأولئك المنعوتون بالإيمان والعمل الصالح لهم جزاء الضعف أي لهم أن يجازيهم الله تعالى الضعف أي الثواب المضاعف فيجازيهم على الحسنة بعشر أمثالهم أو بأكثر إلى سبعمائة فإضافة جزاء إلى الضعف من إضافة المصدر إلى مفعوله.
وقرأ «جزاء الضعف» برفعهما فالضعف بدل، وجوز قتادة كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الضعف، الزجاج في رواية بنصب «جزاء» ورفع «الضعف» فجزاء تمييز أو حال من فاعل ( لهم ) إن كان الضعف مبتدأ أو منه إن كان فاعلا أو نصب على المصدر لفعله الذي دل عليه ( لهم ) أي يجزون جزاء، وقرئ «جزاء» بالرفع والتنوين «الضعف» بالنصب على إعمال المصدر. ويعقوب
بما عملوا من الصالحات وهم في الغرفات أي في غرفات الجنة ومنازلها العالية آمنون من جميع المكاره الدنيوية والأخروية، وقرأ الحسن بخلاف عنه وعاصم والأعمش (في الغرفات) بإسكان الراء، وقرأ بعض القراء بفتحها، ومحمد بن كعب وابن وثاب والأعمش وطلحة وحمزة «في الغرفة» بالتوحيد وإسكان الراء، وخلف أيضا بالتوحيد وضم الراء والتوحيد على إرادة الجنس لأن الكل ليسوا في غرفة واحدة والمفرد أخصر مع عدم اللبس فيه. وابن وثاب