وحكي عن الباز قدس سره أنه قال: إن الليل والنهار يأتياني فيخبراني بما يحدث فيهما، وعن بعض العارفين أنه يشاهد أعمال العباد كيف تصعد إلى السماء، ويرى البلاء النازل منها.
قال من أنصاري في حال دعوتي إلى الله سبحانه بأن يلتفت إلى الاشتغال بتكميل نفسه وتهذيب أخلاقها حتى يصلح لتربية الناقصين فينصرني ويعينني في تكميل الناقص وإرشاد الضال قال الحواريون المبيضون ثياب وجودهم بمياه العبادة ومطرقة المجاهدة وشمس المراقبة نحن أنصار الله أي أعوان الفانين فيه الباقين به، ومنهم عيسى عليه السلام آمنا بالله الإيمان الكامل واشهد بأنا مسلمون أي منقادون لأمرك حيث إنه أمر الله سبحانه ربنا آمنا بما أنزلت وهو ما نورت به قلوب أصفيائك من علوم غيبك واتبعنا الرسول فيما أظهر من أوامرك ونواهيك رجاء أن يوصلنا ذلك إلى محبتك فاكتبنا مع الشاهدين أي مع من يشهدك ولا يشهد معك سواك، أو الحاضرين لك المراقبين لأمرك ومكروا أي الذين أحس منهم الكفر، واحتالوا مع أهل الله بتدبير النفس، فكان مكرهم مكر الحق عليهم لأنه المزين ذلك لهم، كما قال سبحانه: كذلك زينا لكل أمة عملهم فهو الماكر [ ص: 192 ] في الحقيقة، وهذا معنى ومكر الله عند بعض، والأولى القول باختلاف المكرين على ما يقتضيه مقام الفرق، وقد سئل بعضهم كيف يمكر الله؟ فصاح وقال: لا علة لصنعه وأنشأ يقول:
فديتك قد جبلت على هواكا ونفسي لا تنازعني سواكا أحبك لا ببعضي بل بكلي
وإن لم يبق حبك لي حراكا ويقبح من سواك الفعل عندي
وتفعله فيحسن منك ذاكا
ولم يعتبر الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم القول: بأنه يدور حول العرش لأن ذلك مقام النهاية في الكمال، ولهذا لم يعرج إليه سوى صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم الجامع بين الظاهر والباطن إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم في أن كلا منهما خارق للعادة خارج عن دائرتها وإن افترقا في أن عيسى عليه الصلاة والسلام بلا ذكر بل من نطفة أنثى فقط كان في بعضها قوة العقد وفي البعض الآخر قوة الانعقاد كسائر النطف المركبة من منيين في أحدهما القوة العاقدة وفي الأخرى المنعقدة، وأن آدم عليه الصلاة والسلام بلا ذكر ولا أنثى خلقه من تراب أي صور قالبه من ذلك ثم قال له كن فيكون إشارة إلى نفخ الروح فيه وكونه من عالم الأمر نظرا إلى روحه المقدسة التي لم ترتكض في رحم فمن حاجك فيه أي الحق، أو في عيسى عليه السلام بالحجج الباطلة فقل تعالوا الخ أي فادعه إلى المباهلة بالهيئة المذكورة.
قال بعض العارفين: اعلم أن لمباهلة الأنبياء عليهم السلام تأثيرا عظيما سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله تعالى إياهم به وهو المؤثر بإذن الله تعالى في العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال أبداننا من روحنا بالعوارض الواردة عليه كالغضب والخوف والفكر في أحوال المعشوق وغير ذلك، وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من عوارض أرواحنا، فإذا اتصل نفس قدسي به، أو ببعض أرواح الأجرام السماوية والنفوس الملكوتية كان تأثيرها في العالم عند التوجه الاتصالي تأثير ما يتصل به فينفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانية منه بما أراد حسب ذلك الاتصال ولذا انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه الصلاة والسلام بالخوف وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية انتهى.
وادعى بعضهم أن لكل نفس تأثيرا لكنه يختلف حسب اختلاف مراتب النفوس وتفاوت مراتب التوجهات إلى عام التجرد، وفيه كلام طويل ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه، هذا وتطبيق ما في الآفاق على [ ص: 193 ] ما في الأنفس ظاهر لمن أحاط خبرا بما قدمناه في الآيات الأول، والله تعالى الموفق.