وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وأجاب واستجاب بمعنى أي ويجيب الله تعالى الذين آمنوا إذا دعوا وحاصله يجيب دعاءهم، وجوز بعضهم أن يكون الكلام بتقدير هذا المضاف قيل: وهو أولى من القول بإيصال الفعل بحذف الصلة لأن حذف المضاف إذا لم يلبس منقاس وذاك مسموع، ويجوز أن يكون المراد يثيبهم على طاعتهم فإن الطاعة لكونها طلب ما يترتب عليها من الثواب شابهت الدعاء وشابهت الإثابة عليها الإجابة، ومن هذا يسمى الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب عليه، وسئل عن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: سفيان فقال: هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: (أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ألا ترى قول (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) أمية بن الصلت لابن جدعان حين أتاه يبغي نائله:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ثناؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه عن تعرضك الثناء
وجعلوا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم على معنى أن الحمد يدل على الدعاء والسؤال بطريق الكناية والتعريض، وقيل: هو على إطلاق الدعاء على الحمد لشبهه به في طلب ما يترتب عليه، وجوز أن يراد بالإجابة معناها الحقيقي والإثابة بناء على القول بصحة الجمع بين الحقيقة والمجاز أي يجيب دعاءهم ويثيبهم على الطاعة (أفضل الدعاء الحمد لله) ويزيدهم على ما سألوا واستحقوا من فضله الواسع جل شأنه، وقيل: إن فاعل ويستجيب الذين آمنوا واستظهره ، والجملة عطف على مجموع قوله تعالى: أبو حيان وهو الذي يقبل التوبة إلخ أي ينقادون لله تعالى ويجيبونه سبحانه إذا دعاهم، وهو المروي عن ، وعن ابن جبير إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما لنا ندعو فلا نجاب؟ فقال: لأنه سبحانه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ والله يدعو إلى دار السلام . ويستجيب الذين آمنوا وهذا يؤكد هذا الوجه لأنه قدس سره ذكر أن الله تعالى دعاكم بقوله عز وجل: والله يدعو إلى دار السلام وذكر أن المؤمن من استجاب دعوة ربه تعالى بقوله: ويستجيب الذين آمنوا فمن لا يجيب دعاءه تعالى لا يجيب تعالى أيضا دعاءه، وكون الفاعل ضميره تعالى قد روى ما يقتضيه عن . ابن عباس ومعاذ بن جبل ويزيدهم عليه عطف على ما قبله وعلى الوجه الآخر عطف على مقدر أي فيوفيهم أجورهم ويزيدهم عليها على أسلوب وقالا الحمد لله الذي فضلنا وقوله سبحانه: من [ ص: 38 ] فضله متعلق بيزيدهم مطلقا، وجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الإجابة والثواب فضل منه تعالى كالزيادة.
وأيا ما كان فالظاهر عموم الذين آمنوا وروي عن سعيد بن جبير لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فقرأها عليهم، وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا مسلمين فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك عز قرابته من بعده فنزلت أم يقولون افترى على الله كذبا فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا وندموا فأنزل الله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده فأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم فبشرهم وقال: ويستجيب الذين آمنوا وهم الذين سلموا لقوله ذكر ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقول له: إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها فنزلت قل الطبرسي، وذكر قريبا منه في الدر المنثور لكن قال: أخرجه في الأوسط. الطبراني عن وابن مردويه بسند ضعيف، والذي يغلب على الظن الوضع ابن جبير والكافرون لهم عذاب شديد بدل ما للمؤمنين من الإجابة والتفضل.