وأخرج عن ابن عساكر أن تبعا أري في منامه أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الوصائل وصائل اليمن فكان فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى بها ولاته من جرهم وأمر بتطهيره وجعل له بابا ومفتاحا. وفي رواية أنه قال أيضا: ابن إسحاق ولا تقربوه دما ولا ميتا ولا تقربه حائض، وفي نهاية في الحديث أن تبعا كسى البيت المسوح فانتفض البيت منه ومزقه عن نفسه ثم كساه الخصف فلم يقبله ثم كساه الأنطاع، وفي موضع آخر منها أن أول من كسى الكعبة كسوة كاملة تبع كساها الأنطاع ثم كساها الوصائل والخصف فعل بمعنى مفعول من الخصف وهو ضم الشيء إلى الشيء والمراد شيء منسوج من الخوص على ما هو الظاهر، وقيل: أريد به ههنا الثياب الغلاظ جدا تشبيها بالخصف المذكور، والمعافر برود من اليمن منسوبة إلى معافر قبيلة بها، والميم زائدة، والوصائل ثياب حمر مخططة يمانية، والمسوح جمع مسح بكسر الميم وسكون المهملة أثواب من شعر غليظة، والأنطاع جمع نطع بالكسر وبالفتح وبالتحريك بسط من أديم. وأخرج ابن الأثير . ابن سعد عن وابن عساكر قال: لما قدم أبي بن كعب تبع المدينة ونزل بفنائها بعث إلى أحبار يهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب فقال له شامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل مولده بمكة اسمه وهذه دار هجرته إلى أن قال: قال وما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى حتى يظهر أمره فقال أحمد تبع: ما إلى هذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابها على يدي. وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة، وقيل: بينه وبين مولده عليه الصلاة والسلام ألف سنة، والقولان يدلان على أنه قبل مبعث عيسى عليه السلام. وأخرج عن ابن مردويه قال: لا تقولوا في ابن عباس تبع إلا خيرا فإنه قد حج البيت وآمن بما جاء به عيسى ابن مريم، وهو يدل على أنه بعد مبعث عيسى عليه السلام، والأول أشهر.
[ ص: 129 ] ومن حديث عباد بن زياد المري أنه لما أخبره اليهود أنه سيخرج نبي بمكة يكون قراره بهذا البلد. يعني المدينة اسمه وأخبروه أنه لا يدركه قال أحمد للأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد فإن خرج فيكم فوازروه وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم، وقال في شعره:
حدثت أن رسول الملي ك يخرج حقا بأرض الحرم ولو مد دهري إلى دهره
لكنت وزيرا له وابن عم
وفي البحر بدل البيت الأول:
شهدت على أنه رسول من الله باري النسم أحمد
وفيه أيضا رواية عن وغيره أنه كتب أيضا كتابا وكان فيه: أما بعد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك وأنا على دينك وسنتك وآمنت بربك ورب كل شيء وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة فإني من أمتك الأولين وتابعيك قبل مجيئك وأنا على ملتك وملة أبيك ابن إسحاق إبراهيم عليه السلام، ثم ختم الكتاب ونقش عليه لله الأمر من قبل ومن بعد، وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تبع الأول ودفعه إلى عظيم من الأوس والخزرج وأمره أن يدفعه للنبي عليه الصلاة والسلام إن أدركه.
ويقال: إنه بنى له دارا في المدينة يسكنها إذا أدركه صلى الله تعالى عليه وسلم وقدم إليها وأن تلك الدار دار أبي أيوب خالد بن زيد وأن الشعر والكتاب وصلا إليه وأنه من ولد ذلك الرجل الذي دفعا إليه أولا، ولما ظهر النبي عليه الصلاة والسلام دفعوا الكتاب إليه فلما قرئ عليه قال: مرحبا بتبع الأخ الصالح ثلاث مرات.
وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلى عليه صلاة الجنازة وكذا على البراء بن معرور بعد وفاته بشهر يوم قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة كما قال النجم الغيطي وكانت صلاة الجنازة قد فرضت تلك السنة، وكون هذا هو تبعا الأول ويقال له الأكبر هو المذكور في غير ما كتاب، وذكر عبد الملك بن عبد الله بن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون أن أسعد هذا هو تبع الأوسط وذكر أيضا أن ملكه ثلاثمائة وعشرون سنة وملك بعده عمرو أربعا وستين سنة، وقال ابن قتيبة وهو الذي قتل حسان زرقاء اليمامة وأباد جديسا وكان ملكه خمسا وعشرين سنة والتواريخ ناطقة بتقدم تبابعة عليه فإن تبعا يقال لمن ملك اليمن مطلقا كما يقال لملك الترك خاقان، والروم قيصر، والفرس كسرى أو لا يسمى به إلا إذا كانت له حمير وحضرموت كما في القاموس أو إلا إذا كانت له حمير وسبأ وحضرموت كما ذكره الطيبي، والمتصف بذلك غير واحد كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالتواريخ. وما تقدم من حكاية أنه هدم سمرقند ذكر عبد الملك خلافه ونسب هدمها إلى شمر بن إفريقيس بن أبرهة أحد التبابعة أيضا كان قبل تبع المذكور بكثير قال: إن شمر خرج نحو العراق ثم توجه يريد الصين ودخل مدينة الصغد فهدمها وسميت شمر كند أي شمر خربها وعربت بعد فقيل سمرقند اهـ. وحكاية البناء يمكن نسبتها إلى شمر هذا فإن كند في لغة أهل أذربيجان ونواحيها على ما قيل بمعنى القرية فسمرقند بمعنى قرية شمر وهو أوفق بالبناء، وذكر علامة عصره الملا أمين أفندي العمري الموصلي تغمده الله تعالى برحمته في كتابه شرح ذات الشفاء أن تبعا الذي ذكر سابقا هو ابن حسان وأنه ملك الدنيا كلها وأنه يقال له الرائش لأنه راش الناس بالعطاء، ولعل ما قاله قول لبعضهم وإلا فقد قال : إنه ابن قتيبة ابن كليكرب.
[ ص: 130 ] وفي شرح قصيدة ابن عبدون أن الرائش لقب الحارث بن بدر أحد التبابعة، وهو قبل أسعد المتقدم ذكره بزمان طويل جدا، وهو أيضا ممن ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم في شعره فقال:
ويملك بعدهم رجل عظيم نبي لا يرخص في الحرام
يسمى أحمدا يا ليت أني أعمر بعد مخرجه بعام
ثم إن ملكه الدنيا كلها غير مسلم ، وبالجملة الأخبار مضطربة في أمر التبابعة وأحوالهم وترتيب ملوكهم بل قال صاحب تواريخ الأمم: ليس في التواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير لما يذكر من كثرة عدد سنينهم مع قلة عدد ملوكهم فإن ملوكهم ستة وعشرون ومدتهم ألفان وعشرون سنة.
وقال بعض: إن مدتهم ثلاثة آلاف واثنان وثمانون سنة ثم ملك من بعدهم اليمن الحبشة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، والقدر المعول عليه ههنا أن تبعا المذكور هو أسعد أبو كرب وأنه كان مؤمنا بنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وكان على دين إبراهيم عليه السلام ولم يكن نبيا، وحكاية نبوته عن رضي الله تعالى عنهما لا تصح، وإخباره بمبعثه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يقتضيها لأنه علم ذلك من أحبار اليهود وهم عرفوه من الكتب السماوية. ابن عباس
وما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال: ما أدري أكان تبع نبيا أو غير نبي لم يثبت، نعم روى . أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: والحاكم أذو القرنين هو أم لا) وليس فيه ما يدل على التردد في نبوته وعدمها فإن (ما أدري ذا القرنين ليس بنبي على الصحيح، ثم إن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام درى بعد أنه ليس ذا القرنين.
وقال قوم: ليس المراد بتبع ههنا رجلا واحدا إنما المراد ملوك اليمن، وهو خلاف الظاهر والأخبار تكذبه، ومعنى تبع متبوع فهو فعل بمعنى مفعول وقد يجيء هذا اللفظ بمعنى فاعل كما قيل للظل تبع لأنه يتبع الشمس، ويقال لملوك اليمن أقيال من يقيل فلان أباه إذا اقتدى به لأنهم يقتدى بهم، وقيل: سمي ملكهم قيلا لنفوذ أقواله وهو مخفف قيل كميت.
والذين من قبلهم أي قبل قوم تبع كعاد وثمود أو قبل قريش فهو تعميم بعد تخصيص أهلكناهم استئناف لبيان عاقبة أمرهم هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو بدونه من الضمير المستتر في الصلة أو خبر عن الموصول إن جعل مبتدأ ولم يعطف على ما قبله إنهم كانوا مجرمين تعليل لإهلاكهم أي أهلكناهم بسبب كونهم مجرمين فليحذر كفار قريش الإهلاك لإجرامهم.