إنما المؤمنون إخوة استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح، وإطلاق الأخوة على المؤمنين من باب التشبيه البليغ وشبهوا بالأخوة من حيث انتسابهم إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، وجوز أن يكون هناك استعارة وتشبه المشاركة في الإيمان بالمشاركة في أصل التوالد لأن كلا منهما أصل للبقاء إذ التوالد منشأ الحياة والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان، والفاء في قوله تعالى: فأصلحوا بين أخويكم للإيذان بأن الأخوة الدينية موجبة للإصلاح، ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا للمأمورين للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح والتحضيض عليه، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات [ ص: 152 ] وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه، وقيل: المراد بالأخوين الأوس والخزرج اللتان نزلت فيهما الآية سمي كلا منهما أخا لاجتماعهم في الجد الأعلى.
وقرأ زيد بن ثابت وابن مسعود بخلاف عنه (إخوانكم) جمعا على وزن غلمان. والحسن
وقرأ (إخوتكم) جمعا على وزن غلمة، وروى ابن سيرين عبد الوارث عن القراءات الثلاث، قال أبي عمرو أبو الفتح: وقراءة الجمع تدل على أن قراءة الجمهور لفظها لفظ التثنية ومعناها الجماعة أي كل اثنين فصاعدا من المسلمين اقتتلا، والإضافة لمعنى الجنس نحو لبيك وسعديك، ويغلب الأخوان في الصداقة والأخوة في النسب وقد يستعمل كل منهما مكان الآخر واتقوا الله في كل ما تأتون وما تذرون من الأمور التي من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح، والظاهر أن هذا عطف على ( فأصلحوا ) وقال الطيبي: هو تذييل للكلام كأنه قيل: هذا الإصلاح من جملة التقوى فإذا فعلتم التقوى دخل فيه هذا التواصل، ويجوز أن يكون عطفا على ( فأصلحوا ) أي واصلوا بين أخويكم بالصلح واحذروا الله تعالى من أن تتهاونوا فيه لعلكم ترحمون أي لأجل أن ترحموا على تقواكم أو راجين أن ترحموا عليها