nindex.php?page=treesubj&link=18791_20002_28723_29687_30451_30563_30569_30803_34091_34103_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ثم أنزل عليكم عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153فأثابكم والخطاب للمؤمنين حقا ، والمعنى ثم وهب لكم أيها المؤمنون
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154من بعد الغم الذي اعتراكم ، والتصريح بتأخر الإنزال عنه مع دلالة ثم عليه وعلى تراخيه عنه لزيادة البيان ، وتذكير عظم المنة .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154أمنة مصدر كالمنعة وهو مفعول (أنزل) أي ثم أنزل عليكم أمنا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154نعاسا بدل اشتمال منها ، وقيل : عطف بيان ، وجوز أن يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154نعاسا منصوبا على المفعولية ، و (أمنة) حال منه ، والمراد ذا أمنة ، ولا يضر كونها من النكرة لتقدمها أو حال من المخاطبين على تقدير مضاف أي ذوي أمنة ، أو على أنه جمع آمن كبار وبررة .
وقيل : إن أمنة مفعول له لنعاسا ، واعترض بأنه يلزم على ظاهره تقديم معمول المصدر عليه ، وإن التزم تقدير فعل أي نعستم أمنة ، ورد أنه ليس للفعل موقع حسن ، وقيل : إنه مفعول له لأنزل .
واعترض بأنه فاسد لاختلاف شرطه وهو اتحاد الفاعل إذ فاعل أنزل هو الله تعالى وفاعل الأمنة هو المنزل عليهم ، ورد بأن الأمنة كما يكون مصدرا لمن وقع به الأمن يكون مصدرا لمن أوقعه ، والمراد هنا الثاني كأنه قيل : أنزل عليكم النعاس ليؤمنكم به وحينئذ لا شبهة في اتحاد الفاعل ، وقرئ بسكون الميم كأنها لوقوعها في زمن يسير مرة من الأمن ، فلا ينافي كون المقصود مطلق الأمن ، وتقديم الظرفين على المفعول الصريح للاعتناء بشأن المقدم ، والتشويق إلى المؤخر ، وتخصيص الخوف من بين فنون الغم بالإزالة لأنه المهم عندهم في ذلك المقام .
فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن المشركين انصرفوا يوم
أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين فواعدوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
بدرا من قابل فقال لهم : نعم فتخوف المسلمون أن ينزلوا
المدينة ، فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رجلا فقال : انظر فإن رأيتهم قد قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم فإن القوم ذاهبون ، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم فإن القوم ينزلون
المدينة ، فاتقوا الله تعالى واصبروا ، ووطنهم على القتال ، فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم ، فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم فناموا ، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم فذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ثم أنزل عليكم إلخ .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الآية قال : آمنهم الله تعالى يومئذ بنعاس غشاهم ، وإنما ينعس من يأمن ، والخائف لا ينام .
وأخرج خلق كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أن
أبا طلحة قال : غشينا النعاس يوم
أحد ونحن في مصافنا ، وكنت ممن غشيه النعاس يومئذ ، فجعل سيفي يسقط من يدي ، وآخذه ويسقط وآخذه ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال : رفعت رأسي يوم
أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميد تحت حجفته - أي ترسه - من النعاس ، وعن
الزبير بن العوام مثله .
قيل : وهذه عادة الله تعالى مع المؤمنين جعل النعاس في الحرب علامة للظفر ، وقد وقع كذلك
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي كرم الله تعالى وجهه في
صفين ، وهو من الواردات الرحمانية والسكينة الإلهية
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يغشى طائفة منكم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم المهاجرون
[ ص: 94 ] وعامة
الأنصار ، وفيه إشعار بأنه لم يغش الكل ولا يقدح ذلك في عموم الإنزال للكل ، والجملة في موضع نصب على أنها صفة لنعاسا ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي (تغشى) بالتاء الفوقانية على أن الضمير (للأمنة) والظاهر أن الجملة حينئذ مستأنفة وقعت جوابا لسؤال تقديره ما حكم هذه الأمنة ؟ فأجيب بأنها تغشى طائفة ، وقيل : إنها في موضع الصفة لأمنة ، واعترض بأن الصفة حقها أن تتقدم على البدل وعطف البيان ، وأن لا يفصل بينها وبين الموصوف بالمفعول له ، وأن المعهود أن يحدث عن البدل دون المبدل منه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وطائفة وهم المنافقون .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قد أهمتهم أنفسهم أي جعلتهم ذوي هم وأوقعتهم فيه أو ما يهمهم إلا أنفسهم لا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا غيره ، من أهمه بمعنى جعله مهما له ومقصودا ، والحصر مستفاد من المقام ، وذكر بعضهم أن العرب تطلق هذا اللفظ على الخائف الذي شغله هم نفسه عن غيره ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154طائفة مبتدأ وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قد أهمتهم إلخ خبره ، وجاز ذلك مع كونها نكرة لوقوعها بعد واو الحال كما في قوله :
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا محياك أخفى ضوء كل شارق
أو لوقوعها موقع التفصيل كما في قوله :
إذا مت كان الناس صنفان شامت وآخر مثن بالذي أنا صانع
وجوز أن تكون الجملة نعتا لها والخبر حينئذ محذوف أي ومعكم ، أو وهناك طائفة ، وتقدير - ومنكم طائفة - يقتضي أن يكون المنافقون داخلين في الخطاب بإنزال الأمنة ، وأيا ما كان فالجملة إما حالية مبينة لفظاعة الهول مؤكدة لعظم النعمة في الخلاص عنه ، وإما مستأنفة مسوقة لبيان حال المنافقين ، فالواو إما حالية وإما استئنافية ، وكونها بمعنى إذ ليس بشيء كما نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يظنون بالله غير الحق في موضع الحال من ضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154أهمتهم لا من
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154طائفة وإن تخصصت لما في مجيء الحال من المبتدأ من المقال ، وجوز أن تكون صفة بعد صفة لطائفة ، أو خبرا بعد خبر ، أو هي الخبر ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قد أهمتهم صفة أو مستأنفة مبينة لما قبلها ، وغير منصوب على المصدرية المؤكدة لأنه مضاف إلى مصدر محذوف وهو بحسب ما يضاف إليه أي غير الظن الحق وهو الذي يحق أن يظن به تعالى ، وقال بعضهم : إنه مفعول مطلق نوعي ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ظن الجاهلية بدل مما قبله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : (غير الحق) ، و (ظن) مصدران أحدهما للتشبيه والآخر تأكيد لغيره ، أي يقولون غير الحق ، ومفعولا (يظنون) محذوفان أي يظنون أن إخلاف وعده سبحانه حاصل ، وأبو البقاء يجعل (غير الحق) مفعولا أولا أي أمرا غير الحق ، و (بالله) في موضع المفعول الثاني ، وإضافة (ظن) إلى الجاهلية قيل : إما من إضافة الموصوف إلى مصدر صفته ومعناها الاختصاص بالجاهلية كرجل صدق وحاتم الجود ، فهي على معنى اللام أي المختص بالصدق والجود ، فالياء مصدرية ، والتاء للتأنيث اللازم له ، وإما من إضافة المصدر إلى الفاعل على حذف المضاف أي ظن أهل الجاهلية أي الشرك والجهل بالله تعالى ، وهي اختصاصية حقيقية أيضا .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يقولون هل لنا من الأمر من شيء أي يقول بعضهم لبعض على سبيل الإنكار : هل لنا من النصر والفتح والظفر نصيب أي ليس لنا من ذلك شيء ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينصر
محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ، أو يقول
[ ص: 95 ] الحاضرون منهم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على صورة الاسترشاد : هل لنا من أمر الله تعالى ووعده بالنصر شيء ، واختاره بعض المحققين .
والجملة قيل : إما حال أو خبر إثر خبر ، أو صفة إثر صفة ، أو مستأنفة مبينة لما قبلها ، أو بدل من (يظنون) وهو بدل الكل بحسب الصدق ، وبدل الاشتمال بحسب المفهوم ، واستشكل بأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يقولون هل لنا إلخ تفسير (ليظنون) وترجمة له ، والاستفهام لا يكون ترجمة للخبر كما لا يصح أن تقول : أخبرني زيد قال : لا تذهب أو أمرني قال : لا تضرب ، أو نهاني قال : اضرب ، فإن المطابقة بين الحكاية والمحكي واجبة .
وحاصل الإشكال أن متعلق الظن النسبة التصديقية فكيف يقع استفهام ترجمة له ؟ وأجيب بأن الاستفهام طلب علم فيما يشك ويظن ، فجاز أن يكون متعلق الظن ، وتحقيقه أن الظن أو العلم يتعلق بما يقال في جواب ذلك الاستفهام على ما ذكر في باب تعليق أفعال القلوب باستفهام ، ولا يخفى أن هذا إنما هو على تقدير كون الاستفهام حقيقيا ، وأما على تقدير كونه إنكاريا فلا إشكال ، ولا قيل ولا قال ؛ لأنه خبر فيتطابق مع ما قبله في الخبرية ، وبعض من جعله إنكاريا ذهب إلى أن المعنى إنا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا فلم يبق لنا من الأمر شيء ، وقد قال ذلك
عبد الله بن أبي حين أخبره المنافقون بقتل
بني الخزرج ثم قال : والله لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، قيل : وظنهم السوء على هذا تصويبهم رأي
عبد الله ومن تبعه ، وقيل : الاستفهام على ظاهره والمعنى هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شيء ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ، و (من) الثانية سيف خطيب ، و (شيء) في موضع رفع على الابتداء ، وفي خبره كما قال أبو البقاء : وجهان : أحدهما (لنا) فمن الأمر حال ، والثاني (من الأمر) فلنا تبيين وبه تتم الفائدة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قل يا محمد
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154إن الأمر كله لله أي إن الشأن والغلبة الحقيقية لحزب الله تعالى وأوليائه ، فينصر رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه ، ويخذل أعداءه ويقهرهم ، وكنى بكون الغلبة لله تعالى عن كونها لأوليائه لكونهم من الله سبحانه بمكان ، أو أن القضاء أو التدبير له تعالى مخصوص به لا يشاركه فيه غيره ، فيفعل ما يشاء ، ويجري الأمور حسبما جرى به القلم في سابق القضاء / وعلى هذا لا كناية في الكلام ، وجاء مؤكدا لما أن الكلام الذي وقع هو في مقابلته كذلك .
واستظهر في البحر من هذا الأمر كون الاستفهام فيما تقدمه باقيا على حقيقته ، إذ لو كان معناه نفى أن يكون لهم شيء من الأمر لم يجابوا بإثبات أن الأمر كله لله ، اللهم إلا أن يقدر مع جملة النفي جملة ثبوتية ليكون المعنى ليس لنا من الأمر شيء ، بل لغيرنا ممن حملنا على الخروج وأكرهنا عليه ، فحينئذ يمكن أن يكون ذلك جوابا لهذا المقدر ، وفيه أنه لا حاجة إلى هذا التقدير على ذلك التقدير أيضا ، أما إذا كان مرادهم نفي نصر الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه فواضح ؛ لأن في هذا القول إثبات ذلك النصر على أتم وجه ، وأما إذا كان مرادهم أنه لم يبق لهم من الأمر شيء حيث منعوا تدبير أنفسهم ؛ فلأن في ذلك النفي إشعارا بأن لهم تدبيرا ، وأنهم لو تركوا وتدبيرهم ما غمزت قناتهم ، وهذا الإثبات متكفل برد ذلك وإبطاله على وجه سترة عليه كما لا يخفى ، فلا أرى التقدير على ما فيه إلا من ضيق العطن ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب (كله) بالرفع على الابتداء ، والجار متعلق بمحذوف وقع خبرا له ، والجملة خبر (إن) ، وأما على قراءة النصب فكل توكيد لاسم (إن) ، و (لله) خبرها .
وزعم أبو البقاء أنه يجوز أن يكون (كله) بدلا من (الأمر) وفيه بعد .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يخفون في أنفسهم أي يضمرون
[ ص: 96 ] فيها أو يسرون فيما بينهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ما لا يبدون لك أي ما لا يستطيعون إظهاره لك ، والجملة إما استئناف أو حال من ضمير (يقولون) وقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قل إن الأمر كله لله اعتراض بين الحال وصاحبها أي يقولون ما يقولون مظهرين أنهم مسترشدون طالبون للنصر مبطنين الإنكار والتكذيب ، وهذا ظاهر على الاحتمال الثاني في الآية الأولى ، والذاهب إلى حمل الاستفهام فيها على الإنكار يتعين عنده الاستئناف أو يجوز الخبرية ونحوها أيضا على ما مر ، والجملة الجوابية اعتراضية في كل حال سوى احتمال الاستئنافية على الصحيح ، وأما جعل هذه الجملة حالا من ضمير (قل) والرابط لك ، فلا يخفى حاله ( يقولون ) أي في أنفسهم أو خفية لبعضهم إذ لو كان القول جهارا لم يكونوا منافقين ، والجملة إما بدل من (يخفون) أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل : ما الذي أخفوه ؟ فقيل ذلك ، ورجحه بعض المحققين بأنه أكثر فائدة ، وبأن القول إذا حمل على ظاهره لم يتفاوت القولان ؛ لأن قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154هل لنا للمؤمنين ليس في حال قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لو كان لنا لأصحابهم ، وبدل الحال حال ، وأنت تعلم أن هذا الأخير مبني على أن القول الأول كان للمؤمنين ، وقد علمت أنه غير متعين ، وقيل : لأنه لا يجتمع قولان من متكلم واحد ، وفيه أن زمان الحال المقارن ليس مبنيا على التضييق كما لا يخفى ، ومن هنا علل بعض الفضلاء نفي المقارنة بترتب هذا على ما قبله وعدل عن هذا التعليل ، فإن .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا على معنى لو كان لنا شيء من ذلك كما وعد
محمد وادعى أن الأمر لله تعالى ولأوليائه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ما قتلنا فكأن هذا في زعمهم رد لما أجيبوا به أولا ، ويحتمل أن يكون المراد لو كان لنا اختيار وتدبير لم نبرح كما كان رأي
ابن أبي وأتباعه ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ما قتلنا ما غلبنا لأن القائلين ليسوا ممن قتل لاستحالته ، ويحتمل أن يكون الإسناد مجازيا بإسناد ما للبعض للكل ، فالمعنى لو كان لنا شيء من ذلك ما قتل من قتل منا في هذه المعركة ، ثم لا يخفى أن القول بالترتب يستدعي سبق نزول الآية الجوابية وسماعهم لها حتى يتأتى القول بزعم ردها بهذه الشبهة الفاسدة ، والظاهر من الآثار عدم نزولها إذ ذاك ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه سئل عن هذه الآية فقال : لما قتل من قتل من أصحاب
محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أتوا
عبد الله بن أبي فقالوا له : ما ترى ؟ فقال : إنا والله ما نؤامر (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ) .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وخلق كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير رضي الله تعالى عنه قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا أرسل الله تعالى علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، فوالله إني لأسمع قول
معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله تعالى ثم أنزل إلى (ههنا) وقد يقال : إن هذا القول منهم كالاستدلال على القول الأول ، وإن كلا القولين وقع منهم ابتداء وقصه الله تعالى علينا رادا له ، وهذا ظاهر على تقدير أن يكون الاستفهام إنكاريا ، وأما على تقدير أن يكون حقيقيا ففيه خفاء فتأمل ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قل يا محمد في جواب ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لو كنتم أيها المنافقون
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154في بيوتكم ومنازلكم بالمدينة ولم تخرجوا للقتال بحملتكم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لبرز أي لخرج لسبب من الأسباب الداعية إلى البروز
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154الذين كتب في اللوح المحفوظ أو قدر في سابق علم الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154عليهم القتل في تلك المعركة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154إلى مضاجعهم أي مصارعهم التي علم الله تعالى وقدر قتلهم فيها وقتلوا هناك البتة ، فإن قضاء الله تعالى لا يرد ،
[ ص: 97 ] وحكمه لا يعقب ، وفيه من المبالغة في رد مقالتهم الباطلة ما لا يخفى ، وزعم بعض أن الظاهر الأبلغ أن يراد بمن كتب عليهم القتل الكفار القاتلون ، أي لخرج الذين يقتلون من بين قومهم إلى مضاجع المقتولين ولم ينج أحد منهم مع تحصنهم بالمدينة وتحفظهم في بيوتهم ، ولا يخفى بعده لما فيه من التفكيك ، ولأن الظاهر من (عليهم) أنهم مقتولون لا قاتلون ، وقيل : المعنى لو لزمتم منازلكم أيها المنافقون والمرتابون وتخلفتم عن القتال لخرج إلى البراز المؤمنون الذين فرض عليهم القتال صابرين محتسبين فيقتلون ويقتلون ويؤول إلى قولنا : لو تخلفتم عن القتال لا يتخلف المؤمنون ، والمضاجع جمع مضجع ، فإن كان بمعنى المرقد فهو استعارة للمصرع ، وإن كان بمعنى محل امتداد البدن مطلقا للحي والميت فهو حقيقة ، وقرئ ( كتب ) بالبناء للفاعل ، ونصب ( القتل ) ، و (كتب عليهم القتال) ، و (لبرز) بالتشديد على البناء للمفعول .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وليبتلي الله ما في صدوركم أي ليختبر الله تعالى ما في صدوركم بأعمالكم ، فإنه قد علمه غيبا ويريد أن يعلمه شهادة لتقع المجازاة عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، أو ليعاملكم معاملة المبتلى الممتحن قاله غير واحد ، وهو خطاب للمؤمنين ، واللام للتعليل ومدخولها علة لفعل مقدر قبل معطوف على علل أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل : فعل ما فعل لمصالح جمة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وليبتلي إلخ ، أو لفعل مقدر بعد أي ، وللابتلاء المذكور : فعل ما فعل لا لعدم العناية بشأن أوليائه وأنصار نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم مثلا .
والعطف على هذا عند بعض المحققين على قوله تعالى : ( أنزل عليكم ) والفصل بينهما مغتفر ؛ لأن الفاصل من متعلقات المعطوف عليه لفظا أو معنى ، وقيل : إنه لا حذف في الكلام وإنما هو معطوف على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153لكيلا تحزنوا أي أثابكم بالغم لأمرين : عدم الحزن والابتلاء ، واستبعد بأن توسط تلك الأمور محتاج إلى نكتة حينئذ وهي غير ظاهرة ، وأبعد منه بل لا يكاد يقبل العطف على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ليبتليكم أي صرفكم عنهم ليبتليكم وليبتلي ما في صدوركم ، وجعله بعضهم معطوفا على علة محذوفة وكلتا العلتين
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لبرز الذين كأنه قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم لنفاذ القضاء ، أو لمصالح جمة وللابتلاء .
واعترض بأن الذوق السليم يأباه ؛ فإن مقتضى المقام بيان حكمة ما وقع يومئذ من الشدة والهول لا بيان حكمة البروز المفروض ، وإنما جعل الخطاب للمؤمنين لأنهم المعتد بهم ، ولأن إظهار حالهم مظهر لغيرهم .
وقيل : إنه لهم وللمنافقين أي ليبتلي ما في سرائركم من الإخلاص والنفاق ، وقيل : للمنافقين خاصة لأن سوق الآية لهم ، وظاهر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وليمحص ما في قلوبكم أي ليخلص ما فيها من الاعتقاد من الوسواس يرجح الأول ؛ لأن المنافقين لا اعتقاد لهم ليمحص من الوساوس ويخلص منها ، ولعل القائلين بكون الخطاب للمنافقين فقط أو مع المؤمنين يفسرون التمحيص بالكشف والتمييز ، أي ليكشف ما في قلوبكم من مخفيات الأمور أو النفاق ويميزها ، إلا أن حمل التمحيص على هذا المعنى يجعل هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها ، وإنما عبر بالقلوب هنا كما قيل لأن التمحيص متعلق بالاعتقاد على ما أشرنا إليه ، وقد شاع استعمال القلب مع ذلك فيقال : اعتقد بقلبه ، ولا تكاد تسمعهم يقولون اعتقد بصدره أو آمن بصدره ، وفي القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وليس فيه كتب في صدورهم الإيمان ، نعم يذكر الصدر مع الإسلام كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أفمن شرح الله صدره للإسلام ومن هنا قال بعض السادات : القلب مقر الإيمان ، والصدر محل الإسلام ، والفؤاد مشرق المشاهدة ، واللب مقام التوحيد الحقيقي ، ولعل الآية على هذا تؤول إلى قولنا : ليبتلي إسلامكم وليمحص إيمانكم ، وربما يقال
[ ص: 98 ] عبر بذلك مع التعبير فيما قبل بالصدور للتفنن بناء على أن المراد بالجمعين واحد .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154والله عليم بذات الصدور (154) أي بما في القلوب التي في الصدور من الضمائر الخفية ، ووصفت بذلك لأنها لتمكنها من الصدور جعلت كأنها مالكة لها ، فذات بمعنى صاحبة لا بمعنى ذات الشيء ونفسه ، وفي الآية وعد ووعيد أو أحدهما فقط على الخلاف في الخطاب ، وفيها تنبيه على أن الله تعالى غني عن الابتلاء ، وإنما يبرز صورة الابتلاء لحكم يعلمها كتمرين المؤمنين أو إظهار حال المنافقين ، واختار الصدور ههنا لأن الابتلاء الغني عنه سبحانه كان متعلقا بما فيها ، والتمحيص على المعنى الأول تصفية وتطهير ، وليس ذلك مما تشعر به هذه الجملة بأنه سبحانه غني عنه ، وإنما فعله لحكمة ، نعم إذا أريد به الكشف والتمييز يصح أن يقال : إن هذه الجملة مشعرة بأنه تعالى غني أيضا .
ومن هنا جوز بعض المحققين كونها حالا من متعلق الفعلين ، أي فعل ما فعل للابتلاء والكشف ، والحال أنه تعالى غني عنهما محيط بخفيات الأمور ، إلا أنه لا يظهر حينئذ سر التعبير عن الإسرار والخفيات بذات الصدور دون ذات القلوب ، مع أن التعبير الثاني أولى بها لأن القلوب محلها بلا واسطة ، ومحلية الصدور لها بحسب الظاهر بواسطة القلوب ، اللهم إلا أن يقال : إن ذات الصدور بمعنى الأشياء التي لا تكاد تفارق الصدور لكونها حالة فيها بل تلازمها وتصاحبها أشمل من ذات القلوب لصدق الأولى على الأسرار التي في القلوب وعلى القلوب أنفسها ، لأن كلا من هذين الأمرين ملازم للصدور باعتبار كونه حالا فيها دون الثانية ؛ لأنها لا تصدق إلا على الأسرار لأنها الحالة فيها دون الصدور فحينئذ يمكن أن يراد من ذات الصدور هذا المعنى الشامل ، ويكون التعبير بها لذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=18791_20002_28723_29687_30451_30563_30569_30803_34091_34103_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153فَأَثَابَكُمْ وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ حَقًّا ، وَالْمَعْنَى ثُمَّ وَهَبَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ الَّذِي اعْتَرَاكُمْ ، وَالتَّصْرِيحُ بِتَأَخُّرِ الْإِنْزَالِ عَنْهُ مَعَ دَلَالَةِ ثُمَّ عَلَيْهِ وَعَلَى تَرَاخِيهِ عَنْهُ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ ، وَتَذْكِيرِ عِظَمِ الْمِنَّةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154أَمَنَةً مَصْدَرٌ كَالْمَنَعَةِ وَهُوَ مَفْعُولُ (أَنْزَلَ) أَيْ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ أَمْنًا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154نُعَاسًا بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهَا ، وَقِيلَ : عَطْفُ بَيَانٍ ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154نُعَاسًا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ ، وَ (أَمَنَةً) حَالٌ مِنْهُ ، وَالْمُرَادُ ذَا أَمَنَةٍ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا مِنَ النَّكِرَةِ لِتَقَدُّمِهَا أَوْ حَالٌ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذَوِي أَمَنَةٍ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ آمِنٍ كَبَارٍّ وَبَرَرَةٍ .
وَقِيلَ : إِنَّ أَمَنَةً مَفْعُولٌ لَهُ لِنُعَاسًا ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهِ ، وَإِنِ الْتَزَمَ تَقْدِيرُ فِعْلٍ أَيْ نَعَسْتُمْ أَمَنَةً ، وَرُدَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْفِعْلِ مَوْقِعٌ حَسَنٌ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ لِأَنْزَلَ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ لِاخْتِلَافِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْفَاعِلِ إِذْ فَاعِلُ أَنْزَلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَاعِلُ الْأَمَنَةِ هُوَ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمَنَةَ كَمَا يَكُونُ مَصْدَرًا لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الْأَمْنُ يَكُونُ مَصْدَرًا لِمَنْ أَوْقَعَهُ ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي كَأَنَّهُ قِيلَ : أَنْزَلَ عَلَيْكُمُ النُّعَاسَ لِيُؤَمِّنَكُمْ بِهِ وَحِينَئِذٍ لَا شُبْهَةَ فِي اتِّحَادِ الْفَاعِلِ ، وَقُرِئَ بِسُكُونِ الْمِيمِ كَأَنَّهَا لِوُقُوعِهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ مَرَّةً مِنَ الْأَمْنِ ، فَلَا يُنَافِي كَوْنُ الْمَقْصُودِ مُطْلَقَ الْأَمْنِ ، وَتَقْدِيمُ الظَّرْفَيْنِ عَلَى الْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ الْمُقَدَّمِ ، وَالتَّشْوِيقِ إِلَى الْمُؤَخَّرِ ، وَتَخْصِيصِ الْخَوْفِ مِنْ بَيْنِ فُنُونِ الْغَمِّ بِالْإِزَالَةِ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ .
فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ انْصَرَفُوا يَوْمَ
أُحُدٍ بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَوَاعَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَدْرًا مِنْ قَابِلٍ فَقَالَ لَهُمْ : نَعَمْ فَتَخَوَّفَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَنْزِلُوا
الْمَدِينَةَ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ : انْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَدْ قَعَدُوا عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَجَنَّبُوا خُيُولَهُمْ فَإِنَّ الْقَوْمَ ذَاهِبُونَ ، وَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَدْ قَعَدُوا عَلَى خُيُولِهِمْ وَجَنَّبُوا أَثْقَالَهُمْ فَإِنَّ الْقَوْمَ يَنْزِلُونَ
الْمَدِينَةَ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَاصْبِرُوا ، وَوَطَّنَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُمُ الرَّسُولُ قَعَدُوا عَلَى الْأَثْقَالِ سِرَاعًا عِجَالًا نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِذَهَابِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ صَدَّقُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَامُوا ، وَبَقِيَ أُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الْقَوْمَ يَأْتُونَهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ إِلَخْ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ : آمَنُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ بِنُعَاسٍ غَشَّاهُمْ ، وَإِنَّمَا يَنْعَسُ مَنْ يَأْمَنُ ، وَالْخَائِفُ لَا يَنَامُ .
وَأَخْرَجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ أَنَّ
أَبَا طَلْحَةَ قَالَ : غَشِيَنَا النُّعَاسُ يَوْمَ
أُحُدٍ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا ، وَكُنْتَ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاسُ يَوْمَئِذٍ ، فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي ، وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ
أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ وَمَا مِنْهُمْ مَنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَمِيدُ تَحْتَ حَجَفَتِهِ - أَيْ تُرْسَهُ - مِنَ النُّعَاسِ ، وَعَنِ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلَهُ .
قِيلَ : وَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْمُؤْمِنِينَ جَعْلُ النُّعَاسِ فِي الْحَرْبِ عَلَّامَةً لِلظَّفَرِ ، وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ فِي
صِفِّينَ ، وَهُوَ مِنَ الْوَارِدَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَالسِّكِّينَةِ الْإِلَهِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْمُهَاجِرُونَ
[ ص: 94 ] وَعَامَّةُ
الْأَنْصَارِ ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَغْشَ الْكُلَّ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الْإِنْزَالِ لِلْكُلِّ ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِنُعَاسًا ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ (تَغْشَى) بِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ (لِلْأَمَنَةِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفَةٌ وَقَعَتْ جَوَابًا لِسُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ مَا حُكْمُ هَذِهِ الْأَمَنَةِ ؟ فَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تَغْشَى طَائِفَةً ، وَقِيلَ : إِنَّهَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأَمَنَةٍ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصِّفَةَ حَقُّهَا أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْبَدَلِ وَعَطْفِ الْبَيَانِ ، وَأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِالْمَفْعُولِ لَهُ ، وَأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنْ يُحَدَّثَ عَنِ الْبَدَلِ دُونَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَطَائِفَةٌ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَيْ جَعَلَتْهُمْ ذَوِي هَمٍّ وَأَوْقَعَتْهُمْ فِيهِ أَوْ مَا يُهِمُّهُمْ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ لَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْرُهُ ، مِنْ أَهَمَّهُ بِمَعْنَى جَعَلَهُ مُهِمًّا لَهُ وَمَقْصُودًا ، وَالْحُصْرُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَقَامِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الْخَائِفِ الَّذِي شَغَلَهُ هَمُّ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154طَائِفَةً مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قَدْ أَهَمَّتْهُمْ إِلَخْ خَبَرُهُ ، وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا نَكِرَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ وَاوِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
سَرَيْنَا وَنَجْمٌ قَدْ أَضَاءَ فَمُذْ بَدَا مُحَيَّاكِ أَخْفَى ضَوْءَ كُلِّ شَارِقِ
أَوْ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ التَّفْصِيلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي أَنَا صَانِعُ
وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ نَعْتًا لَهَا وَالْخَبَرُ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ أَيْ وَمَعَكُمْ ، أَوْ وَهُنَاكَ طَائِفَةٌ ، وَتَقْدِيرُ - وَمِنْكُمْ طَائِفَةٌ - يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُنَافِقُونَ دَاخِلِينَ فِي الْخِطَابِ بِإِنْزَالِ الْأَمَنَةِ ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْجُمْلَةُ إِمَّا حَالِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِفَظَاعَةِ الْهَوْلِ مُؤَكِّدَةٌ لِعِظَمِ النِّعْمَةِ فِي الْخَلَاصِ عَنْهُ ، وَإِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ ، فَالْوَاوُ إِمَّا حَالِيَّةٌ وَإِمَّا اسْتِئْنَافِيَّةٌ ، وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى إِذْ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154أَهَمَّتْهُمْ لَا مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154طَائِفَةً وَإِنْ تَخَصَّصَتْ لِمَا فِي مَجِيءِ الْحَالِ مِنَ الْمُبْتَدَأِ مِنَ الْمَقَالِ ، وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ صِفَةً بَعْدَ صِفَةٍ لِطَائِفَةٍ ، أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ ، أَوْ هِيَ الْخَبَرُ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قَدْ أَهَمَّتْهُمْ صِفَةٌ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ، وَغَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ أَيْ غَيْرَ الظَّنِّ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي يَحِقُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِ تَعَالَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَوْعِيٌّ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ : (غَيْرَ الْحَقِّ) ، وَ (ظَنَّ) مَصْدَرَانِ أَحَدُهُمَا لِلتَّشْبِيهِ وَالْآخِرُ تَأْكِيدٌ لِغَيْرِهِ ، أَيْ يَقُولُونَ غَيْرَ الْحَقِّ ، وَمَفْعُولَا (يَظُنُّونَ) مَحْذُوفَانِ أَيْ يَظُنُّونَ أَنَّ إِخْلَافَ وَعْدِهِ سُبْحَانَهُ حَاصِلٌ ، وَأَبُو الْبَقَاءِ يَجْعَلُ (غَيْرَ الْحَقِّ) مَفْعُولًا أَوَّلًا أَيْ أَمْرًا غَيْرَ الْحَقِّ ، وَ (بِاللَّهِ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي ، وَإِضَافَةُ (ظَنَّ) إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ قِيلَ : إِمَّا مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى مَصْدَرِ صِفَتِهِ وَمَعْنَاهَا الِاخْتِصَاصُ بِالْجَاهِلِيَّةِ كَرَجُلِ صِدْقٍ وَحَاتِمِ الْجُودِ ، فَهِيَ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ أَيِ الْمُخْتَصِّ بِالصِّدْقِ وَالْجُودِ ، فَالْيَاءُ مَصْدَرِيَّةٌ ، وَالتَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ اللَّازِمِ لَهُ ، وَإِمَّا مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ ظَنَّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيِ الشِّرْكِ وَالْجَهْلِ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ اخْتِصَاصِيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَيْضًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنَ شَيْءٍ أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ : هَلْ لَنَا مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَالظَّفَرِ نَصِيبٌ أَيْ لَيْسَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَنْصُرُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ يَقُولُ
[ ص: 95 ] الْحَاضِرُونَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صُورَةِ الِاسْتِرْشَادِ : هَلْ لَنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعْدِهِ بِالنَّصْرِ شَيْءٌ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ .
وَالْجُمْلَةُ قِيلَ : إِمَّا حَالٌ أَوْ خَبَرٌ إِثْرَ خَبَرٍ ، أَوْ صِفَةٌ إِثْرَ صِفَةٍ ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ (يَظُنُّونَ) وَهُوَ بَدَلُ الْكُلِّ بِحَسَبِ الصِّدْقِ ، وَبَدَلُ الِاشْتِمَالِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ ، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يَقُولُونَ هَلْ لَنَا إِلَخْ تَفْسِيرٌ (لِيَظُنُّونَ) وَتَرْجَمَةٌ لَهُ ، وَالِاسْتِفْهَامُ لَا يَكُونُ تَرْجَمَةً لِلْخَبَرِ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ : أَخْبَرَنِي زَيْدٌ قَالَ : لَا تَذْهَبْ أَوْ أَمَرَنِي قَالَ : لَا تَضْرِبْ ، أَوْ نَهَانِي قَالَ : اضْرِبْ ، فَإِنَّ الْمُطَابَقَةَ بَيْنَ الْحِكَايَةِ وَالْمَحْكِيِّ وَاجِبَةٌ .
وَحَاصِلُ الْإِشْكَالِ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الظَّنِّ النِّسْبَةُ التَّصْدِيقِيَّةُ فَكَيْفَ يَقَعُ اسْتِفْهَامُ تَرْجَمَةٍ لَهُ ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ طَلَبُ عِلْمٍ فِيمَا يُشَكُّ وَيُظَنُّ ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الظَّنِّ ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الظَّنَّ أَوِ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِمَا يُقَالُ فِي جَوَابِ ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي بَابِ تَعْلِيقِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ بِاسْتِفْهَامٍ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِفْهَامِ حَقِيقِيًّا ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ إِنْكَارِيًّا فَلَا إِشْكَالَ ، وَلَا قِيلَ وَلَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ فَيَتَطَابَقُ مَعَ مَا قَبْلَهُ فِي الْخَبَرِيَّةِ ، وَبَعْضُ مَنْ جَعَلَهُ إِنْكَارِيًّا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى إِنَّا مَنَعْنَا تَدْبِيرَ أَنْفُسِنَا وَتَصْرِيفَهَا بِاخْتِيَارِنَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ حِينَ أَخْبَرَهُ الْمُنَافِقُونَ بِقَتْلِ
بَنِي الْخَزْرَجِ ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ، قِيلَ : وَظَنُّهُمُ السُّوءَ عَلَى هَذَا تَصْوِيبُهُمْ رَأْيَ
عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَقِيلَ : الِاسْتِفْهَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى هَلْ يَزُولُ عَنَّا هَذَا الْقَهْرُ فَيَكُونُ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَ (مِنَ) الثَّانِيَةُ سَيْفُ خَطِيبٍ ، وَ (شَيْءٌ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَفِي خَبَرِهِ كَمَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ : وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا (لَنَا) فَمِنَ الْأَمْرِ حَالٌ ، وَالثَّانِي (مِنَ الْأَمْرِ) فَلَنَا تَبْيِينٌ وَبِهِ تَتِمُّ الْفَائِدَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قُلْ يَا مُحَمَّدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ أَيْ إِنَّ الشَّأْنَ وَالْغَلَبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِحِزْبِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ ، فَيَنْصُرُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ ، وَيَخْذُلُ أَعْدَاءَهُ وَيَقْهَرُهُمْ ، وَكَنَّى بِكَوْنِ الْغَلَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ كَوْنِهَا لِأَوْلِيَائِهِ لِكَوْنِهِمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَكَانٍ ، أَوْ أَنَّ الْقَضَاءَ أَوِ التَّدْبِيرَ لَهُ تَعَالَى مَخْصُوصٌ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، فَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وَيُجْرِي الْأُمُورَ حَسْبَمَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ فِي سَابِقِ الْقَضَاءِ / وَعَلَى هَذَا لَا كِنَايَةَ فِي الْكَلَامِ ، وَجَاءَ مُؤَكِّدًا لِمَا أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي وَقَعَ هُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَذَلِكَ .
وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ كَوْنُ الِاسْتِفْهَامِ فِيمَا تَقَدَّمَهُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ ، إِذْ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْأَمْرِ لَمْ يُجَابُوا بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مَعَ جُمْلَةِ النَّفْيِ جُمْلَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ لِيَكُونَ الْمَعْنَى لَيْسَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، بَلْ لِغَيْرِنَا مِمَّنْ حَمَلَنَا عَلَى الْخُرُوجِ وَأَكْرَهَنَا عَلَيْهِ ، فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَوَابًا لِهَذَا الْمُقَدَّرِ ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَيْضًا ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُرَادُهُمْ نَفْيَ نَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ فَوَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ إِثْبَاتَ ذَلِكَ النَّصْرِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ حَيْثُ مُنِعُوا تَدْبِيرَ أَنْفُسِهِمْ ؛ فَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ النَّفْيِ إِشْعَارًا بِأَنَّ لَهُمْ تَدْبِيرًا ، وَأَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا وَتَدْبِيرَهُمْ مَا غُمِزَتْ قَنَاتُهُمْ ، وَهَذَا الْإِثْبَاتُ مُتَكَفِّلٌ بِرَدِّ ذَلِكَ وَإِبْطَالِهِ عَلَى وَجْهِ سُتْرَةٍ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى ، فَلَا أَرَى التَّقْدِيرَ عَلَى مَا فِيهِ إِلَّا مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو nindex.php?page=showalam&ids=17379وَيَعْقُوبُ (كُلُّهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ خَبَرًا لَهُ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ (إِنَّ) ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ فَكُلَّ تَوْكِيدٌ لِاسْمِ (إِنَّ) ، وَ (لِلَّهِ) خَبَرُهَا .
وَزَعَمَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (كُلَّهُ) بَدَلًا مِنَ (الْأَمْرَ) وَفِيهِ بُعْدٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَيْ يُضْمِرُونَ
[ ص: 96 ] فِيهَا أَوْ يُسِرُّونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154مَا لا يُبْدُونَ لَكَ أَيْ مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ إِظْهَارَهُ لَكَ ، وَالْجُمْلَةَ إِمَّا اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ (يَقُولُونَ) وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا أَيْ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ مُظْهِرِينَ أَنَّهُمْ مُسْتَرْشِدُونَ طَالِبُونَ لِلنَّصْرِ مُبْطِنِينَ الْإِنْكَارَ وَالتَّكْذِيبَ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فِي الْآيَةِ الْأُولَى ، وَالذَّاهِبُ إِلَى حَمْلِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهَا عَلَى الْإِنْكَارِ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ يَجُوزُ الْخَبَرِيَّةُ وَنَحْوُهَا أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ ، وَالْجُمْلَةُ الْجَوَابِيَّةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ فِي كُلِّ حَالٍ سِوَى احْتِمَالِ الِاسْتِئْنَافِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَأَمَّا جَعْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ (قُلْ) وَالرَّابِطُ لَكَ ، فَلَا يَخْفَى حَالُهُ ( يَقُولُونَ ) أَيْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ خِفْيَةً لِبَعْضِهِمْ إِذْ لَوْ كَانَ الْقَوْلُ جِهَارًا لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ ، وَالْجُمْلَةُ إِمَّا بَدَلٌ مِنْ (يُخْفُونَ) أَوِ اسْتِئْنَافٌ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ نَشَأَ مِمَّا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ : مَا الَّذِي أَخْفَوْهُ ؟ فَقِيلَ ذَلِكَ ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةٍ ، وَبِأَنَّ الْقَوْلَ إِذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَتَفَاوَتِ الْقَوْلَانِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154هَلْ لَنَا لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ فِي حَالِ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَوْ كَانَ لَنَا لِأَصْحَابِهِمْ ، وَبَدَلُ الْحَالِ حَالٌ ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ قَوْلَانِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ ، وَفِيهِ أَنَّ زَمَانَ الْحَالِ الْمُقَارَنِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى التَّضْيِيقِ كَمَا لَا يَخْفَى ، وَمِنْ هُنَا عَلَّلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ نَفْيَ الْمُقَارَنَةِ بِتَرَتُّبِ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَعَدَلَ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ ، فَإِنَّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا عَلَى مَعْنَى لَوْ كَانَ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَعَدَ
مُحَمَّدٌ وَادَّعَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَوْلِيَائِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154مَا قُتِلْنَا فَكَأَنَّ هَذَا فِي زَعْمِهِمْ رَدٌّ لِمَا أُجِيبُوا بِهِ أَوَّلًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَوْ كَانَ لَنَا اخْتِيَارٌ وَتَدْبِيرٌ لَمْ نَبْرَحْ كَمَا كَانَ رَأْيُ
ابْنِ أُبَيٍّ وَأَتْبَاعِهِ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154مَا قُتِلْنَا مَا غُلِبْنَا لِأَنَّ الْقَائِلِينَ لَيْسُوا مِمَّنْ قُتِلَ لِاسْتِحَالَتِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْنَادُ مَجَازِيًّا بِإِسْنَادِ مَا لِلْبَعْضِ لِلْكُلِّ ، فَالْمَعْنَى لَوْ كَانَ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّرَتُّبِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ نُزُولِ الْآيَةِ الْجَوَابِيَّةِ وَسَمَاعِهِمْ لَهَا حَتَّى يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِزَعْمِ رَدِّهَا بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآثَارِ عَدَمُ نُزُولِهَا إِذْ ذَاكَ ، فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : لِمَا قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَقَالُوا لَهُ : مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُؤَامِرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا ) .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ nindex.php?page=showalam&ids=12918وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الْخَوْفُ عَلَيْنَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا النَّوْمَ فَمَا مَنَّا مِنْ رَجُلٍ إِلَّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ قَوْلَ
مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ مَا أَسْمَعُهُ إِلَّا كَالْحُلُمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا فَحَفِظْتُهَا مِنْهُ ، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَنْزَلَ إِلَى (هَهُنَا) وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُمْ كَالِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَقَعَ مِنْهُمُ ابْتِدَاءً وَقَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا رَادًّا لَهُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيًّا ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا فَفِيهِ خَفَاءٌ فَتَأَمَّلْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قُلْ يَا مُحَمَّدُ فِي جَوَابِ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَوْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154فِي بُيُوتِكُمْ وَمَنَازِلِكُمْ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ تَخْرُجُوا لِلْقِتَالِ بِحَمْلَتِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَبَرَزَ أَيْ لَخَرَجَ لِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْبُرُوزِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154الَّذِينَ كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ قُدِّرَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ فِي تِلْكَ الْمَعْرَكَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154إِلَى مَضَاجِعِهِمْ أَيْ مَصَارِعِهِمُ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ قَتْلَهُمْ فِيهَا وَقُتِلُوا هُنَاكَ الْبَتَّةَ ، فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُرَدُّ ،
[ ص: 97 ] وَحُكْمُهُ لَا يُعَقَّبُ ، وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي رَدِّ مَقَالَتِهِمُ الْبَاطِلَةِ مَا لَا يَخْفَى ، وَزَعَمَ بَعْضٌ أَنَّ الظَّاهِرَ الْأَبْلَغَ أَنْ يُرَادَ بِمَنْ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ الْكُفَّارُ الْقَاتِلُونَ ، أَيْ لَخَرَجَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِمْ إِلَى مَضَاجِعِ الْمَقْتُولِينَ وَلَمْ يَنْجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَحَصُّنِهِمْ بِالْمَدِينَةِ وَتَحَفُّظِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّفْكِيكِ ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ (عَلَيْهِمْ) أَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ لَا قَاتِلُونَ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَوْ لَزِمْتُمْ مَنَازِلَكُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَابُونَ وَتَخَلَّفْتُمْ عَنِ الْقِتَالِ لَخَرَجَ إِلَى الْبِرَازِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَيَؤُوَّلُ إِلَى قَوْلِنَا : لَوْ تَخَلَّفْتُمْ عَنِ الْقِتَالِ لَا يَتَخَلَّفُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَالْمُضَاجِعُ جَمْعُ مَضْجَعٍ ، فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَرْقَدِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لِلْمَصْرَعِ ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى مَحَلِّ امْتِدَادِ الْبَدَنِ مُطْلَقًا لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ ، وَقُرِئَ ( كَتَبَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ، وَنَصْبِ ( الْقَتْلَ ) ، وَ (كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) ، وَ (لَبُرِّزَ) بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَيْ لِيَخْتَبِرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي صُدُورِكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ غَيْبًا وَيُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَهُ شَهَادَةً لِتَقَعَ الْمُجَازَاةُ عَلَيْهِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ ، أَوْ لِيُعَامِلَكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُبْتَلَى الْمُمْتَحَنِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَهُوَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَمَدْخُولُهَا عِلَّةٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ قَبْلَ مَعْطُوفٍ عَلَى عِلَلٍ أُخْرَى مَطْوِيَّةٍ لِلْإِيذَانِ بِكَثْرَتِهَا كَأَنَّهُ قِيلَ : فَعَلَ مَا فَعَلَ لِمَصَالِحَ جَمَّةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَلِيَبْتَلِيَ إِلَخْ ، أَوْ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ أَيْ ، وَلِلِابْتِلَاءِ الْمَذْكُورِ : فَعَلَ مَا فَعَلَ لَا لِعَدَمِ الْعِنَايَةِ بِشَأْنِ أَوْلِيَائِهِ وَأَنْصَارِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا .
وَالْعَطْفُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : ( أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ ) وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا مُغْتَفَرٌ ؛ لِأَنَّ الْفَاصِلَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى ، وَقِيلَ : إِنَّهُ لَا حَذْفَ فِي الْكَلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153لِكَيْلا تَحْزَنُوا أَيْ أَثَابَكُمْ بِالْغَمِّ لِأَمْرَيْنِ : عَدَمِ الْحُزْنِ وَالِابْتِلَاءِ ، وَاسْتُبْعِدَ بِأَنَّ تَوَسُّطَ تِلْكَ الْأُمُورِ مُحْتَاجٌ إِلَى نُكْتَةٍ حِينَئِذٍ وَهِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ بَلْ لَا يَكَادُ يُقْبَلُ الْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152لِيَبْتَلِيَكُمْ أَيْ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلِيَبْتَلِيَ مَا فِي صُدُورِكُمْ ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعْطُوفًا عَلَى عِلَّةٍ مَحْذُوفَةٍ وَكِلْتَا الْعِلَّتَيْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَبَرَزَ الَّذِينَ كَأَنَّهُ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ ، أَوْ لِمَصَالِحَ جَمَّةٍ وَلِلِابْتِلَاءِ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الذَّوْقَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ ؛ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْمَقَامِ بَيَانُ حِكْمَةِ مَا وَقَعَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْهَوْلِ لَا بَيَانُ حِكْمَةِ الْبُرُوزِ الْمَفْرُوضِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الْمُعْتَدُّ بِهِمْ ، وَلِأَنَّ إِظْهَارَ حَالِهِمْ مُظْهِرٌ لِغَيْرِهِمْ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ لَهُمْ وَلِلْمُنَافِقِينَ أَيْ لِيَبْتَلِيَ مَا فِي سَرَائِرِكُمْ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَالنِّفَاقِ ، وَقِيلَ : لِلْمُنَافِقِينَ خَاصَّةً لِأَنَّ سَوْقَ الْآيَةِ لَهُمْ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ أَيْ لِيُخَلِّصَ مَا فِيهَا مِنَ الِاعْتِقَادِ مِنَ الْوَسْوَاسِ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا اعْتِقَادَ لَهُمْ لِيُمَحَّصَ مِنَ الْوَسَاوِسِ وَيُخَلَّصَ مِنْهَا ، وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْخِطَابِ لِلْمُنَافِقِينَ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يُفَسِّرُونَ التَّمْحِيصَ بِالْكَشْفِ وَالتَّمْيِيزِ ، أَيْ لِيَكْشِفَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ مُخْفَيَاتِ الْأُمُورِ أَوِ النِّفَاقِ وَيُمَيِّزَهَا ، إِلَّا أَنَّ حَمْلَ التَّمْحِيصِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَجْعَلُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَالتَّأْكِيدِ لِمَا قَبْلَهَا ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْقُلُوبِ هُنَا كَمَا قِيلَ لِأَنَّ التَّمْحِيصَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ ، وَقَدْ شَاعَ اسْتِعْمَالُ الْقَلْبِ مَعَ ذَلِكَ فَيُقَالُ : اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ ، وَلَا تَكَادُ تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ اعْتَقَدَ بِصَدْرِهِ أَوْ آمَنَ بِصَدْرِهِ ، وَفِي الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَلَيْسَ فِيهِ كَتَبَ فِي صُدُورِهِمُ الْإِيمَانَ ، نَعَمْ يُذْكَرُ الصَّدْرُ مَعَ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ السَّادَاتِ : الْقَلْبُ مَقَرُّ الْإِيمَانِ ، وَالصَّدْرُ مَحَلُّ الْإِسْلَامِ ، وَالْفُؤَادُ مَشْرِقُ الْمُشَاهَدَةِ ، وَاللُّبُّ مَقَامُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ ، وَلَعَلَّ الْآيَةَ عَلَى هَذَا تُؤَوَّلُ إِلَى قَوْلِنَا : لِيَبْتَلِيَ إِسْلَامَكُمْ وَلِيُمَحِّصَ إِيمَانَكُمْ ، وَرُبَّمَا يُقَالُ
[ ص: 98 ] عَبَّرَ بِذَلِكَ مَعَ التَّعْبِيرِ فِيمَا قَبْلُ بِالصُّدُورِ لِلتَّفَنُّنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعَيْنِ وَاحِدٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) أَيْ بِمَا فِي الْقُلُوبِ الَّتِي فِي الصُّدُورِ مِنَ الضَّمَائِرِ الْخَفِيَّةِ ، وَوُصِفَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنَ الصُّدُورِ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهَا ، فَذَاتُ بِمَعْنَى صَاحِبَةٌ لَا بِمَعْنَى ذَاتِ الشَّيْءِ وَنَفْسِهِ ، وَفِي الْآيَةِ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْخِطَابِ ، وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الِابْتِلَاءِ ، وَإِنَّمَا يُبْرِزُ صُورَةَ الِابْتِلَاءِ لِحِكَمٍ يَعْلَمُهَا كَتَمْرِينِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ إِظْهَارِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ ، وَاخْتَارَ الصُّدُورَ هَهُنَا لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ الْغَنِيَّ عَنْهُ سُبْحَانَهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَا فِيهَا ، وَالتَّمْحِيصُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ تَصْفِيَةٌ وَتَطْهِيرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا تُشْعِرُ بِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِحِكْمَةٍ ، نَعَمْ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْكَشْفُ وَالتَّمْيِيزُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ أَيْضًا .
وَمِنْ هُنَا جَوَّزَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ كَوْنَهَا حَالًا مِنْ مُتَعَلِّقِ الْفِعْلَيْنِ ، أَيْ فَعَلَ مَا فَعَلَ لِلِابْتِلَاءِ وَالْكَشْفِ ، وَالْحَالُ أَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْهُمَا مُحِيطٌ بِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ سِرُّ التَّعْبِيرِ عَنِ الْإِسْرَارِ وَالْخَفِيَّاتِ بِذَاتِ الصُّدُورِ دُونَ ذَاتِ الْقُلُوبِ ، مَعَ أَنَّ التَّعْبِيرَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهَا لِأَنَّ الْقُلُوبَ مَحَلُّهَا بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَمَحَلِّيَّةُ الصُّدُورِ لَهَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِوَاسِطَةِ الْقُلُوبِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ ذَاتَ الصُّدُورِ بِمَعْنَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَكَادُ تُفَارِقُ الصُّدُورَ لِكَوْنِهَا حَالَّةً فِيهَا بَلْ تَلَازُمُهَا وَتُصَاحُبُهَا أَشْمَلُ مِنْ ذَاتِ الْقُلُوبِ لِصِدْقِ الْأُولَى عَلَى الْأَسْرَارِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ وَعَلَى الْقُلُوبِ أَنْفُسِهَا ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مُلَازِمٌ لِلصُّدُورِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَالًّا فِيهَا دُونَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْدُقُ إِلَّا عَلَى الْأَسْرَارِ لِأَنَّهَا الْحَالَّةُ فِيهَا دُونَ الصُّدُورِ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ ذَاتِ الصُّدُورِ هَذَا الْمَعْنَى الشَّامِلُ ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِهَا لِذَلِكَ .