وما كسب أي: والذي كسبه على أن ما موصولة، وجوز أن تكون مصدرية؛ أي: وكسبه، وقال إذا كان ما الأولى استفهامية فيجوز أن تكون هذه كذلك؛ أي: وأي شيء كسب؛ أي: لم يكسب شيئا. وقال أبو حيان: عصام الدين: يحتمل أن تكون نافية، والمعنى: ما أغنى عنه ماله مضرة وما كسب منفعة، وظاهره أنه جعل فاعل: ( كسب ) ضمير المال وهو كما ترى.
واستظهر في البحر موصوليتها فالعائد محذوف أي: ولذي كسبه به من الأرباح والنتائج والمنافع والوجاهة والاتباع، أو ما أغنى عنه ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه أو ماله والذي كسبه من عمله الخبيث الذي هو كيده في عداوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال أو من عمله الذي يظن أنه منه على شيء كقوله تعالى: الضحاك، وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا كما قال قتادة.
وعن ابن عباس ما كسب من الولد؛ أخرج ومجاهد: عن أبو داود مرفوعا: عائشة «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه».
وروي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي، وكان له ثلاثة أبناء؛عتبة ومعتب وقد أسلما يوم الفتح، وسر النبي عليه الصلاة والسلام بإسلامهما ودعا لهما، وشهدا حنينا والطائف، وعتيبة بالتصغير ولم يسلم. وفي ذلك يقول صاحب كتاب الألباء:
كرهت عتيبة إذ أجرما وأحببت عتبة إذ أسلما كذا معتب مسلم فاحترز
وخف أن تسب فتى مسلما
وكانت بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند أم كلثوم عتيبة، أختها عند أخيه ورقية عتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فطلقاهما، إلا أن عتيبة المصغر كان قد أراد الخروج إلى الشام مع أبيه فقال: لآتين محمدا عليه الصلاة والسلام وأوذينه. فأتاه فقال: يا محمد، إني كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل تجاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يصبه عليه الصلاة والسلام شيء، وطلق ابنته فأغضبه عليه الصلاة والسلام بما قال وفعل. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: أم كلثوم «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك».
وكان أبو طالب حاضرا، فكره ذلك وقال له: ما أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة. فرجع إلى أبيه ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من دير وقال لهم: إن هذه أرض مسبعة. فقال أبو لهب: أغيثوني يا معشر قريش في هذه الليلة؛ فإني أخاف على ابني دعوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم خوفا من الأسد، فجاء أسد يتشمم وجوههم حتى أتى عتيبة فقتله، وفي ذلك يقول حسان:
من يرجع العام إلى أهله فما أكيل السبع بالراجع
وهلك أبو لهب نفسه بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال فاجتنبه أهله مخافة العدوي، وكانت قريش تتقيها كالطاعون، فبقي ثلاثا حتى أنتن، فلما خافوا العار استأجروا بعض السودان فاحتملوه ودفنوه، وفي رواية: حفروا له حفرة ودفعوه بعود حتى وقع فيها فقذفوه بالحجارة حتى واروه. وفي أخرى أنهم لم يحفروا له وإنما أسندوه لحائط وقذفوا عليه الحجارة من خلفه حتى توارى فكان الأمر كما أخبر به القرآن.
وقرأ عبد الله: «وما اكتسب» بتاء الافتعال.