كنت أميني وكنت خالصتي وليس كل امرئ بمؤتمن
نعم قيل : مجيء المصدر بوزن فاعل وفاعلة قليل وقيل : إن التاء للتأنيث بناء على أن ما عبارة عن الأجنة .
والتذكير في قوله تعالى : ومحرم على أزواجنا أي على جنس أزواجنا وهن الإناث باعتبار اللفظ واستبعد ذلك بأن فيه رعاية المعنى أولا واللفظ ثانيا وهو خلاف المعهود في الكتاب الكريم من العكس وادعى بعض أن له نظائر فيه منها قوله تعالى : كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها إذ أنث فيه ضمير كل أولا مراعاة للمعنى ثم ذكر حملا على اللفظ وقيل : إن ما هنا جار على المعهود من رعاية اللفظ أولا لأن صلة ما جار ومجرور تقدير متعلقه استقر لا استقرت ولا وجه لذلك لأن المتعلق والضمير المستتر فيه لا يعلم تذكيره وتأنيثه حتى يكون مراعاة لأحد الجانبين والذي يقتضيه الإنصاف أن الحمل على اللفظ بعد المعنى قليل وغيره أولى ما وجد إليه سبيل وذكر بعضهم أن ارتكاب خلاف المعهود ها هنا لا يخلو عن لطف معنوي ولفظي أما الأول فموافقة [ ص: 36 ] القول للفعل حيث أن المعهود من ذوي المروءة جبر قلوب الإناث لضعفهن ولذا يندب للرجل إذا أعطى شيئا لولده أن يبدأ بإناثهم وأما الثاني فمراعاة ما يشبه الطباق بوجه بين خالصة وذكورنا وبين محرم وأزواجنا وهو كما ترى .
وإن يكن ميتة عطف على ما يفهم من الكلام أي ذلك حلال للذكور محرم على الإناث إن ولد حيا وإن ولدت ميتة فهم أي الذكور والإناث فيه أي فيما في بطون الأنعام وقيل : الضمير للميتة إلا أنه لما كان المراد بها ما يعم الذكر والأنثى غلب الذكر فذكر الضمير كما فعل فيما قبله شركاء يأكلون منها جميعا وهذا الذي ذكر في هذه الشرطية إنما يظهر على القول الأول في تفسير الموصول وأما على القول الثاني فيه فلا ولعل الذي يقول به يقرأ الآية بإحدى الأوجه الآتية أو يتأول الضمير وقرأ وقتادة ( خالصة ) بالنصب وخرج ذلك على أنه مصدر مؤكد وخبر المبتدأ الأعرج لذكورنا وقال القطب الرازي : يجوز أن يكون حالا من الضمير في الظرف الواقع صلة أي في حال خلوصه من البطون أي خروجه حيا والتزم جعلها حالا مقدرة ولعله ليس باللازم ومنع غير واحد جعله حالا من الضمير فيما بعده أو من ذكورنا نفسه لأن الحال لا تتقدم على العامل المعنوي كالجار والمجرور واسم الإشارة وها التنبيه العاملة بما تضمنته من معنى الفعل ولا على صاحبها المجرور كما تقرر في محله وقرأ ( خالصا ) بدون تاء مع النصب أيضا والكلام فيه نظير ما مر وقرأ ابن جبير ابن عباس وابن مسعود ( خالصة ) بالرفع والإضافة إلى الضمير على أنه بدل من ما أو مبتدأ ثان وقرأ والأعمش ابن عامر ( وإن تكن ) بالتاء ميتة بالرفع وأبو جعفر يكن بالياء وميتة بالرفع وابن كثير عن وأبو بكر تكن بالتاء عاصم كابن عامر ميتة بالنصب .
قال الإمام : وجه قراءة أنه ألحق الفعل علامة التأنيث لما كان مؤنثا في اللفظ ووجه قراءة ابن عامر أن ميتة اسم يكن وخبره مضمر أي إن يكن لهم أو هناك ميتة وذكر لأن الميتة في معنى الميت . ابن كثير
وقال : لم يلحق الفعل علامة التأنيث لأن تأنيث الفاعل المسند إليه غير حقيقي ولا تحتاج كان إلى خبر لأنها بمعنى وقع وحدث ووجه القراءة الأخيرة أن المعنى وإن تكن الأجنة أو الأنعام ميتة أبو علي سيجزيهم ولا بد وصفهم الكذب على الله تعالى في أمر التحليل والتحريم من قوله تعالى : وتصف ألسنتهم الكذب وهو كما قال بعض المحققين من بليغ الكلام وبديعه فإنهم يقولون : وصف كلامه الكذب إذا كذب وعينه نصف السحر أي ساحر وقده يصف الرشاقة بمعنى رشيق مبالغة حتى كان من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له قال المعري .
سرى برق المعرة بعد وهن فبات برامة يصف الملالا
ونصب وصفهم على ما ذهب إليه الزجاج لوقوعه موقع مصدر يجزيهم فالكلام على تقدير المضاف أي جزاء وصفهم وقيل : التقدير سيجزيهم العقاب بوصفهم أي بسببه فلما سقط الباء نصب ( وصفهم ) .
إنه حكيم عليم (139) تعليل للوعد بالجزاء فإن الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الذي هو من مقتضيات الحكمة واستدل بالآية على أنه لأن ذلك من فعل الجاهلية واستدل بذلك بعض المالكية على مثل ذلك [ ص: 37 ] في الهبة وأخرج لا يجوز الوقف على أولاده الذكور دون الإناث وأن ذلك الوقف يفسخ ولو بعد موت الواقف في التاريخ عن البخاري رضي الله تعالى عنها قالت : يعمد أحدكم إلى المال فيجعله للذكور من ولده إن هذا إلا كما قال الله تعالى : عائشة خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا