إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون
إذ أرسلنا إليهم اثنين بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل، وتتميم التسلية، وهما يحيى وبولس، وقيل: غيرهما فكذبوهما أي: فأتياهم فدعواهم إلى الحق، فكذبوهما في الرسالة فعززنا أي: قوينا، يقال: عزز المطر الأرض إذا لبدها، وقرئ بالتخفيف من عزه إذا غلبه وقهره، وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه، ولأن المقصد ذكر المعزز به بثالث هو شمعون فقالوا أي: جميعا إنا إليكم مرسلون مؤكدين كلامهم لسبق الإنكار؛ لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم، وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم [ ص: 162 ] عيسى - عليه السلام - اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له - وهو حبيب النجار صاحب يس - فسألهما فأخبراه، قال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المريض، ونبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض منذ سنتين فمسحاه فقام فآمن حبيب، وفشا الخبر، وشفي على أيديهما خلق، وبلغ حديثهما إلى الملك، وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم، من أوجدك وآلهتك، فقال: حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس، وقيل: ضربوهما، وقيل: حبسا، ثم بعث عيسى - عليه السلام - شمعون، فدخل متنكرا، وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به، ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به، فقال له يوما: بلغني أنك حبست رجلين، فهل سمعت ما يقولونه؟ قال: لا، حال الغضب بيني وبين ذلك، فدعاهما، فقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء، وليس له شريك، فقال: صفاه وأوجزا، قالا: يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، قال: وما آيتكما؟ قالا: ما يتمنى الملك؟ فدعا بغلام مطموس العينين، فدعوا الله تعالى حتى انشق له بصر، فأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه، فصارتا مقلتين ينظر بهما، فقال له شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ قال: ليس لي عنك سر، إن إلهنا لا يبصر ولا يسمع، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلي ويتضرع، وهم يحسبون أنه منهم.
ثم قال: إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فدعوا بغلام مات من سبعة أيام، فقام وقال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار، وإني أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال: فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: من هم؟ قال: شمعون وهذان، فتعجب الملك فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن، وآمن قوم، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل - عليه السلام – فهلكوا، هكذا قالوا، ولكن لا يساعده سياق النظم الكريم، حيث اقتصر فيه على حكاية تماديهم في العناد واللجاج وركوبهم متن المكابرة في الحجاج، ولم يذكر فيه ممن يؤمن أحد سوى حبيب، ولو أن الملك وقوما من حواشيه آمنوا لكان الظاهر أن يظاهروا الرسل، ويساعدوهم قبلوا في ذلك أو قتلوا كدأب النجار الشهيد، ولكان لهم فيه ذكر ما بوجه من الوجوه، اللهم إلا أن يكون إيمان الملك بطريق الخفية على خوف من عتاة ملئه فيعتزل عنهم معتذرا بعذر من الأعذار.