nindex.php?page=treesubj&link=20056_28195_28723_32635_34134_34148_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما nindex.php?page=treesubj&link=1252_19775_32830_34148_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=64والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما nindex.php?page=treesubj&link=19775_30428_30434_32498_33084_33179_34148_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما nindex.php?page=treesubj&link=30431_30434_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=66إنها ساءت مستقرا ومقاما nindex.php?page=treesubj&link=18896_19246_30505_34148_34290_34357_34359_34406_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما nindex.php?page=treesubj&link=27521_28662_30525_30532_32473_34148_34334_34469_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30438_30525_30532_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=69يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_28723_29694_34298_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_34298_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=71ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا nindex.php?page=treesubj&link=19087_33551_34148_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما nindex.php?page=treesubj&link=18648_29509_34148_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا nindex.php?page=treesubj&link=33179_33301_33690_34148_34416_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما nindex.php?page=treesubj&link=19573_29680_29747_30384_30394_30415_32650_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما nindex.php?page=treesubj&link=30386_30387_30395_30401_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=76خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما nindex.php?page=treesubj&link=29702_30434_30437_30532_30539_30549_34123_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=77قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما
(63) العبودية لله نوعان: عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه، وهي المراد هنا، ولهذا أضافها إلى اسمه "الرحمن" إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63يمشون على الأرض هونا أي: ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وإذا خاطبهم الجاهلون أي: خطاب جهل؛ بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63قالوا سلاما أي:
[ ص: 1207 ] خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله، وهذا مدح لهم بالحلم الكثير، ومقابلة المسيء بالإحسان، والعفو عن الجاهل، ورزانة العقل، الذي أوصلهم إلى هذه الحال.
(64)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=64والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما أي: يكثرون من صلاة الليل، مخلصين فيها لربهم، متذللين، له كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .
(65)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم أي: ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65إن عذابها كان غراما أي: ملازما لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه.
(66)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=66إنها ساءت مستقرا ومقاما وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه، وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها.
(67)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا النفقات الواجبة والمستحبة
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67لم يسرفوا بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح، وإهمال الحقوق الواجبة
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وكان إنفاقهم
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67بين ذلك بين الإسراف والتقتير
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67قواما يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار، وهذا من عدلهم واقتصادهم.
(68)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68والذين لا يدعون مع الله إلها آخر بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء، مقبلين عليه معرضين عما سواه،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68إلا بالحق كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68ولا يزنون بل يحفظون فروجهم
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68ومن يفعل ذلك أي: الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا فسوف
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68يلق أثاما . (69) ثم فسره بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=69يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه أي: في العذاب
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=69مهانا فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه، وكذلك لمن
[ ص: 1208 ] أشرك بالله، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة لكونها إما شرك وإما من أكبر الكبائر.
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30443خلود القاتل والزاني في العذاب فإنه لا يتناوله الخلود؛ لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل، ونص تعالى على هذه الثلاثة؛ لأنها من أكبر الكبائر: فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض.
(70)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إلا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال، وندم على ما مضى له من فعلها، وعزم عزما جازما أن لا يعود،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وآمن بالله إيمانا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وعمل عملا صالحا مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات أي: تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية، وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال: يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا، والله أعلم.
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وكان الله غفورا لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70رحيما بعباده، حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم، ثم وفقهم لها، ثم قبلها منهم.
(71)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=71ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا أي: فليعلم أن توبته في غاية الكمال؛ لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة، فالمقصود من هذا
nindex.php?page=treesubj&link=19705الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها؛ ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره بحسب كمالها.
(72)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72والذين لا يشهدون الزور أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع
nindex.php?page=treesubj&link=19143المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله، والجدال الباطل، والغيبة والنميمة، والسب والقذف والاستهزاء، والغناء المحرم، وشرب الخمر، وفرش الحرير،
[ ص: 1209 ] والصور، ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه، وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو وهو الكلام الذي لا خير فيه، ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية، ككلام السفهاء ونحوهم
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72مروا كراما أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربؤوا بأنفسهم عنه.
وفي قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.
(73)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73والذين إذا ذكروا بآيات ربهم التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73لم يخروا عليها صما وعميانا أي لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها، كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم، ويتم بها إيقانهم، وتحدث لهم نشاطا، ويفرحون بها سرورا واغتباطا.
(74)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا أي: قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74وذرياتنا قرة أعين أي: تقر بهم أعيننا، وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم، عالمين عاملين، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم؛ لأن نفعه يعود عليهم، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74هب لنا بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74واجعلنا للمتقين إماما أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.
ومن المعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19734الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتم إلا بالصبر واليقين، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [ ص: 1210 ] فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=19602_19604_19590الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا، وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.
(75 - 76) ولهذا، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75أولئك يجزون الغرفة بما صبروا أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين؛ وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ولهذا قال هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75ويلقون فيها تحية وسلاما من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.
والحاصل: أن الله وصفهم بالوقار والسكينة، والتواضع له ولعباده، وحسن الأدب، والحلم، وسعة الخلق، والعفو عن الجاهلين، والإعراض عنهم، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار، والتضرع لربهم أن ينجيهم منها، وإخراج الواجب والمستحب في النفقات، والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى- والسلامة من كبائر الذنوب، والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته، والعفة عن الدماء والأعراض، والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية، ولا يفعلونها بأنفسهم، وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم، وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم؛ لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية.
فلله! ما أعلى هذه الصفات، وأرفع هذه الهمم، وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس، وأطهر تلك القلوب، وأصفى هؤلاء الصفوة، وأتقى هؤلاء السادة.
ولله! فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل.
[ ص: 1211 ] ولله! منة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم، وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم؛ ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم، الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان أن يهديهم كما هداهم، ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم.
فاللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا، ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه، نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك، فلا خاب من سألك ورجاك.
(77) ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم، فلم لا يدخل في العبودية؟! فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء، وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=77قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما أي: عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه، وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين.
تم تفسير سورة الفرقان، فلله الحمد والثناء والشكر أبدا.
nindex.php?page=treesubj&link=20056_28195_28723_32635_34134_34148_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا nindex.php?page=treesubj&link=1252_19775_32830_34148_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=64وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا nindex.php?page=treesubj&link=19775_30428_30434_32498_33084_33179_34148_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا nindex.php?page=treesubj&link=30431_30434_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=66إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا nindex.php?page=treesubj&link=18896_19246_30505_34148_34290_34357_34359_34406_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا nindex.php?page=treesubj&link=27521_28662_30525_30532_32473_34148_34334_34469_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30438_30525_30532_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=69يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_28723_29694_34298_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_34298_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=71وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا nindex.php?page=treesubj&link=19087_33551_34148_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا nindex.php?page=treesubj&link=18648_29509_34148_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا nindex.php?page=treesubj&link=33179_33301_33690_34148_34416_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا nindex.php?page=treesubj&link=19573_29680_29747_30384_30394_30415_32650_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا nindex.php?page=treesubj&link=30386_30387_30395_30401_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=76خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا nindex.php?page=treesubj&link=29702_30434_30437_30532_30539_30549_34123_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=77قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا
(63) الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ نَوْعَانِ: عُبُودِيَّةٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ فَهَذِهِ يَشْتَرِكُ فِيهَا سَائِرُ الْخَلْقِ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ، فَكُلُّهُمْ عَبِيدٌ لِلَّهِ مَرْبُوبُونَ مُدَبَّرُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا وَعُبُودِيَّةٌ لِأُلُوهِيَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَهِيَ عُبُودِيَّةُ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَهِيَ الْمُرَادُ هُنَا، وَلِهَذَا أَضَافَهَا إِلَى اسْمِهِ "الرَّحْمَنِ" إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا وَصَلُوا إِلَى هَذِهِ الْحَالِ بِسَبَبِ رَحْمَتِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ صِفَاتِهِمْ أَكْمَلُ الصِّفَاتِ وَنُعُوتَهُمْ أَفْضَلُ النُّعُوتِ، فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا أَيْ: سَاكِنِينَ مُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ وَالْخَلْقِ فَهَذَا وَصْفٌ لَهُمْ بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ وَلِعِبَادِهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ أَيْ: خِطَابَ جَهْلٍ؛ بِدَلِيلِ إِضَافَةِ الْفِعْلِ وَإِسْنَادِهِ لِهَذَا الْوَصْفِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63قَالُوا سَلامًا أَيْ:
[ ص: 1207 ] خَاطَبُوهُمْ خِطَابًا يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ وَيَسْلَمُونَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَاهِلِ بِجَهْلِهِ، وَهَذَا مَدْحٌ لَهُمْ بِالْحِلْمِ الْكَثِيرِ، وَمُقَابَلَةِ الْمُسِيءِ بِالْإِحْسَانِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْجَاهِلِ، وَرَزَانَةِ الْعَقْلِ، الَّذِي أَوْصَلَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ.
(64)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=64وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا أَيْ: يُكْثِرُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، مُخْلِصِينَ فِيهَا لِرَبِّهِمْ، مُتَذَلِّلِينَ، لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
(65)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ أَيِ: ادْفَعْهُ عَنَّا بِالْعِصْمَةِ مِنْ أَسْبَابِهِ وَمَغْفِرَةِ مَا وَقَعَ مِنَّا مِمَّا هُوَ مُقْتَضٍ لِلْعَذَابِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا أَيْ: مُلَازِمًا لِأَهْلِهَا بِمَنْزِلَةِ مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ.
(66)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=66إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَهَذَا مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّضَرُّعِ لِرَبِّهِمْ، وَبَيَانِ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسَ فِي طَاقَتِهِمُ احْتِمَالُ هَذَا الْعَذَابِ، وَلِيَتَذَكَّرُوا مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ صَرْفَ الشِّدَّةِ بِحَسَبِ شِدَّتِهَا وَفَظَاعَتِهَا يَعْظُمُ وَقْعُهَا وَيَشْتَدُّ الْفَرَحُ بِصَرْفِهَا.
(67)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67لَمْ يُسْرِفُوا بِأَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْحَدِّ فَيَدْخُلُوا فِي قِسْمِ التَّبْذِيرِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَلَمْ يَقْتُرُوا فَيَدْخُلُوا فِي بَابِ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ، وَإِهْمَالِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67بَيْنَ ذَلِكَ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67قَوَامًا يَبْذُلُونَ فِي الْوَاجِبَاتِ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَفِيمَا يَنْبَغِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا ضِرَارٍ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِهِمْ وَاقْتِصَادِهِمْ.
(68)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ بَلْ يَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ مُعْرِضِينَ عَمَّا سِوَاهُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَهِيَ نَفْسُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68إِلا بِالْحَقِّ كَقَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ وَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْكَافِرِ الَّذِي يَحِلُّ قَتْلُهُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَلا يَزْنُونَ بَلْ يَحْفَظُونَ فُرُوجَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَيِ: الشِّرْكَ بِاللَّهِ أَوْ قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوِ الزِّنَا فَسَوْفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68يَلْقَ أَثَامًا . (69) ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=69يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ أَيْ: فِي الْعَذَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=69مُهَانًا فَالْوَعِيدُ بِالْخُلُودِ لِمَنْ فَعَلَهَا كُلَّهَا ثَابِتٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لِمَنْ
[ ص: 1208 ] أَشْرَكَ بِاللَّهِ، وَكَذَلِكَ الْوَعِيدُ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهَا إِمَّا شِرْكٌ وَإِمَّا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30443خُلُودُ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي فِي الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْخُلُودُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ سَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ وَلَا يَخْلُدُ فِيهَا مُؤْمِنٌ وَلَوْ فَعَلَ مِنَ الْمَعَاصِي مَا فَعَلَ، وَنَصَّ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: فَالشِّرْكُ فِيهِ فَسَادُ الْأَدْيَانِ، وَالْقَتْلُ فِيهِ فَسَادُ الْأَبْدَانِ، وَالزِّنَا فِيهِ فَسَادُ الْأَعْرَاضِ.
(70)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إِلا مَنْ تَابَ عَنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي وَغَيْرِهَا بِأَنْ أَقْلَعَ عَنْهَا فِي الْحَالِ، وَنَدِمَ عَلَى مَا مَضَى لَهُ مِنْ فِعْلِهَا، وَعَزَمَ عَزْمًا جَازِمًا أَنْ لَا يَعُودَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وَآمَنَ بِاللَّهِ إِيمَانًا صَحِيحًا يَقْتَضِي تَرْكَ الْمَعَاصِي وَفِعْلَ الطَّاعَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا مِمَّا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ أَيْ: تَتَبَدَّلُ أَفْعَالُهُمْ وَأَقْوَالُهُمُ الَّتِي كَانَتْ مُسْتَعِدَّةً لِعَمَلِ السَّيِّئَاتِ تَتَبَدَّلُ حَسَنَاتٍ، فَيَتَبَدَّلُ شِرْكُهُمْ إِيمَانًا وَمَعْصِيَتُهُمْ طَاعَةً، وَتَتَبَدَّلُ نَفْسُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي عَمِلُوهَا ثُمَّ أَحْدَثُوا عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ مِنْهَا تَوْبَةً وَإِنَابَةً وَطَاعَةً تَبَدَّلُ حَسَنَاتٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي حَاسَبَهُ اللَّهُ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِ فَعَدَّدَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ أَبْدَلَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ لِي سَيِّئَاتٍ لَا أَرَاهَا هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لِمَنْ تَابَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الْعَظِيمَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70رَحِيمًا بِعِبَادِهِ، حَيْثُ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ بَعْدَ مُبَارَزَتِهِ بِالْعَظَائِمِ، ثُمَّ وَفَّقَهُمْ لَهَا، ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُمْ.
(71)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=71وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا أَيْ: فَلْيَعْلَمْ أَنَّ تَوْبَتَهُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّهَا رُجُوعٌ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ وَفَلَاحُهُ فَلْيُخْلِصْ فِيهَا وَلْيُخَلِّصْهَا مِنْ شَوَائِبِ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19705الْحَثُّ عَلَى تَكْمِيلِ التَّوْبَةِ وَإِيقَاعِهَا عَلَى أَفْضَلِ الْوُجُوهِ وَأَجَلِّهَا؛ لِيَقْدَمَ عَلَى مَنْ تَابَ إِلَيْهِ فَيُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ بِحَسَبِ كَمَالِهَا.
(72)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أَيْ: لَا يَحْضُرُونَ الزُّورَ أَيِ: الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ، فَيَجْتَنِبُونَ جَمِيعَ
nindex.php?page=treesubj&link=19143الْمَجَالِسِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ أَوِ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ، كَالْخَوْضِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، وَالْجِدَالِ الْبَاطِلِ، وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالسَّبِّ وَالْقَذْفِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَالْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَفُرُشِ الْحَرِيرِ،
[ ص: 1209 ] وَالصُّوَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانُوا لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يَقُولُوهُ وَيَفْعَلُوهُ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الزُّورِ تَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ دِينِيَّةٌ وَلَا دُنْيَوِيَّةٌ، كَكَلَامِ السُّفَهَاءِ وَنَحْوِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72مَرُّوا كِرَامًا أَيْ: نَزَّهُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَكْرَمُوهَا عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ، وَرَأَوْا أَنَّ الْخَوْضَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا إِثْمَ فِيهِ فَإِنَّهُ سَفَهٌ وَنَقْصٌ لِلْإِنْسَانِيَّةِ وَالْمُرُوءَةِ فَرَبَؤُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ.
وَفِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ حُضُورَهُ وَلَا سَمَاعَهُ، وَلَكِنْ عِنْدَ الْمُصَادَفَةِ الَّتِي مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ يُكْرِمُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُ.
(73)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِاسْتِمَاعِهَا وَالِاهْتِدَاءِ بِهَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا أَيْ لَمْ يُقَابِلُوهَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالصَّمَمِ عَنْ سَمَاعِهَا وَصَرْفِ النَّظَرِ وَالْقُلُوبِ عَنْهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا وَلَمْ يُصَدِّقْ، وَإِنَّمَا حَالُهُمْ فِيهَا وَعِنْدَ سَمَاعِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يُقَابِلُونَهَا بِالْقَبُولِ وَالِافْتِقَارِ إِلَيْهَا وَالِانْقِيَادِ وَالتَّسْلِيمِ لَهَا، وَتَجِدُ عِنْدَهُمْ آذَانًا سَامِعَةً وَقُلُوبًا وَاعِيَةً فَيَزْدَادُ بِهَا إِيمَانُهُمْ، وَيَتِمُّ بِهَا إِيقَانُهُمْ، وَتُحْدِثُ لَهُمْ نَشَاطًا، وَيَفْرَحُونَ بِهَا سُرُورًا وَاغْتِبَاطًا.
(74)
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا أَيْ: قُرَنَائِنَا مِنْ أَصْحَابٍ وَأَقْرَانٍ وَزَوْجَاتٍ،
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ أَيْ: تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا، وَإِذَا اسْتَقْرَأْنَا حَالَهُمْ وَصِفَاتِهِمْ عَرَفْنَا مِنْ هِمَمِهِمْ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا تَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى يَرَوْهُمْ مُطِيعِينَ لِرَبِّهِمْ، عَالِمِينَ عَامِلِينَ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ دُعَاءٌ لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ فِي صَلَاحِهِمْ فَإِنَّهُ دُعَاءٌ لِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا جَعَلُوا ذَلِكَ هِبَةً لَهُمْ فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74هَبْ لَنَا بَلْ دُعَاؤُهُمْ يَعُودُ إِلَى نَفْعِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ بِصَلَاحِ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَيَنْتَفِعُ بِهِمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أَيْ: أَوْصِلْنَا يَا رَبَّنَا إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ، دَرَجَةِ الصِّدِّيقِينَ وَالْكُمَّلِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَهِيَ دَرَجَةُ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، وَأَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً لِلْمُتَّقِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، يُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ، وَيُطْمَئَنُّ لِأَقْوَالِهِمْ، وَيَسِيرُ أَهْلُ الْخَيْرِ خَلْفَهُمْ فَيَهْدُونَ وَيَهْتَدُونَ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19734الدُّعَاءَ بِبُلُوغِ شَيْءٍ دُعَاءٌ بِمَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ -دَرَجَةُ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ- لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [ ص: 1210 ] فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19602_19604_19590الدُّعَاءُ يَسْتَلْزِمُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَقْدَارِهِ الْمُؤْلِمَةِ وَمِنَ الْعِلْمِ التَّامِّ الَّذِي يُوصِلُ صَاحِبَهُ إِلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ خَيْرًا كَثِيرًا وَعَطَاءً جَزِيلًا، وَأَنْ يَكُونُوا فِي أَعْلَى مَا يُمْكِنُ مِنْ دَرَجَاتِ الْخَلْقِ بَعْدَ الرُّسُلِ.
(75 - 76) وَلِهَذَا، لَمَّا كَانَتْ هِمَمُهُمْ وَمَطَالِبُهُمْ عَالِيَةً كَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَجَازَاهُمْ بِالْمَنَازِلِ الْعَالِيَاتِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا أَيِ: الْمَنَازِلَ الرَّفِيعَةَ وَالْمَسَاكِنَ الْأَنِيقَةَ الْجَامِعَةَ لِكُلِّ مَا يُشْتَهَى وَتَلَذُّهُ الْأَعْيُنُ؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ صَبْرِهِمْ نَالُوا مَا نَالُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَلِهَذَا قَالَ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا مِنْ رَبِّهِمْ وَمِنْ مَلَائِكَتِهِ الْكِرَامِ وَمِنْ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ وَيَسْلَمُونَ مِنْ جَمِيعِ الْمُنَغِّصَاتِ وَالْمُكَدِّرَاتِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اللَّهَ وَصَفَهُمْ بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، وَالتَّوَاضُعِ لَهُ وَلِعِبَادِهِ، وَحُسْنِ الْأَدَبِ، وَالْحِلْمِ، وَسِعَةِ الْخُلُقِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، وَمُقَابَلَةِ إِسَاءَتِهِمْ بِالْإِحْسَانِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ، وَالْخَوْفِ مِنَ النَّارِ، وَالتَّضَرُّعِ لِرَبِّهِمْ أَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنْهَا، وَإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ فِي النَّفَقَاتِ، وَالِاقْتِصَادِ فِي ذَلِكَ - وَإِذَا كَانُوا مُقْتَصِدِينَ فِي الْإِنْفَاقِ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّفْرِيطِ فِيهِ أَوِ الْإِفْرَاطِ، فَاقْتِصَادُهُمْ وَتَوَسُّطُهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى- وَالسَّلَامَةِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَالِاتِّصَافِ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ، وَالْعِفَّةِ عَنِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ، وَالتَّوْبَةِ عِنْدَ صُدُورِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ مَجَالِسَ الْمُنْكَرِ وَالْفُسُوقِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، وَلَا يَفْعَلُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَتَنَزَّهُونَ مِنَ اللَّغْوِ وَالْأَفْعَالِ الرَّدِيَّةِ الَّتِي لَا خَيْرَ فِيهَا، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ مُرُوءَتَهُمْ وَإِنْسَانِيَّتَهُمْ وَكَمَالَهُمْ وَرِفْعَةَ أَنْفُسِهِمْ عَنْ كُلِّ خَسِيسٍ قَوْلِيٍّ وَفِعْلِيِّ، وَأَنَّهُمْ يُقَابِلُونَ آيَاتِ اللَّهِ بِالْقَبُولِ لَهَا وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، وَالِاجْتِهَادِ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهَا، وَأَنَّهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِأَكْمَلِ الدُّعَاءِ، فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ صَلَاحِ أَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ، وَمِنْ لَوَازِمَ ذَلِكَ سَعْيُهُمْ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَوَعْظِهِمْ وَنُصْحِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى شَيْءٍ وَدَعَا اللَّهَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَسَبِّبًا فِيهِ، وَأَنَّهُمْ دَعَوُا اللَّهَ بِبُلُوغِ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ الْمُمْكِنَةِ لَهُمْ وَهِيَ دَرَجَةُ الْإِمَامَةِ وَالصِّدِّيقِيَّةِ.
فَلِلَّهِ! مَا أَعْلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَأَرْفَعَ هَذِهِ الْهِمَمِ، وَأَجَلَّ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَأَزْكَى تِلْكَ النُّفُوسِ، وَأَطْهَرَ تِلْكَ الْقُلُوبِ، وَأَصْفَى هَؤُلَاءِ الصَّفْوَةِ، وَأَتْقَى هَؤُلَاءِ السَّادَةِ.
وَلِلَّهِ! فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَنِعْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ الَّتِي جَلَّلَتْهُمْ، وَلُطْفُهُ الَّذِي أَوْصَلَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْمَنَازِلِ.
[ ص: 1211 ] وَلِلَّهِ! مِنَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ أَوْصَافَهُمْ، وَنَعَتَ لَهُمْ هَيْئَاتِهِمْ، وَبَيَّنَ لَهُمْ هِمَمَهُمْ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ أُجُورَهُمْ؛ لِيَشْتَاقُوا إِلَى الِاتِّصَافِ بِأَوْصَافِهِمْ، وَيَبْذُلُوا جُهْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَيَسْأَلُوا الَّذِي مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَكْرَمَهُمُ، الَّذِي فَضْلُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ أَنْ يَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَاهُمْ، وَيَتَوَلَّاهُمْ بِتَرْبِيَتِهِ الْخَاصَّةِ كَمَا تَوَلَّاهُمْ.
فَاللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِكَ الْمُسْتَغَاثُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، لَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَلَا نَقْدِرُ عَلَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ إِنْ لَمْ تُيَسِّرْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنَّا ضُعَفَاءُ عَاجِزُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، نَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ وَكَلْتَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةً عَيْنٍ وَكَلْتَنَا إِلَى ضَعْفٍ وَعَجْزٍ وَخَطِيئَةٍ، فَلَا نَثِقُ يَا رَبَّنَا إِلَّا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي بِهَا خَلَقْتَنَا وَرَزَقْتَنَا وَأَنْعَمْتَ عَلَيْنَا بِمَا أَنْعَمْتَ مِنَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَصَرَفْتَ عَنَّا مِنَ النِّقَمِ، فَارْحَمْنَا رَحْمَةً تُغْنِينَا بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ، فَلَا خَابَ مَنْ سَأَلَكَ وَرَجَاكَ.
(77) وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ هَؤُلَاءِ الْعِبَادَ إِلَى رَحْمَتِهِ وَاخْتَصَّهُمْ بِعُبُودِيَّتِهِ لِشَرَفِهِمْ وَفَضْلِهِمْ رُبَّمَا تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ وَأَيْضًا غَيْرُهُمْ، فَلِمَ لَا يَدْخُلُ فِي الْعُبُودِيَّةِ؟! فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُبَالِي وَلَا يَعْبَأُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَأَنَّهُ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ دُعَاءَ الْعِبَادَةِ وَدُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ مَا عَبَأَ بِكُمْ وَلَا أَحَبَّكُمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=77قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا أَيْ: عَذَابًا يَلْزَمُكُمْ لُزُومَ الْغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ، وَسَوْفَ يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ وَالشُّكْرُ أَبَدًا.