فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم
يقول الله تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا تطع المكذبين الذين كذبوك وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، وهذا عام في كل مكذب، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب، وإن كان السياق في شيء [ ص: 1866 ] خاص، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: ودوا أي: المشركون لو تدهن أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، فيدهنون ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، نقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه.
ولا تطع كل حلاف أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذابا إلا وهو مهين أي: خسيس النفس، ناقص الهمة، ليس له رغبة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.
هماز أي: كثير العيب للناس والطعن فيهم بالغيبة والاستهزاء، وغير ذلك.
مشاء بنميم أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهي: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء.
مناع للخير الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك، معتد على الخلق في ظلمهم، في دمائهم وأموالهم وأعراضهم أثيم أي: كثير الإثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى.
عتل بعد ذلك أي: غليظ شر الخلق قاس غير منقاد للحق زنيم أي: دعي، ليس له أصل و لا مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة أي: علامة في الشر، يعرف بها.
وحاصل هذا، أن خصوصا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي. الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق،
وهذه الآيات - وإن كانت كالوليد بن المغيرة أو غيره لقوله عنه: نزلت في بعض المشركين، أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير [ ص: 1867 ] الأولين أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.
ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله، بأن الله سيسمه على خرطومه في العذاب، وليعذبه عذابا ظاهرا، يكون عليه سمة وعلامة، في أشق الأشياء عليه، وهو وجهه.