[ ص: 371 ] ولما أمر بتزكية النفس أتبعه الإعلام بأن منها تزكية الغير، لأن ذلك أدل على الإخلاص، وأجدر بالخلاص، كما دل عليه مثل السفينة الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يأمر بالمعروف ومن يتركه فقال وأمر أهلك بالصلاة كما كان أبوك إسماعيل عليه السلام، ليقودهم إلى كل خير إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولم يذكر الزكاة لدخولها في التزهيد بالآية التي قبلها.
ولما كانت شديدة على النفس عظيمة النفع، قال واصطبر بصيغة الافتعال عليها [أي -] على فعلها، مفرغا نفسك لها وإن شغلتك عن بعض [أمر -] المعاش، لأنا لا نسألك رزقا أي لا نكلفك طلبه لنفسك ولا لغيرك، فإن ما لنا من العظمة [يأبى -] أن نكلفك أمرا، ولا نكفيك ما يشغلك عنه.
ولما كانت النفس بكليتها مصروفة إلى أمر المعاش، كانت كأنها تقول: فمن أين يحصل الرزق؟ فقال: نحن بنون العظمة نرزقك لك ولهم ما قدرناه لكم من أي جهة شئنا من ملكنا الواسع وإن كان يظن أنها بعيدة، ولا ينفع في الرزق حول محتال، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا تدأبوا في تحصيله والسعي فيه، فإن كلا من الجاد فيه والمتهاون به لا يناله أكثر مما قسمناه له في الأزل ولا أقل، [ ص: 372 ] فالمتقي لله المقبل على ذكره واثق بوعده قانع راض فهو في أوسع سعة، والمعرض متوكل على سعيه فهو في كد وشقاء وجهد وعناء أبدا والعاقبة أي الكاملة، وهي التي لا عاقبة في الحقيقة غيرها، وهي الحالة الجميلة المحمودة التي تعقب الأمور، أي تكون بعدها للتقوى أي لأهلها، ولا معولة على الرزق وغيره توازي الصلاة، فقد - أخرجه كان [رسول الله-] صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة عن أحمد وعلقه حذيفة في آخر سورة الحجر، وقال البغوي في معجمه الأوسط: ثنا الطبراني أحمد - هو ابن يحيى الحلواني - ثنا سعيد - هو ابن سليمان - عن عن عبد الله بن المبارك عن معمر محمد بن حمزة عن رضي الله عنه قال: عبد الله بن سلام وأمر أهلك بالصلاة الآية. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة، ثم قرأ
لا يروى هذا الحديث عن إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن سلام ، وقال معمر الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير في تفسيره: وقال : حدثنا أبي حدثنا ابن أبي حاتم عبد الله بن أبي زياد القطران نا سيار نا جعفر عن ثابت قال: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم [ ص: 373 ] إذا أصابته خصاصة نادى أهله: يا أهلاه! صلوا صلوا" ، قال ثابت: وكان الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة، وقد روى الترمذي كلاهما في الزهد - وقال وابن ماجه : حسن غريب - من حديث الترمذي عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة وروى "يقول الله تعالى: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك" من حديث ابن ماجه عن الضحاك الأسود عن رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ابن مسعود وروى أيضا من حديث "من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك" عمر بن سليمان عن عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: زيد بن ثابت . "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة"