ولما قدم سبحانه الحث على التقرب بالأنعام كلها، وكانت الإبل أعظمها خلقا، وأجلها في أنفسهم أمرا، خصها بالذكر في سياق تكون فيه مذكورة مرتين معبرا بالاسم الدال على عظمها، أو أنه خصها لأنه خص
العرب بها دون الأمم الماضية، فقال عاطفا على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=34جعلنا منسكا أو يكون التقدير والله أعلم: فأشركناكم مع الأمم الماضية
[ ص: 50 ] في البقر والغنم
nindex.php?page=treesubj&link=16975_24406_33046_34297_34388_3681_3973_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36والبدن أي الإبل أي المعروفة بعظم الأبدان -
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36جعلناها أي بعظمتنا، وزاد في التذكير بالعظمة بذكر الاسم العلم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لكم من شعائر الله أي أعلام دين الملك الأعظم ومناسكه التي شرعها لكم وشرع فيها الإشعار، وهو أن يطعن بحديدة في سنامها، تمييزا لما يكون منها هديا عن غيره.
ولما نبه على ما فيها من النفع الديني، نبه على ما هو أعم منه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لكم فيها خير بالتسخير الذي هو من منافع الدنيا، والتقريب الذي هو من منافع الآخرة; روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=679630 "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا" nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني في السنن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=935189 " ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد "
ولما ذكر ما فيها، سبب عنه الشكر فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فاذكروا اسم الله أي الذي لا سمي له
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36عليها أي على ذبحها بالتكبير، حال كونها
[ ص: 51 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36صواف قياما معقلة الأيدي اليسرى، فلولا تعظيمه بامتثال شرائعه، ما شرع لكم ذبحها وسلطكم عليها مع أنها أعظم منكم جرما وأقوى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فإذا وجبت جنوبها أي سقطت سقوطا بردت به بزوال أرواحها فلا حركة لها أصلا، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير وقد جاء في حديث مرفوع
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503755 " ولا تعجلوا النفس أن تزهق " وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري في جامعه عن
أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى ابن أبي كثير عن
فرافصة الحنفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ذلك.
ولما كان ربما ظن أنه يحرم الأكل منها للأمر بتقريبها لله تعالى، قال نافيا لذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فكلوا منها إذا كانت تطوعا إن شئتم الأكل، فإن ذلك لا يخرجها عن كونها قربانا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36وأطعموا القانع أي المتعرض للسؤال بخضوع وانكسار
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36والمعتر أي السائل، وقيل: بالعكس، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله، قال في كتاب اختلاف الحديث: والقانع هو السائل، والمعتر هو الزائر والمار، قال
الرازي في اللوامع: وأصله في اللغة أن القاف والنون والعين تدل على الإقبال على الشيء، ثم تختلف معانيه مع اتفاق القياس، فالقانع: السائل، لإقباله على من يساله، والقانع: الراضي الذي لا يسأل، كأنه مقبل على الشيء الذي هو راض به.
ولما كان تسخيرها لمثل هذا القتل على هذه الكيفية مع قوتها
[ ص: 52 ] وكبرها أمرا باهرا للعقل عند التأمل، نبه عليه بالتحريك للسؤال عما هو أعظم منه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36كذلك أي مثل هذا التسخير العظيم المقدار
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36سخرناها بعظمتنا التي لولاها ما كان ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لكم وذللناها ليلا ونهارا مع عظمها وقوتها، ولو شئنا جعلناها وحشية
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لعلكم تشكرون أي لتتأملوا ذلك فتعرفوا أنه ما قادها لكم إلا الله فيكون حالكم حال من يرجى شكره، فتوقعوا الشكر بأن لا تحرموا منها إلا ما حرم، ولا تحلوا إلا ما أحل، وتشهدوا منها ما حث على إهدائه، وتتصرفوا فيها بحسب ما أمركم.
وَلَمَّا قَدَّمَ سُبْحَانَهُ الْحَثَّ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْأَنْعَامِ كُلِّهَا، وَكَانَتِ الْإِبِلُ أَعْظَمَهَا خَلْقًا، وَأَجَلَّهَا فِي أَنْفُسِهِمْ أَمْرًا، خَصَّهَا بِالذِّكْرِ فِي سِيَاقٍ تَكُونُ فِيهِ مَذْكُورَةً مَرَّتَيْنِ مُعَبِّرًا بِالِاسْمِ الدَّالِّ عَلَى عِظَمِهَا، أَوْ أَنَّهُ خَصَّهَا لِأَنَّهُ خَصَّ
الْعَرَبَ بِهَا دُونَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=34جَعَلْنَا مَنْسَكًا أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَأَشْرَكْنَاكُمْ مَعَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ
[ ص: 50 ] فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
nindex.php?page=treesubj&link=16975_24406_33046_34297_34388_3681_3973_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36وَالْبُدْنَ أَيِ الْإِبِلِ أَيِ الْمَعْرُوفَةِ بِعِظَمِ الْأَبْدَانِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36جَعَلْنَاهَا أَيْ بِعَظْمَتِنَا، وَزَادَ فِي التَّذْكِيرِ بِالْعَظَمَةِ بِذِكْرِ الِاسْمِ الْعَلَمِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَيْ أَعْلَامِ دِينِ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ وَمَنَاسِكِهِ الَّتِي شَرَعَهَا لَكُمْ وَشَرَعَ فِيهَا الْإِشْعَارَ، وَهُوَ أَنْ يَطْعَنَ بِحَدِيدَةٍ فِي سَنَامِهَا، تَمْيِيزًا لِمَا يَكُونُ مِنْهَا هَدْيًا عَنْ غَيْرِهِ.
وَلَمَّا نَبَّهَ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ النَّفْعِ الدِّينِيِّ، نَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ بِالتَّسْخِيرِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا، وَالتَّقْرِيبِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ; رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذَيُّ وَحَسَّنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَّةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=679630 "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لِيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا" nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي السُّنَنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=935189 " مَا أُنْفِقَتِ الْوَرِقُ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ "
وَلَمَّا ذَكَرَ مَا فِيهَا، سَبَّبَ عَنْهُ الشُّكْرَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ أَيِ الَّذِي لَا سَمِيَّ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36عَلَيْهَا أَيْ عَلَى ذَبْحِهَا بِالتَّكْبِيرِ، حَالَ كَوْنِهَا
[ ص: 51 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36صَوَافَّ قِيَامًا مُعْقَلَةَ الْأَيْدِي الْيُسْرَى، فَلَوْلَا تَعْظِيمُهُ بِامْتِثَالِ شَرَائِعِهِ، مَا شَرَعَ لَكُمْ ذَبَحَهَا وَسَلَّطَكُمْ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْكُمْ جِرْمًا وَأَقْوَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا أَيْ سَقَطَتْ سُقُوطًا بَرُدَتْ بِهِ بِزَوَالِ أَرْوَاحِهَا فَلَا حَرَكَةَ لَهَا أَصْلًا، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503755 " وَلَا تَعْجَلُوا النَّفْسَ أَنْ تَزْهَقَ " وَقَدْ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
فَرَافِصَةَ الْحَنَفِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ يُحَرَّمُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِلْأَمْرِ بِتَقْرِيبِهَا لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ نَافِيًا لِذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فَكُلُوا مِنْهَا إِذَا كَانَتْ تَطَوُّعًا إِنْ شِئْتُمُ الْأَكْلَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا قُرْبَانًا
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ أَيِ الْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ بِخُضُوعٍ وَانْكِسَارٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36وَالْمُعْتَرَّ أَيِ السَّائِلِ، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ: وَالْقَانِعُ هُوَ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ هُوَ الزَّائِرُ وَالْمَارُّ، قَالَ
الرَّازِي فِي اللَّوَامِعِ: وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْقَافَ وَالنُّونَ وَالْعَيْنَ تَدُلُّ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الشَّيْءِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ مَعَانِيهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْقِيَاسِ، فَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، لِإِقْبَالِهِ عَلَى مَنْ يَسَالُهُ، وَالْقَانِعُ: الرَّاضِي الَّذِي لَا يَسْأَلُ، كَأَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ رَاضٍ بِهِ.
وَلَمَّا كَانَ تَسْخِيرُهَا لِمِثْلِ هَذَا الْقَتْلِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ مَعَ قُوَّتِهَا
[ ص: 52 ] وَكِبَرَهَا أَمْرًا بَاهِرًا لِلْعَقْلِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيكِ لِلسُّؤَالِ عَمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36كَذَلِكَ أَيْ مِثْلَ هَذَا التَّسْخِيرِ الْعَظِيمِ الْمِقْدَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36سَخَّرْنَاهَا بِعَظْمَتِنَا الَّتِي لَوْلَاهَا مَا كَانَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لَكُمْ وَذَلَّلْنَاهَا لَيْلًا وَنَهَارًا مَعَ عِظَمِهَا وَقُوَّتِهَا، وَلَوْ شِئْنَا جَعَلْنَاهَا وَحْشِيَّةً
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ لِتَتَأَمَّلُوا ذَلِكَ فَتَعْرِفُوا أَنَّهُ مَا قَادَهَا لَكُمْ إِلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ حَالُكُمْ حَالَ مَنْ يُرْجَى شُكْرُهُ، فَتُوقِعُوا الشُّكْرَ بِأَنْ لَا تُحَرِّمُوا مِنْهَا إِلَّا مَا حَرَّمَ، وَلَا تُحِلُّوا إِلَّا مَا أَحَلَّ، وَتَشْهَدُوا مِنْهَا مَا حَثَّ عَلَى إِهْدَائِهِ، وَتَتَصَرَّفُوا فِيهَا بِحَسَبِ مَا أَمَرَكُمْ.