الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الذين يرثون الفردوس التي هي أعلى الجنة، وهي في الأصل البستان العظيم الواسع، يجمع محاسن النبات والأشجار من العنب وما ضاهاه من كل ما يكون في البساتين والأودية التي تجمع ضروبا من النبت: فيحوزون منها بعد البعث ما أعد الله لهم فيها من المنازل وما كان أعد للكفار لو آمنوا أو لم يخرجوا بخروج أبويهم من الجنة هم خاصة فيها أي لا في غيرها خالدون وهذه الآيات أجمع ما ذكر في وصف المؤمنين، روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في التفسير من جامعه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة [ ص: 111 ] ورفع يديه فقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا، ثم قال: لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ قد أفلح المؤمنون حتى ختم العشر"

                                                                                                                                                                                                                                      - ورواه النسائي في الصلاة وقال: منكر لا يعرف أحد رواه غير يونس بن سليم ويونس لا نعرفه، وعزى أبو حيان آخر الحديث للحاكم في المستدرك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : فصل في افتتاحها ما أجمل في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير وأعلم بما ينبغي للراكع والساجد التزامه من الخشوع، ولالتحام الكلامين ما ورد الأول أمرا والثاني مدحة وتعريفا بما به كمال الحال، وكأنه لما أمر المؤمنين، وأطمع بالفلاح جزاء لامتثاله، كان مظنة لسؤاله عن تفصيل ما أمر به من العبادة وفعل الخير الذي به يكمل فلاحه فقيل له: المفلح من التزم كذا وكذا، وذكر سبعة أضرب من العبادة هي أصول لما وراءها ومستتبعة سائر التكاليف، وقد بسط حكم كل عبادة منها وما يتعلق بها في الكتاب والسنة; ولما كانت المحافظة على الصلاة منافرة إتيان المأثم جملة إن الصلاة [ ص: 112 ] تنهى عن الفحشاء والمنكر لذلك ما ختمت بها هذه العبادات بعد التنبيه على محل الصلاة من هذه العبادة بذكر الخشوع فيها أولا، واتبعت هذه الضروب السبعة بذكر أطوار سبعة يتقلب فيها الإنسان قبل خروجه إلى الدنيا فقال تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين - إلى قوله: ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين وكأن قد قيل له: إنما كمل خلقك وخروجك إلى الدنيا بعد هذه التقلبات السبعة. وإنما تتخلص من دنياك بالتزام هذه العبادات السبع، وقد وقع عقب هذه الآيات قوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ولعل ذلك مما يقرر هذا الاعتبار ووارد لمناسبته - والله أعلم، وكما أن صدر هذه السورة مفسر لما أجمل في الآيات قبلها فكذا الآيات بعد مفصلة لمجمل ما تقدم في قوله تعالى يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة وهذا كاف في التحام السورتين والله سبحانه المستعان - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية