ولما دل ما تضمنه رزقه سبحانه للميت في سبيله بقتل أو غيره على إحيائه له، ودل سبحانه على ذلك وعلى أنه خير الرازقين بما له من العظمة، وختم بهذين الوصفين، أتبعه دليلا آخر على ذلك كله بآية مشاهدة جامعة بين العالم العلوي والسفلي قاضية بعلوه وكبره، فقال: ألم تر أي أيها المخاطب أن الله أي المحيط قدرة وعلما أنـزل من السماء ماء بأن يرسل رياحا فتثير سحابا فيمطر على الأرض الملساء.
[ ص: 82 ] ولما كان هذا الاستفهام المتلو بالنفي في معنى الإثبات لرؤية الإنزال لكونه فيه معنى الإنكار، عطف على أنـزل معقبا له على حسب العادة قوله، معبرا بالمضارع تنبيها على عظمة النعمة بطول زمان أثر المطر وتجدد نفعه: فتصبح الأرض أي بعد أن كانت مسودة يابسة، ميتة هامدة مخضرة حية يانعة، مهتزة نامية ، بما فيه رزق العبادة، وعمار البلاد، ولم ينصب على أنه جوابه لئلا يفيد نفي الاخضرار، وذلك لأن الاستفهام من حيث فيه معنى الإنكار نفي لنفي رؤية الإنزال الذي هو إثبات الرؤية، فيكون ما جعل جوابا له منفيا، لأن الجواب متوقف على ما هو جوابه، فإذا نفى ما عليه التوقف انتفى المتوقف عليه، أي إذا نفي الملزوم انتفى اللازم، وإذا نفي السبب انتفى المسبب - كما تقدم "فتكون لهم قلوب" فلو نصب "يصبح" على أنه جواب الاستفهام لكان المعنى أن عدم الاخضرار متوقف على نفي النفي للإنزال الذي هو إثبات الإنزال، وهو واضح الفساد - أفاده شيخنا الإمام أبو الفضل رحمه الله.
ولما كان هذا إنتاجا للأشياء من أضدادها، لأن كلا من الماء في [ ص: 83 ] رقته وميوعه والتراب في كثافته، وجموده في غاية البعد عن النبات في تنوعه وخضرته، ونموه وبهجته، قال سبحانه وتعالى منبها على ذلك: إن الله أي الذي له تمام العز وكمال العلم لطيف أي يسبب الأشياء عن أضدادها خبير أي مطلع على السرائر وإن دقت، فلا يستبعد عليه إحياء من أراد بعد موته، والإحسان في رزقه.