ولما ذكر سبحانه الجنة المتضمن ذكرها للبعث، استدل على القدرة عليه بابتداء الخلق للإنسان، ثم لما هو أكبر منه من الأكوان، وما فيهما من المنافع، فلما ثبت ذلك شرع يهدد من استكبر عنه بإهلاك الماضين، وابتدأ بقصة نوح عليه الصلاة والسلام لأنه أول، ولأن نجاته كانت في الفلك المختوم به الآية التي قبله، وفي ذلك تذكير بنعمة النجاة [ ص: 113 ] فيه لأن الكل من نسله، فلما ثبت بالتهديد بإهلاك الماضين القدرة التامة بالاختيار، خوف العرب مثل ذلك العذاب، فلما تم زاجر الإنذار بالنقم شرع في الاستعطاف إلى الشكر بالنعم، بتمييز الإنسان على سائر الحيوان ونحو ذلك، ثم عاد إلى دلائل القدرة على البعث بالوحدانية والتنزه عن الشريك والولد - إلى آخرها، ثم ذكر في أول التي بعدها على ما ذكر هنا من صون الفروج، فذكر حكم من لم يصن فرجه وأتبعه ما يناسبه من توابعه.
ولما كان التقدير: فلقد حكمنا ببعث جميع العباد بعد الممات، فريقا منهم إلى النعيم، وفريقا إلى الجحيم، فإنا قادرون على الإعادة وإن تمزقتم وصرتم ترابا فإنه تراب له أصل في الحياة، كما قدرنا على البداءة فلقد خلقنا أباكم آدم من تراب الأرض قبل أن يكون للتراب أصل في الحياة، عطف عليه قوله، دلالة على هذا المقدر واستدلالا على البعث مظهرا له في مقام العظمة، مؤكدا إقامة لهم بإنكارهم للبعث مقام المنكرين: ولقد خلقنا الإنسان أي هذا النوع الذي تشاهدونه آنسا بنفسه مسرورا بفعله وحسه من سلالة [ ص: 114 ] أي شيء قليل، بما تدل عليه الصيغة كالقلامة والقمامة، انتزعناه واستخلصناه برفق، فكان على نهاية الاعتدال، وهي طينة آدم عليه الصلاة والسلام، سلها - بما له من اللطف - من طين أي جنس طين الأرض، روى الإمام أحمد وأبو داود عن والترمذي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أبي موسى آدم عن قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك" . إن الله خلق