وأنكحوا الأيامى منكم فهي من أيامى المسلمين، فهذا كما قال إن شاء الله تعالى، وعليه [ ص: 209 ] دلائل من الكتاب والسنة، ثم استدل على فساد غير هذا القول بأن الزانية إن كانت مشركة فهي محرمة على زناة المسلمين وغير زناتهم بقوله تعالى ابن المسيب ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولا خلاف في ذلك، وإن كانت مسلمة فهي بالإسلام محرمة على جميع المشركين بكل نكاح بقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ولا خلاف في ذلك أيضا، وبأنه لا اختلاف بين أحد من أهل العلم أيضا في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زواني على من آمن زانيا كان أو عفيفا، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد بكرا في الزنى وجلد امرأة ولم نعلمه قال للزاني: هل لك زوجة فتحرم عليك إذا زنيت، ولا يتزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا، بل قد يروى أن رجلا شكا من امرأته فجورا فقال: طلقها، قال: إني أحبها، قال: استمتع بها - يشير إلى ما رواه أبو داود وغيرهما والنسائي رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: طلقها، قال: إني لا أصبر عنها، قال: فأمسكها" ابن عباس . عن
ورواه البيهقي من حديث والطبراني رضي الله عنه، وقال شيخنا جابر ابن حجر : إنه حديث حسن صحيح - انتهى. قال : وقد روي عن الشافعي رضي الله عنه [ ص: 210 ] قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت: أنكحها نكاح العفيفة المسلمة - انتهى بالمعنى. وقال في الجزء الذي بعد الحج: فوحدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان، ولا حرم واحدا منهما على زوجه; ثم قال: فالاختيار للرجل أن لا ينكح زانية وللمرأة أن لا تنكح زانيا، فإن فعلا فليس ذلك بحرام على واحد منهما، ليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه، ثم قال: وسواء حد الزاني منهما أو لم يحد، أو قامت عليه بينة أو اعترف، لا يحرم زنى واحد منهما ولا زناهما ولا معصية من المعاصي الحلال إلا أن يختلف ديناهما بشرك وإيمان - انتهى. عمر بن الخطاب
وقد علم أنه لم يرد أن هذا الحكم نسخ بآية الأيامى فقط، بل بما انضم إليها من الإجماع وغيره من الآيات والأحاديث بحيث صير ذلك دلالتها على ما تناولته متيقنا كدلالة الخاص على ما تناوله، فلا يقال: إن رحمه الله خالف أصله في أن الخاص لا ينسخ بالعام، لأن ما تناوله الخاص متيقن، وما تناوله العام ظاهر مظنون، وكان هذا الحكم - وهو الحرمة في أول الإسلام بعد الهجرة - لئلا يغلب حال المفسد على المصلح فيختل بعض الأمر كما أشير إليه في البقرة الشافعي
ولا تنكحوا المشركات وفي [ ص: 211 ] المائدة عند ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو من وادي قوله:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل خليل بالمخالل يقتدي
والجنسية علة الضم، والمشاكلة سبب المواصلة، والمخالفة توجب المباعدة وتحرم المؤالفة، وقد روى في الأدب أبو داود في الزهد - وقال: حسن غريب - عن والترمذي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة وروى الإمام "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" في مسنده قال: حدثنا أبو يعلى الموصلي حدثنا يحيى بن معين سعيد بن الحكم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني يحيى بن سعيد عمرة بنت عبد الرحمن قالت: كانت امرأة بمكة مزاحة، يعني فهاجرت إلى المدينة الشريفة ، فنزلت على امرأة شبه لها، فبلغ ذلك رضي الله عنها فقالت صدق حبي! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" عائشة قال: ولا أعلم إلا قال في الحديث: ولا نعرف تلك المرأة، وسيأتي عند عن والطيبات للطيبين تخريج وقال "الأرواح جنود مجندة" الإمام أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري في كتاب المجالسة: حدثنا [ ص: 212 ] أحمد بن علي الخزاز حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبي غزية الأنصاري قال: قال : يقال: إن لله ملكا موكلا بجمع الأشكال بعضها إلى بعض - انتهى. وعزاه شيخنا الشعبي الحافظ أبو الفضل بن حجر في تخريج أحاديث مسند الفردوس إلى رضي الله عنه وقال: بتأليف الأشكال. ويروى أن أمير المؤمنين أنس رضي الله عنه خطب أهل علي ابن أبي طالب الكوفة بعد ثلاثة أيام من مقدمه عليهم فقال: يا أهل الكوفة ، قد علمنا شراركم من خياركم، فقالوا: كيف وما لك إلا ثلاثة أيام؟ فقال: كان معنا شرار وخيار، فانضم خيارنا إلى خياركم، وشرارنا إلى شراركم .
فلما تقررت الأحكام، وأذعن الخاص والعام، وضرب الدين بجرانه، ولم يخش وهي شيء من بنيانه، نسخت الحرمة، وبقيت الكراهة أو خلاف الأولى - والله الموفق. وهذا كله توطئة لبراءة رضي الله عنها كما يأتي إيضاحه عنه عائشة أم المؤمنين والطيبات للطيبين لأنها قرينة خير العالمين وأتقاهم وأعفهم، ولأن كلا منها ومن صفوان رضي الله عنهما بعيد عما رمي به شهير بضده، وإليه الإشارة "بقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 213 ] وفي رواية من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا" وبقول "ما علمت عليه من سوء قط، ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر" رضي الله عنها عن عائشة صفوان رضي الله عنه: إنه قتل شهيدا في سبيل الله. وهذا سوى الآيات المصرحة والأعلام المفصحة، فهو والطيبون تلويح قبل بيان، وتصريح وإشارة بعد عبارة وتوضيح، ليجتمع في براءة رضي الله عنها دليلان عقليان شهوديان اكتنفا الدليل النقلي فكانا سورا عليه، وحفظا من تصويب طعن إليه، وفي ذلك من فخامة أمرها وعظيم قدرها ما لا يقدره حق قدره إلا الذي خصها به. الصديقة